يوميات القراءة: مع محمد عبد النبي

يوميات القراءة: مع محمد عبد النبي

31 مارس 2020
محمد عبد النبي
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع الكتّاب العرب في قراءاتهم أثناء فترة الوباء، وما يودّون مشاركته مع القرّاء في زمن العزلة الإجبارية.


لعلَّ العُزلة والانفراد بالنفس أحد الشروط الأساسية لفِعل القراءة، ثم الكتابة، بالنسبة لي، كما أنَّ طبيعة حياتي لم تكن تتطلَّب مني التنقل الكثير، لذلك لا أظن أنَّ الظروف الراهنة قد سببت تغييرات كثيرة أو كبيرة في عادات القراءة، باستثناء أنها أتاحت لها وقتًا أكبر كان يمكن أن يُخصص للقاءات اجتماعية أو مناسبات ثقافية. لذلك لم تكد تتغير عاداتي في القراءة تقريبًا أو حتَّى نوعية العناوين.

على العموم أحب أن أقرأ أكثر مِن عنوان في الفترة نفسها، شرط عدم تكرار النوع الواحد، أي لن أقرأ روايتين في نفس الوقت مهما اختلفتا، لكن يمكن أن أقرأ رواية وفي نفس الوقت كتابا غير قصصي وديوان شِعر وهكذا، وأحرص على أكبر قدر ممكن من التنوع والاختلاف بين عناوين الفترة الواحدة، بين كتب مكتوبة بالعربية ومُترجمة وكتب أدبية وغير أدبية وهكذا.

في الوقت الراهن أقرأ كتاب "في أثر عنايات الزيَّات"، الذي أصدرته دار "الكتب خان" نهاية العام السابق، للشاعرة والأكاديمية المصرية إيمان مرسال، وهو رِحلة بحث وتقص حميمة وعميقة في حياة وموت وكتابة روائية مصرية لم تكتب سوى رواية واحدة، في مطلع ستينيات القرن العشرين، ورفضت الدار القومية (جهة النشر الحكومية الأساسية في ذلك الحين) نشرها، وكانت مكتئبة لأسباب شخصية أخرى، فوضعت حدًا لحياتها قبل أن ترى روايتها الوحيدة النور.

أنا في منتصف الكتاب تقريبًا، وهو نص ممتع ورائق، رغم ما فيه مِن معلومات أو أحداث مؤسفة ومحزنة. قبل الكتاب نفسه حرصت على قراءة الرواية نفسها، رواية عنايات الزيات "الحب والصمت"، التي بادرت دار "المحروسة" لإعادة نشرها قبل أشهر قليلة، وربما ليست رواية نادرة المثال، لكنها سلسة وتُقرأ بسرعة وسهولة، وفيها ما يُذكرنا بأفلام الأبيض والأسود ما بين الخمسينيات والستينيات، وهي أيضًا شهادة صادقة وجديرة بالقراءة، على مشاعر وأفكار أنثى في وضع نفسي واجتماعي وطبقي محدَّد، ولذلك تتيح نَغمة مختلفة عن ما كان شائعًا آنذاك.

وأكتفي بهذين العنوانين، مِن بين تشكيلة مِن الكتب التي أتنقل بينها. وأنصح القارئ عمومًا بتنويع قراءاته قدر الإمكان في هذه العزلة، درءًا للمَلل أولًا ولتنويع غذائه الروحي والثقافي ثانيًا، وليس عليه أن يزيل التراب عَن الأعمال الكُبرى والروايات المطوَّلة ذات الأجزاء كما دعا البعض، فهذا ليس وقتها، نظرًا لقلة تركيزنا وإحساس أغلبنا بالقلق والتوتر، ولأنها قد تضاعف الإحساس بطول الوقت والانعزال، بل أنصحه بدواوين الشِعر والقصص القصيرة والنوفيلات والأعمال متوسطة الطول، وألَّا يصر على استكمال كتاب لآخره إن لم يعجبه أو يستمتع به، لكيلا يضيف إلى "حَبسة" البيت تكديرًا لا داعي له.


* كاتب ومترجم مصري، القاهرة

المساهمون