يوم مثل أي يوم

يوم مثل أي يوم

14 مارس 2019
يوم مشمس في إسطنبول (عيسى تيرلي/ الأناضول)
+ الخط -


اليوم مثل أيّ يوم عادي. يوم مثل أمس، وقد يكون مثل غد. يوم ستوقظنا فيه أصوات الشارع والأذان والهواتف وصياح الأمهات. علينا أن نصحو لنكرّر يوماً مماثلاً ليومٍ كنا فيه قبل دقائق. كأن نستيقظ لنعدّ فطوراً مكوناً من خبزٍ وبيض وألبان وأجبان وحبات من الزيتون وشاي دافئ.
صورة نخاف أن نخسرها، ثمّ تصير قضية نرغب في أن نثور في وجهها. وفيروز التي ورثنا حضورها في صباحاتنا... لا نريدها اليوم لكنّها ستحضر، وكأنها تمنعنا من التفكير في احتمال أن نستغني عنها، ولو لصباح. فيروز، وبعدها صباح ووديع الصافي ونصري شمس الدين، الذين يتجولون في لبنان لم يعد موجوداً.

واليوم، قليلة هي التفاصيل. ماذا نأكل على الغداء؟ وماذا نعد ليومنا؟ وأين نستكين؟ وكيف نضع خطوطاً وهمية بين واقع وحلم؟ نحلم أن الأرض ستسير بنا إلى مكان جميل. لن نموت ونعيش في قبور. سنبقى على الأرض، وننتقل من خطوط إلى أخرى. وقد نكرّر طفولة وشباباً، ونُصلح أموراً ونفسد أخرى. ماذا سنقرّر؟ ها هي الحياة تمنحنا فرصة أخرى، تلك التي انتظرناها، لكنّنا نخاف من ردة فعل. لم تكن رؤوفة معنا، حين أردنا أن نكون مجرد أطفال قادرين على اللهو. مثل أي يوم، سنبحث عن شيء قد لا نجده. وإذا وجدناه، لن نشعر بما كنا ننتظر. أين ذلك الشعور الذي انتظرناه؟ كاد شيء ما يتحقق، وكنا لنخرج من هذا السكون إلى ضجيج لا يقسو على مسامعنا.



وفي يوم مثل أي يوم، سنسمع كثيراً عن حياة لم نعشها وهربت منا، وحياة نريد أن نعيشها، وحياة بعيدة نحلم فيها. نسمع عن حياة بسيطة وأخرى معقّدة. نسمع عنّا على ألسن الآخرين... نستمع إلى الكثير من الحكايا لنصير في منتصف دائرة تحيط بها المرايا. والمرايا تتكاثر يوماً بعد آخر، وتحكي المزيد من القصص. وفي يوم مثل أي يوم، التفاصيل قد تكون باهتة. لا وهج لأية مشاعر. حبّ أم كره أم غضب... لا شيء. حواس صامتة وأجساد تروح وتجيء ولا تصنع فرقاً.

لم يبق الكثير. الأمس كان قريباً وها هو يبتعد. واللحظة تبتعد أيضاً لتلتحق بالأمس. وغداً لا يتأخر كثيراً. الكوكب ملّ بشراً يدوسون أرضه. ليسوا لطفاء كما توقع. وليس رؤوفاً كما توقعوا. مثل أي مؤسسة نصفها قائم على المشاعر والنصف الآخر على حسابات عملية.
اليوم مثل أي يوم آخر. بدأ وانتهى مع أحلام ومن دونها، ومع مشاعر ومن دونها. وغنّت فيروز عن "أملٍ بيطلع من ملل". عيوننا تحدّق في السماء. الأمل قد يظهر في أي لحظة، ويتسلل بين غيوم ستعبث بأمزجتنا. الأمل، بدعتنا للصبر. لكن اليوم... مثل أي يوم آخر. والأسرار؟ لن نبوح بها.

المساهمون