يوميات الحجر الصحي في غزة... مواجهة كورونا بأقل الإمكانيات

يوميات الحجر الصحي في غزة... مواجهة كورونا بأقل الإمكانيات

19 مارس 2020
اكتظاظ غرف الحجر الصحي يشكل خطراً على الغزيين(العربي الجديد)
+ الخط -

يجلس الأربعيني محمد الشبطي في زاوية أحد فصول مدرسة "مرمرة" الحكومية التي جرى تحويلها لتدخل في منظومة الحجر الصحي الإلزامي بمحافظة رفح جنوبي قطاع غزة، محاولاً تجنب الاختلاط مع سبعة أشخاص آخرين يرافقونه في الغرفة ذاتها، ما جعله يفرط في استخدام المعقمات، بينما يطمئن طوال الوقت على ثبات الكمامة الطبية على وجهه، في محاولة لحماية نفسه من فيروس كورونا المستجد (COVID-19).

ويعد الشبطي واحدا من بين 787 فلسطينيا يخضعون للحجر الصحي الإلزامي في عشرة مراكز بينها سبع مدارس، أقامتها وزارة الصحة للقادمين من خارج القطاع المحاصر والذين يمكثون فيها مدة 14 يوماً، ضمن احتياطات منع وصول المرض.

فشل العزل الصحي المنزلي

أقيم الحجر الصحي الإلزامي بعد عدم التزام 70 مسافرا عادوا إلى القطاع من بين 2778 حالة وقّعت على تعهدات مكتوبة بعزل أنفسهم داخل منازلهم لمدة 14 يوما، وفق ما يقوله سلامة معروف، مدير المكتب الإعلامي الحكومي، وأشرف القدرة، الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، واللذان أوضحا أن قرار تحويل بعض المدارس لتصبح مراكز حجر صحي كان ضرورياً واضطرارياً، إذ اتضح أن الكثيرين من الموقعين على الحجر المنزلي لم يلتزموا، وبعضهم عاد لممارسة حياته بصورة طبيعية، والاختلاط بالآخرين، ما قد يشكل خطراً على المحيطين بهم في حال كانوا مصابين بالفيروس.


وتكثف وزارة الصحة سحب العينات لإجراء الفحص المخبري الموسع للعائدين والمواطنين الذين تظهر عليهم أعراض اشتباه وفق تعريف منظمة الصحة العالمية لفيروس كورونا المستجد (COVID-19) إذ بلغ عدد الحالات المشتبه فيها 49 شخصا، لكن جميع النتائج كانت سلبية، بحسب ما أكده القدرة.



أنواع الحجر الصحي في غزة

يقسم الدكتور عبد السلام صباح مدير عام المستشفيات في وزارة الصحة بقطاع غزة، مراكز الحجر الصحي إلى أربعة أنواع، الأول حجر متقدم قرب معبر رفح، وهو مخصص للعائدين من دول موبوءة مثل إيطاليا وإيران وغيرها، ويحوي 54 سريرا، والثاني مستشفى ميداني داخل معبر رفح يضم 40 سريراً، وهو مخصص لعزل الحالات المشتبه إصابتها بالفيروس، ويوجد في مكان معزول داخل المعبر، ويخضع لشروط صحية صارمة، وتوجد فيه غرفة عناية مكثفة، ومختبر أشعة وتحاليل طبية.

إضافة إلى ما سبق تم تجهيز مركزين لتقديم الرعاية الصحية للمرضى العائدين من رحلات علاج في الخارج، وهما في منطقة قيزان النجار جنوبي القطاع وجباليا في شماله، وبهما 100 شخص معظمهم من مرضى السرطان، والقسم الرابع وهو مراكز الحجر الصحي العادية في سبع مدراس، ويقيم فيها العائدون ممن لا تظهر عليهم أية علامات مرضية بحسب الطبيبين القدرة وصباح.


وتستعد وزارة الصحة لزيادة الأعداد الموجودة في الحجر الصحي الإلزامي نظراً لوصول المزيد من المسافرين بصورة شبه يومية للقطاع، سواء من معبري رفح، أو بيت حانون، على أن يتم تسريح كل من قضى 14 يوماً في المركز، ولم تظهر عليه أية علامات للإصابة بفيروس كورونا وفقا لما قاله الطبيب القدرة، والذي أضاف أن وزارة الصحة عملت على توزيع مراكز الحجر، سواء المدارس أو غيرها جغرافيا في وسط وجنوب وشمال قطاع غزة، كما تم افتتاح مركز إيواء احتياطي في كل محافظة بالقطاع.



ومع زيادة أعداد المسافرين القادمين، بدأت لجنة المتابعة الحكومية في غزة، بالتعاون مع البلديات وفصائل فلسطينية، بإقامة مستشفيين ميدانيين أحدهما في مدينة رفح، بسعة تصل إلى 500 غرفة منفردة مخصصة للعزل الكامل، وقابل للزيادة ليصل حتى ألف غرفة، إضافة لمركز مماثل شمالي القطاع، وقد يُستخدم المركزان للحجر، أو لعزل مصابين محتملين مستقبلاً وفق ما قاله معروف.


ظروف عصيبة

تشعر العشرينية أمل بريكة المحجوزة في مركز حجر صحي وسط القطاع، بالاستياء والخوف، إذ ترى أن إقامة الحجر الصحي في المدارس غير ملائم، لازدحامها، وافتقارها للكثير من الخدمات، قائلة: "نريد أماكن حجر صحي مناسبة، بحيث يكون لكل مواطن غرفة منفصلة، وحمام منفرد، وليس كل مجموعة بغرفة، للحفاظ على صحة وخصوصية الجميع، خاصة النساء".

لكن الطبيب القدرة، يرد على بريكة بأن الحجر مطابق لكل المعايير الصحية، وجرى تجهيزه طبيا بشكل ملائم، وهو الطريقة المثلى لمنع وصول المرض إلى الأصحاء، والحد من انتقال العدوى في حال ظهورها، وبالمقابل يختلف الدكتور عبد الناصر صبح، نائب مدير مكتب منظمة الصحة العالمية في قطاع غزة مع الرأي السابق، مؤكداً أنه ورغم أهمية إنشاء تلك المراكز، إلا أن المنظمة الدولية اعترضت على مركزي "مدرستي مرمرة وغسان كنفاني"، غير المؤهلين، وقدمت اعتراضات وملاحظات لوزارة الصحة في غزة عليهما، وطالبت إما بتحسين الوضع فيهما، أو نقل المحجورين لأماكن أفضل.



ورغم الاعتراض، أشاد صبح بالجهود التي تبذل في غزة لمنع دخول المرض، مؤكداً أن الحجر الصحي يعتبر الطريقة الأمثل لمنع تفشيه في حال وصل، أو الحد من انتشاره في حال ظهرت إصابات، مضيفا لـ"العربي الجديد": "منظمة الصحة العالمية تساعد وزارة الصحة في الضفة وغزة والتي تعد حالتها أخطر، نتيجة تآكل الإمكانيات ونقص الأجهزة الطبية".

ويخشى الشبطي وبريكة وخمسة آخرون موجودون في مركز الحجر الصحي، من تكدس الغرف، وزيادة الأعداد، وغياب رعاية صحية كافية، ما قد يتسبب بنشر العدوى في بعض المراكز في حال كان أحد الموجودين بها مصابا بالمرض، خاصة أن بعض الحمامات مشتركة، والنزلاء ينامون على فراش أرضي في ظل أجواء باردة، وهناك نوافذ مكسورة، والجميع يشعرون بأنهم في سجن حقيقي، وفق ما يقول أحمد بريكة والذي يوجد في مدرسة سكينة التي تم استخدامها للحجر الصحي في دير البلح.

ما ذهب إليه الموجودون في الحجر الصحي رصد بعض مظاهره الحقوقي محمد عبد الله، مدير مكتب مركز الميزان لحقوق الإنسان في رفح، والذي دعا وزارة الصحة والجهات المختصة إلى العمل على توفير المتطلبات الرئيسية لمن يتم وضعهم في الحجر الصحي بما يكفل كرامتهم ويضمن سلامتهم وراحتهم، مشددا على أن المواطنين عليهم قبول الحجر الصحي وهو ما يتطلب إشراك منظمات المجتمع المدني من أجل التوعية العامة واستمرار العمل على الحد من وصول فيروس كورونا إلى غزة.



لكن مدير مكتب الإعلام الحكومي قال لـ"العربي الجديد"، أن هناك تطويرا وتحسينا يجريان على مراكز الحجر في المدارس، فقد تم إمداد المسافرين بمعقمات وصابون وبعض لوازم الإقامة، إضافة إلى وجبات طعام منتظمة، بينما تبرعت العديد من الجهات في القطاع الخاص بأسرّة ووجبات واحتياجات متنوعة للموجودين في الحجر الصحي. وهو ما أكده رئيس العلاقات العامة في غرفة صناعة وتجارة محافظة غزة، ماهر الطباع، والذي لفت إلى قيام الغرفة بتجهيز 140 سريرا بكافة احتياجاتها لتصبح مركز حجر صحي كاملاً، مشيدا بمبادرات رجال الأعمال، الذين تبرع بعضهم بأسرّة، وأغطية، ووجبات، كما وضع أحدهم فندقه تحت تصرف وزارة الصحة، التي تعاني ظروفا عصيبة في تجهيز المراكز.

ولم تقتصر المبادرات على رجال الأعمال، إذ أطلق ناشطون غزيون من بينهم الشاب وائل أبو عمر، مبادرة تحت مسمى "أبناء البلد"، لمساعدة الجهات المختصة وتقديم مساعدات عينية وغذائية للموجودين في الحجر.

قيود مصرية على العائدين

يؤكد مصدر مطّلع في معبر رفح، أن السلطات المصرية قررت وقف استقبال المسافرين الفلسطينيين القادمين من الخارج عبر مطاراتها، وأنها طالبت الدول كافة بمنع نقلهم إلى القاهرة جواً، ضمن إجراءات السيطرة على فيروس كورونا، وبالتالي فإن كل العائدين إلى القطاع ممن سافروا إلى مصر في الفترات الماضية ولم يغادروها.



ورغم ذلك، فإن مصر التي تصنف إحدى الدول التي ينتشر فيها المرض ما زالت تحوي آلاف الفلسطينيين الراغبين بالعودة، وهذا يعني أن مراكز الحجر ستستقبل المزيد من العائدين في الأيام المقبلة، بحسب المصدر الذي رفض التصريح باسمه لكونه غير مخول بالحديث مع الإعلام، مؤكدا أن ثمة مساعي مع القاهرة لتقنين أعداد القادمين، ليتسنى تفريغ المراكز ممن يوجدون فيها، لتستقبل غيرهم مشيرا إلى أن وزارة الصحة وفرت جهاز فحص حراري مزوداً بكاميرا، يمر المسافرون من أمامه، وأي شخص يرصده الجهاز أنه يعاني من درجات حرارة عالية، أو تظهر عليه علامات إعياء، أو أعراض مرضية أخرى، يتم التعامل معه على أنه حالة مشتبه بها، وينقل لمركز عزل داخل المعبر.

إفراج مؤقت عن 520 موقوفاً في السجن

منحت الشرطة الفلسطينية، إجازات لـ 520 موقوفاً في نظاراتها حتى إشعار آخر، وأفرجت مديرية الإصلاح والتأهيل عن 87 نزيلاً، ممن قضوا ثلثي المدة، في محاولة لتقليل الاكتظاظ في السجون، لمواجهة تداعيات فيروس كورونا وفق ما قاله إياد البزم الناطق باسم وزارة الداخلية في غزة.

وفي مقابل الحالات السابقة التي دخلت إلى الحجر الصحي الإلزامي، لا يزال الثلاثيني حسام عبد الله، ينتظر مع 2708 آخرين انتهاء الحجر المنزلي الذي وقع على تعهد بالالتزام به، بعد عودته من رحلة علاجية من مصر في الحادي عشر من مارس/آذار الجاري، إذ يعيش داخل غرفة معزولة في منزله، ويمتنع عن استقبال الزوار، حتى انتهاء الفترة التي حددتها له وزارة الصحة المقدرة بـ 14 يوماً، حتى يمكنه الخروج من بيته والعودة إلى عمله.