يوم تحدّي السلطة في مصر: المتظاهرون يُسقطون الرصاص

يوم تحدّي السلطة في مصر: المتظاهرون يُسقطون الرصاص

26 ابريل 2016
واجهت السلطات المتظاهرين بالغاز والرصاص الحي (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
بات تاريخ 25 إبريل/نيسان 2016، حدثاً أساسياً في تاريخ التحركات الشعبية ضد نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مع نجاح المتظاهرين أمس في ذكرى تحرير سيناء في تحقيق اختراق جديد في الساحة المصرية، تمثّل بنجاحهم في تحدّي القمع الذي بدأته قوات الأمن قبل أيام من هذا اليوم، والوصول إلى قرب ميدان التحرير، فيما لم يجد النظام رداً على التظاهرات إلا بمزيد من القتل والتنكيل بالمتظاهرين. ولم يحدث منذ فترة أن تكدّست قوات الأمن وتشكيلات الجيش بهذه الكثافة في وسط القاهرة، لتمنع أية محاولة لتجمّع المتظاهرين في منطقة الثورة المصرية التاريخية "ميدان التحرير" وما حولها من الشوارع التي شهدت سقوط نظام حسني مبارك، مع قلق النظام من تصاعد التظاهرات لتضم شرائح متباينة من الشعب المصري وفي أماكن متفرقة، وذلك بعد أيام قليلة من خروج تظاهرات في "جمعة الأرض".

وبدا أن تنازل النظام عن جزيرتي تيران وصنافير، شكّل دفعاً إضافياً للمعارضين، إذ دفع ذلك بمصريين إضافيين للنزول إلى الشارع. وكشفت الخريطة السياسية للمتظاهرين أنهم ينتمون إلى كافة التيارات والأحزاب الموجودة، وبدا واضحاً أيضاً أن المعسكر الموالي للنظام قد خرجت منه العديد من الشخصيات التي تنتقد عملية التنازل عن الجزيرتين، ومن بينهم إعلاميون مثل يوسف الحسيني وإبراهيم عيسى. كما تسربت العديد من الآراء المناهضة للنظام في التلفزيون الرسمي، وهو ما أدى إلى إقالة بعض القيادات فيه مثل رئيس التلفزيون المصري عصام الأمير، وتحويل بعضهم إلى التحقيق مثل المذيعة عزة الحناوي.

لكن الأبرز والأهم في المشهد الجديد هو تظاهر أشخاص شعبيين لا ينتمون إلى أي من الأحزاب والحركات السياسية الموجودة، ومن بينهم شباب صغار السن، ينتمون إلى المرحلة الثانوية وبدايات المرحلة الجامعية، وهم شباب تفتح وعيه على ثورة 2011. كما كان ظهور بعض كبار السن ملفتاً، وقد شارك بعضهم في تحرير سيناء وحرب الاستنزاف.
وعكست تطورات الأحداث أمس الأنباء التي انتشرت في الأيام الأخيرة، عن عزم النظام على منع تكرار تظاهرات "جمعة الأرض". هذا الأمر بدا واضحاً من خلال عنف قوات الأمن بالتعامل مع المتظاهرين وإطلاق الغاز المسيل للدموع وحتى الرصاص الحي لتفريقهم. وكانت صحيفة "الشروق" المقربة من النظام، كشفت نقلاً عن مصادرها في الرئاسة، أن اجتماع السيسي مع أجهزته الأمنية قد أسفر عن توجيه حاسم بعدم تكرار تظاهرات "جمعة الأرض". ولم تمر سوى ساعات قليلة، حتى خرجت رئاسة الجمهورية بتكذيب خبر "الشروق"، فاعتذرت "الشروق". غير أن مضمون الخبر الذي تم تكذيبه، نفذته الأجهزة الأمنية بأقصى ما تستطيع، فقامت بحملة اعتقالات للناشطين السياسيين البارزين، والذين أسهموا بدور بارز في "جمعة الأرض"، أبرزهم عضو حركة الاشتراكيين الثوريين هيثم محمدين، الذي اتهمته النيابة بالانتماء إلى حركة إرهابية، إضافة إلى القبض على عدد من الصحافيين. وكانت مصادر قضائية أعلنت أنها لا تعرف شيئاً عن قرارات إلقاء القبض على هؤلاء الناشطين، وهو ما اعتبرته جهات حقوقية "اختفاء قسرياً"، قبل أن يظهر هؤلاء الناشطون ويتم عرضهم على النيابة، وإعادة ترتيب الأوراق قانونياً.

إضافة إلى تلك الاعتقالات، برز نوع من الاعتقالات العشوائية التي وصلت إلى حد القبض على مجموعات من الشباب الجالسين في مقاهي القاهرة والمحافظات، وبعض مرتادي مترو الأنفاق. كما شهدت بعض الأسواق الشعبية حملات أمنية اختُطف خلالها بعض الأشخاص.
وأظهرت التطورات أمس صحة خبر "الشروق" المكذب بعدم السماح بتكرار تظاهرات "جمعة الأرض"، إذ أحاطت قوات الأمن نقابة الصحافيين وأغلقتها، ومنعت قوات الأمن المتمركزة بكثافة غير مسبوقة الدخول إلى حيز الشوارع المحيطة بالنقابة التي شهدت منبر التظاهرات السابقة، وإضافة إلى ذلك فقد كان الإجراء التقليدي بإغلاق مترو محطة السادات، والانتشار المكثف للمخبرين وقوات الأمن في كل أحياء القاهرة. كما شهدت شوارع القاهرة إيقاف الشباب وتفتيش هواتفهم الجوالة، والقبض على من يُشك في انتمائه للمعارضة. وفي ظل التواجد الأمني المكثف، ظهرت العديد من الابتكارات الشبابية، حيث السير فرادى، والتجمع المفاجئ خلف قوات الأمن، والتفنن في توزيع المنشورات مثل وضعها في علب المناديل الورقية. إضافة إلى التواصل التقليدي عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفيما كانت التظاهرات مقررة أن تكون بعد الثالثة عصراً، إلا أنها بدأت مبكراً جداً في المحافظات، فقد شهدت محافظات الشرقية والدقهلية والمنصورة ودمياط العديد من التظاهرات الصباحية التي طاردتها قوات الأمن وبعض أعوانها من المدنيين لمسافات طويلة، وقامت بالعديد من الاعتقالات.

الانتشار المكثّف وخروج قوات الأمن بهذه الفاعلية وإغلاق الشوارع والمحلات لمنع التظاهرات في وسط القاهرة، مثّل إجراء تخويفياً للمتظاهرين، لكنه في الوقت ذاته شكّل عبئاً كبيراً واستنزافاً مادياً وبشرياً ستعاني منه قوات الأمن المرهقة في الأصل منذ الانقلاب العسكري في يونيو/حزيران 2013. وبدا وضاحاً أن تظاهرات "جمعة الأرض" كانت الحلقة الأولى في معركة الاستنزاف التي قررت قوى المعارضة خوضها ضد النظام. وكانت تلك التظاهرات بمثابة "بروفة" للخروج إلى الشارع، وإحراج الزعامات السياسية الصامتة، وهي جاءت قبل أيام قليلة من حدث تاريخي في التقويم المصري هو ذكرى تحرير سيناء في الخامس والعشرين من إبريل/نيسان.

كما برز تطور ملحوظ في التظاهرات لجهة الشعارات والمطالب التي توحّدت حول مطلب واحد فقط تطور سريعاً، هو رحيل النظام. وإذا كان إعلان "الإخوان المسلمين" بالمشاركة في التظاهرات السابقة في "جمعة الأرض" قد ارتبط ببعض مخاوف القوى الثورية من توجيه دفة التظاهرات لخدمة الجماعة وأهدافها، فقد جاء البيان الثاني لـ"الإخوان" ليعلي من شأن الوحدة على حساب المصالح الضيقة، وضرورة أن يرفع علم مصر وحده بلا شعارات أخرى. وعلى الرغم من وجود "الإخوان المسلمين" في الشوارع منذ 3 يوليو/تموز 2013، فإنهم آثروا الانضمام تحت اللواء الذي رفعته القوى الثورية الأخرى. وأكدت الجماعة في بيان سبق تظاهرات الأمس أن "دعوات التظاهر فيه هي نضال ممتد لم يتوقف ضد الظلم والخيانة منذ استولى العسكر على السلطة بانقلاب، ونحن نثمّن كل دعوة مخلصة ضد جرائم النظام العسكري الانقلابي، وأننا شركاء في أي تحرك وطني جاد نحو تخليص الوطن ممن انتهكوه واختطفوه"، مضيفة: "على الجميع تجنب الخلافات الأيديولوجية ولتكن شعاراتنا وهتافاتنا فقط للوطن والإنسانية المهدورة فيه، فلنكن على قدر الحدث، ولنبتعد عن الخلافات الحزبية والسياسية الضيقة، ولا علم يعلو غداً على علم مصر، ولا هدف سوى إسقاط حكم العسكر وتحرير الوطن". وقد رحبت معظم الحركات السياسية المشاركة، وعلى رأسها حركات الاشتراكيين الثوريين و6 إبريل وحزب مصر القوية، بمشاركة جميع المصريين من دون تمييز، باستثناء حمدين صباحي الذي تحفظ على مشاركة الإخوان المسلمين.