يُخبروننا بذلك

يُخبروننا بذلك

28 اغسطس 2020
("مقام الشهيد" في "رياض الفتح" بالجزائر العاصمة/ Getty)
+ الخط -

خلال أُسبوع واحد، تحدَّث الوزير الأوّلُ الجزائري مرّتَين عن "الأهمّية الاقتصادية" للثقافة. في تغريدةٍ له على حسابه في تويتر السبت الماضي، كتب عبد العزيز جرّاد قائلاً إنَّ "الثقافة لبِنةٌ مهمّة في الإنعاش الاقتصادي"، ثُمّ قال - خلال اختتام تظاهرةٍ حول "التراث اللامادي الجزائري" بالجزائر العاصمة - بعد ذلك بيوَمين إنَّ "الثقافة جزءٌ لا يتجزّأ من مسار الإصلاح الاقتصادي، مثلها مثل كافّة القطاعات الحسّاسة، ومصدَر مهمٌّ مِن مصادر الثروة". وفي المرّتَين، تحدّث عن "ضرورة" تحويل الثقافة إلى قطاعٍ منتِج ومساهِم في ما أسماه "مسار الإنعاش الاقتصادي".

يبدو كلامُ جرّاد لافتاً، ليس لأنّها إحدى المرّات النادرة التي يتحدّث فيها مسؤولٌ في هرم السلطة عن الثقافة (التي نتذكَّر هنا أنَّها تغيبُ تماماً عن أحاديث الرئيس الحالي عبد المجيد تبّون، بينما لم يُفرِد لها في برنامجه الانتخابي سوى أسطرٍ قليلة تضمّنت كلاماً عامّاً ومكروراً)، بل لأنَّ هذا الكلامَ يأتي مِن السُّلطة نفسها، لا مِن مُنظِّرٍ مِن خارج منظومتها يُقدِّم لها مقترحاتٍ بما ينبغي فعلُه. بمعنىً آخر: فإنَّ المطلوبَ مِن جرّاد وغيرِه من المسؤولين هو العملُ على تحويل الثقافة إلى قطاعٍ منتِج فعلاً، وليس إخبارنا بضرورة أو أهمية ذلك.

في فترة وزير الثقافة الأسبق، عز الدين ميهوبي، الذي تزامَن وصوله إلى منصبه مع الإعلان عن إجراءاتٍ لترشيد النفقات بسبب انهيار أسعار النفط في الأسواق الدولية، سمعَ الجزائريّون كثيراً من الكلام، أيضاً، عن "ضرورة تحويل الثقافة إلى قطاعٍ منتِج". أتى ميهوبي إلى الوزارة في 2015 وغادرها في 2019 دون أن يُقدّم لنا أرقاماً عن المداخيل التي حقّقها القطاع الثقافي في فترته التي استمرّت أربع سنوات. وبالطبع، لم يكُن بمقدوره أنْ يفعل؛ لأنَّ "الثقافة المنتِجة" لم تكُن سوى محض كلام.

لا تصوّرات نظرية أو خطوات عملية لتحويل الكلام إلى أفعال

وكما كان يحدُث في السابق، لا يُخبرنا جرّاد عن أيّةِ تصوُّراتٍ نظرية أو خطواتٍ عملية من شأنها تحويل كلامه إلى أفعال، ولا يُقدّمُ حلولاً لمشاكل الكتاب والمسرح والسينما وقاعات العرض وغيرها (وهي مشاكل مفتعلَة غالباً وتتعلّق بالقوانين البيروقراطية وحلولُها ليست مستحيلةً)، بل يكتفي بِجُمَلٍ رنّانةٍ يعرف أنّها ستتحوّل إلى عناوينَ إخباريةٍ تُثبتُ اهتمام الدولة بالقطاع الثقافي؛ بما أنَّ قياس مدى الاهتمام بقطاعٍ مُعيَّنٍ بات يستندُ إلى التصريحات الصحافية، لا إلى ما أُنجز أو لم يُنجَز.

مِن المفارقات أنَّ كلام الوزير الأوَّل يأتي في وقتٍ تشهدُ مؤسَّساتٌ تابعةٌ لوزارة الثقافة حالةً من الانسداد بسبب عجزها عن دفع أجور موظّفيها؛ كما هو الأمرُ بالنسبة إلى "ديوان رياض الفتح"، الذي أنهت وزيرة الثقافة مهامه أول أمس الأربعاء، لتُحمّله بذلك مسؤوليةَ ما اعتبره تحقيقٌ وزاريٌّ جرى مؤخّراً "عجزاً في التسيير". إذا كان "رياض الفتح"، بمحلّاته التجارية وقاعاته وساحاته وفضاءاته، عاجِزاً حتّى عن دفع أُجور موظّفيه، فهذا يكفي لتقديم صورةً قاتمة - لكنّها واقعية - عن وضع بقيّة المؤسّسات الثقافية.

مِن اللافتِ في كلام جرّاد أنّه يُدرج الثقافة ضمن ما أسماه "القطاعات الحسّاسة". إذا كانت الحكومةُ تعبتر الثقافةَ قطاعاً حسّاساً فعلاً، فلماذا تُخصّص له ميزانيةً (لعام 2020) لا تتجاوز 49,9 مليار دينار (قرابة 116 مليون دولار أميركي وهو رقم ضئيل للغاية قياساً بالموازنة العامة الجزائرية البالغة هذا العام 65 مليار دولار أميركي)، وهي أصغر ميزانيةٍ له منذ 2007، وبالكاد تكفي لتسديد رواتب عُمّال القطاع وفواتير الماء والكهرباء؟

المساهمون