يوم وطني لها وللزيتون

يوم وطني لها وللزيتون

30 أكتوبر 2019

(نبيل عناني)

+ الخط -
هل هي مصادفة أن يكون اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية مرتبطا ومتزامنا مع موسم قطف الزيتون في فلسطين، شجرة الزيتون المقدّسة التي تعتبر من ركائز البيت الفلسطيني، وتعتبر منتجات الزيتون من أسس الاقتصاد الفلسطيني، فالزيتون عموما يرتبط بقصة كفاح وصمود طويلة وممتدّة، ويرتبط باقتصاد الأسرة التي ظلت وما زالت، على مر التاريخ، تحرص على وجوده في بيتها وتتبارك وتتفاءل به، وتخصّص له طقوس القطاف والتخزين، ويخرج علينا الآباء بمقولاتهم إن لا بيت يجوع وفيه الزيت، ومن الزيت تخترع الأمهات الفلسطينيات الصابرات المرابطات الأكلات، حتى لو عجن الطحين بالزيت، فهو وجبة تسد الجوع وتملأ البطون. 
تم اعتماد يوم السادس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام يوما وطنيا للمرأة الفلسطينية، تلك المرأة التي قدّمت، وما زالت، نماذج مشرّفة للصبر والكفاح عبر التاريخ، ولذلك ارتبط يومها بموسم الزيتون وقطفه دلالةً على أن المرأة الفلسطينية باقيةٌ كبقاء تلك الشجرة مشتركة معها في البذل والعطاء من أول العمر حتى النهاية، فالشجرة، مهما بلغ بها العمر، فهي تعطي الثمر والزيت، وتحتار كيف تمنح غارسها وماذا تمنح، ويكتشف الجيل الجديد من الصبايا والفتيان مآرب أخرى في تلك الشجرة الصامدة، مثل الأم التي لا يتوقف دورها حين يكبر أولادها، بل يكبر همهم في قلبها، وتستمر بالرعاية والدعاء، حتى ترحل عن الحياة.
على سبيل المثال، تفاجئنا بلدة سلفيت (قضاء نابلس)، في الضفة الغربية، بأن النساء المتقدّمات في العمر هن الحريصات على الخروج إلى موسم قطف الزيتون، وأن النساء فيها يتفنّن في صنع الأكلات، ويبتكرن الوصفات والعلاجات من الزيتون، ولا يتركن حتى مخلفات عصر البذور من دون استفادة، فمنه الوقود والسماد، ومنه الدواء لعلل كثيرة.
تفاجئنا المرأة الفلسطينية بقصة صمود مبتكرةٍ متجدّدة، تبهرنا بهذه القوة التي لا تنطفئ مثل زيت الشجرة المباركة التي هي لا شرقية ولا غربية، والتي يكاد زيتها يضيء من دون نار. تفاجئنا تلك المرأة، وهي أسيرة وجريحة وشهيدة وأرملة وعاملة وطالبة علم، تبهر العالم وهي تبتسم والجراح في قلبها، والأغلال في أيديها، أو بيتها يهدم أمام ناظريها، أو وهي تجبل الحناء في كفّ ولدها الممدّد أمامها شهيدا.
لله در تلك المرأة التي كتب عنها التاريخ حتى مال رأسه تعبا، وهي لم تتعب، ولم تتخلّ، ولم تتزحزح عن مكانتها قبل نكبة فلسطين وبعدها، فقد أثبتت المرأة الفلسطينية أنها متربعة على عرش البطولة في ساحات النضال والكفاح، ولم تضعف ولم تستكن، حتى أمام النظرة السلبية لها من عقولٍ مريضة، ومحاولة تهميشها والتقليل من شأنها، والكيل بمكيالين بخصوص حقوقها، ومطاردة المفاهيم البالية لها في طريق عطائها وتوهجها.
المرأة عموما هي الشريك في كل مراحل بناء الوطن والأمة. ولا يمكن أن يُنظر إليها درجة ثانية أو مرتبة أقل إلا من ضعاف النفوس، وقليلي الهمّة، من الرجال، والذين يقفون مبهورين أمام بطولتها وأمام قدراتها المتفجرة. وإذا كانت المرأة الفلسطينية تسطر، يوما بعد يوم، دروسا جديدة من البطولة، فالمرأة العربية لم تقف بعيدا عن هموم وطنها، ولا عن أزمات بلادها، ففي هذا الوطن وهذه البلاد مستقبل أطفالها. ولذلك، تخرج في كل ميدان ترفع الراية، وتطالب بالحرية والعدالة، والمرأة اللبنانية نموذج مشرق.
يجب أن نقف كل صباح نستنشق هواء فجر جديد، ونرفع اليد قرب الهامة بتحية عسكرية لكل امرأة سجّل التاريخ اسمها، وفتحت بابا جديدا للنضال، وإن تناساها التاريخ فواجبنا أن نذكرها، فربما لم يسمع الجيل الجديد عن أول معتقلةٍ سياسية في زمن الانتداب البريطاني على فلسطين، ساذج نصار. ويجب أن يسمع كثيرا هذا الجيل عن هبة اللبدي، الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي. هذه النماذج النسوية الممتدة هي أمل الجيل وخلاصه، وجلاء روحه، وغسيل نفسه، وصانعة مجده ومستقبله، فلا تاريخ حديث يُكتب من دون قراءة تاريخٍ مضى، يشع نورا عبر الزمن.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.