يوسف الصدِّيق وأبو الهول والتنين

يوسف الصدِّيق وأبو الهول والتنين

09 يوليو 2020
+ الخط -

نجد في الحكايات قديماً أنَّ شعوباً كثيرة كانت تعمد إلى مسابقة انتخابية، عقلية أو طبيّة، لاختيار حاكم للبلد، الذي مات مَلِكه أو مرضت ابنته. في لغز أبو الهول، وهو لغز مصري نزح إلى بلاد الإغريق، أو أنه سُلب ونُهب، أنّ الساحر كان يسأل المرشحين للرئاسة والمُلك عن أحجيةٍ عصيّة، بعد مقتل ملكها، وهي: كائن يمشي على أربع في الصباح، وعلى اثنتين ظهراً، وعلى ثلاث في المساء، فيحلُّ غريبُ طيبة أوديب الأحجية، وطيبة اسم مصري عربي، والحلُّ هو الإنسان، فيعمد الساحر عند كشف الحل الذي لم يكن يظنُّ أن أحداً سيعرفه إلى الانتحار. في الحكاية إشاراتٌ سياسيةٌ طريفة، هي أنه لا بد من تهجين السياسة بالغرباء، أو أنَّ البلاد عندما تبور وتحتقن لا بد من الهجرة أو استقبال عقول الغرباء بسبب العقم السياسي. الغريب عجيب.
الغريب يكون أشجع من أبناء البلد، أو أن تكون البلد قد قحطت، فلا بد أن يغترب أبناؤها حتى يفهموا، وفي شعر أبي تمام: فاغترب تتجدّد. موسى عليه السلام تغرّب وعاد، ويوسف عليه السلام كان غريباً، وكذلك هاجر آخر الأنبياء عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، ونرى أنَّ الساحر كان صاحب كبرياء، فانتحر بعد أن وجد رجلاً أذكى منه وأعقل. 
حلُّ اللغز يعادل البرنامج السياسي، الحاكم الجديد سيكون همُّه الإنسان، وسيُعنى بالطفل الوليد ويرعى الكبير، ويحفظ حقوقه ويعطف على الشيخ إذا توكأ.
في حكاياتٍ أخرى، تكون ابنة الملك مريضة، أو صائمة عن الكلام، ربما ترغب في الزواج وخجلة، والولد من صهر الأقارب يولد ضاوياً، فيأتي غريبٌ أيضاً، فيردُّ الروح فيها بمساعدة صديقَين آخرين، واحد له مرآة سحرية تخبره بأخبار الدنيا وبخبرها، وثانٍ له سفينة يعبر بهم البحر إلى مدينتها، فيقطر الليمونة الحامضة في ثغر الأميرة. الغريب له حموضة وحلاوة، فتصحو وتبرأ من مرضها. السؤال: لمن تكون الأميرة؟ والجواب لصاحب الليمونة الصفراء، لأن الدواء أَولى من وسائل النقل ومن المرآة السحرية، ومن قناة السويس، ومن مسجد الفتاح العليم، الليمونة طعام ودواء.
وفي الأفلام، تحولت الليمونة إلى قبلة، والعلامات الثلاث ترمز إلى ضرورة متابعة أحوال الملك، وتأمين وسائل النقل. العلم والصحة قوام حياة الإنسان والمُلك. وفي حكايةٍ ثالثة، يقوم البطل بقتل التنين أو الثعبان الكبير، اسمه في حالتنا سد النهضة، أو السيسي، يحرم الناس من الماء، فينجو أهل القرية، ويولون البطل عرش البلد، الحكاية تقدم حلَّ الفروسية والثورة حسب المكان.
في أحسن القصص، قصة يوسف عليه السلام، الأحجية مركّبة، الأحجية رؤيا الملك، والكهنة يعجزون عن تعبيرها، فيتذكّر ساقي الملك يوسف، فيعبّرها للملك وللشعب، فينجو من السجن، ويتبوأ عرش مصر، ويصير عزيزها، ويعرض وصفته لإنقاذ مصر كلها، وليس الأميرة، من القحط، ليست ليمونة هي سنبلة، وللأميرة في قصة يوسف مسار آخر. أما وقد جاع الناس في سورية، وعطشوا وجاعوا في مصر، فإن ملكيهما يحرّمان إعمال العقل، والسباقات الرئاسية، فهي تنتهي إن صدقتْ بنحر الساحر القديم، الرئيس. بل إنهما يأبيان الظهور في مناظراتٍ على الهواء مع المنافسين، خشية كشف عورة عقليهما، فالأميرة النائمة هي الدولة، وقبلة الرئيس الجديد الذي سيحلُّ اللغز ستوقظها، ولا بد أن تبقى نائمة، بالأغاني والمسلسلات والمخدرات.
حتى في اللقاءات يظهر الرئيس الساحر، بعد أن يكون قد اطّلع على كل الأحاجي وحلولها، فيعجز ويتلعثم، أو يطيش سهم عقله الكليل، فيغيثه المذيع، وهو عادة من مشاهير الإعلام، فيقول: الصمت ده ليه معنى، والصمت عادة من حصة الأميرة التي تريد الزواج، فينشغل الشعب بصمته، لا بحل اللغز، ويقتدي به!
للرئيس الساحر فرقة من أفضل العقول المسلحة بالمال والعتاد، تحرّم الألباب والعقول، حلَّ مرسي اللغز، لكن التنين أكله، وما زلنا نمشي على أربع، أو على ثلاث، ممنوع أن نمشي على اثنتين.. حتى حين.

683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."