بيّنت الأزمة العابرة بين روسيا وإسرائيل، بعد إسقاط الطائرة الروسية، يوم الإثنين الماضي، مدى استخفاف النظام السوري ليس فقط بدماء السوريين المدنيين، وإنما أيضاً بدماء جنود جيش النظام وعناصر المليشيات الموالية لإيران المتحاربة على الأرض السورية، من جهة واستخفاف الروس الفعلي هم أيضاً بدماء السوريين. فروسيا، كما اتضح من بيان لجيش الاحتلال قبل أسبوعين، كانت تتلقى بشكل دائم فترة زمنية كافية من الإنذار قبل شن 200 غارة إسرائيلية على مواقع مختلفة في سورية، منذ عام 2017 فقط. ورغم تلقيها هذه الإنذارات في وقت كاف، إلا أنها حسبما نعلم ونذكر من نتائج الغارات الإسرائيلية، لم تكن تقوم بنقل تحذيراتها لنظام بشار الأسد، وتكتفي فقط بإبعاد قواتها وطائراتها من مجال النيران الإسرائيلية. وإذا لم يكن هذا كافياً، فإن فلاديمير بوتين، نصير الأسد، لم يجتز يوماً خطوطه الحمراء، أو لنقل شروط إسرائيل لبقاء النظام، وامتنع طيلة الوقت عن تزويد النظام بمنظومات دفاعية متطورة ودقيقة قادرة على صد الغارات الإسرائيلية وتوفير أرواح من سقطوا في هذه الغارات.
ومع أن سلوك بوتين هذا ليس مستهجناً عليه، بواقع تاريخه الدموي في الشيشان ومواقع أخرى، بل قل منذ انخراطه في "كي جي بي"، قبل انهيار النظام السوفييتي ومعسكره، فإنه لا يمكن للمرء أن يمرّ مرور الكرام عن هذه "الشطارة الروسية" والتواطؤ القذر لنظام الأسد، في تمكين إسرائيل من استباحة سورية ما دامت طائراتها لا تقترب ولا تمس بشعرة من "رأس النظام"، ثم التباكي على شهداء الغارات الإسرائيلية.
والكشف الإسرائيلي عن عدد الغارات، من جهة وافتضاح عمق التنسيق بين موسكو وتل أبيب، من جهة ثانية، يعزز شرعية الثورة السورية ضد النظام القائم، كما يعزز شرعية مقاومة هذا النظام وحلفائه على الأرض السورية، وعدم التفريط في حق تقديمه لمحاكم جرائم الحرب، باعتباره نظاماً وافق على استباحة أراضيه جواً وبراً، وخان واجب حماية مواطنيه، مقابل البقاء في الحكم ولو كان الثمن دماء مئاتٍ وربما آلافٍ ليس المدنيين السوريين، الذين قتل منهم النظام أكثر من نصف مليون شخص، بل حياة المئات إن لم يكن الآلاف من جنود النظام دون أن يرد النظام سوى ببيانات الاستنكار والشجب، ومزيد من عمليات القتل للمدنيين والمعارضين، فحياة هؤلاء كلهم لا تساوي حياة 15 جندياً روسياً.