يصوم وحيداً ويفطر وحيداً

يصوم وحيداً ويفطر وحيداً

06 مايو 2019
+ الخط -
جهزت أطباق مائدتي وبينما أجلس وحيداً منتظراً أذان المغرب، تأملت أطباقي فإذا كل منها وحيداً تماماً كصاحبه، تحدثني نفسي هل أخطأوا في تقدير الشهر؟ من الناحية الفلكية ومن حيث رؤية هلال الشهر الكريم، نعم نحن في رمضان، لكن حقيقة الأمر أن المناخ العام لا يدل أو يبشر بقدومه، ولا أدري أهو عيب في شخصي وأني لا أستطيع أن أدرك بفطرتي مجيء الشهر الكريم..

أتحدث إلى أصدقائي في المساء من حولي.. أيعقل هذا يا رفاق؟ فيحدثونني أنهم لا يشعرون بأي روحانيات كما اعتادوا من قبل، ويرفض البعض الحديث في هذا الأمر لكي لا ينكأ جرحه ويتذكر أهله وطقوسه الخاصة به وهو الآن مبعد عنهم.

تختلف العادات والتقاليد من بلد لآخر، فمنذ خروجي من مصر لم يعد رمضان مثل ذي قبل.. في مصر الأجواء الرمضانية تعد متميزة وفريدة وبكل وضوح لن تجد تلك الأجواء في أي مكان آخر..


نشأنا على تفسير الشيخ الشعراوي وصوت الشيخ محمد رفعت وتواشيح النقشبندي وأذان المغرب بصوت الشيخ علي محمود وصوت صلاة الفجر من مسجد السيدة زينب عبر أثير إذاعة القرآن الكريم..

ولا أخفيك سرا عزيزي القارئ.. حاولت أن أستعيد تلك الأجواء فلم تقع على سمعي وقلبي كما كانت من قبل، وإن سمعت الأذن ما اعتادت عليه فمن يعيد إلى العين ما ألفت رؤياه حقا، إن الحنين ندبة في القلب كما قال محمود درويش.

في إحدى ليالي رمضان الماضي قبيل منتصف الليل جمعني القدر بزملائي وهم من جنسيات عربية مختلفة وأخذ يتحدث كل منهم عن رمضان وروحه في بلادهم.. بدأ صديقي المغربي بالحديث عن رمضان وسط أجواء العائلة وكيف تستعد لتأمين المواد الغذائية طوال الشهر وأبرز ما يتم شراؤه، وأكمل حديثه عن زيارة الأهل وصلة الرحم والصلاة والذكر طيلة الشهر..

أما في بلادنا التي مر عليها الربيع العربي وتمت سرقته، فأخبرنا صديقي اليمني عن مأساة بلاده وكيف هي الحياة بدون الكهرباء ومشكلة المياه ومعاناتهم أثناء الصيام وسط كل تلك المآسي داعياً الله بتفريج الكرب..

تحدث صديقي السوري عن آخر عهد له بسورية وتهجيره من بلدته بثيابه التي يرتديها إلى الحدود التركية صفر اليدين، وكم المعاناة التي شهدها، وأخبرني أنه من هذا اليوم لم يعد يشعر بشهر رمضان لكنه سيشعر به عندما يعود إلى بيته.

أفصح كل منهم عما بداخله ووجدتهم ينظرون إليّ في صمت كأنهم ينتظرون مني الحديث عن رمضان في مصر أم الدنيا كما اعتادوا أن يسمعوا عنها، ولكن الدراما المصرية كانت كفيلة برسم صورة ذهنية لشهر رمضان في مصر لديهم.. ماذا تنتظرون مني أن أقول؟ هل أحكي عن رمضان الذي كان أم رمضان المغترب المبعد عن أهله، فرمضان الذي كان قد يكون لديكم بعض منه، أما رمضان في الغربة فمختلف تماما عن مصر حيث الوحدة المفرطة..

وجدت نفسي أتحدث عن رمضان في اعتصام رابعة العدوية.. وتلك الأيام التي تأبى الذاكرة إلا أن تحدثني بها حينما يهل هلال رمضان، هذا المكان الذي شهد صيام المعتصمين وصلاتهم ودعاءهم، وشهد أيضا على دمائهم التي أريقت بلا رحمة ولا شفقة..

نفسي تحدثني إلى متى سنظل مشردين هكذا في أرض الله؟! هل سنموت في المنفى لاجئين؟ فأحدث نفسي بربما وأصمت..

دلالات

مدونات أخرى