يشككون في انتصار غزة

08 سبتمبر 2014
+ الخط -

أوجد انتصار المقاومة في غزة مناوئين كثيرين له. لم يعجبهم تحقيق المقاومة الفلسطينية الانتصار العسكري على الكيان الصهيوني، فراحوا يشككون في قيمة هذا الانتصار، بل إنهم ينكرون حدوثه، ويشددون على أن المنتصر هو الجيش الإسرائيلي، ودليلهم العدد الكبير للشهداء، وحجم الدمار الهائل الذي خلفه العدوان.

الملاحظ في شأن المشككين في انتصار المقاومة في غزة أنهم، في أغلبيتهم المطلقة، لا يحملون أي ود للقضية الفلسطينية، ولا يتعاطفون مع نضال شعبها، وسعيه إلى الحصول على حريته واستقلاله، بل منهم من يكره الفلسطينيين أكثر مما يكرههم الإسرائيليون، ويتمنى لو أنه يستيقظ، فيجد أن الشعب الفلسطيني تم مسحه من الوجود نهائياً، وصار أثراً بعد عين.

فجأة، أصبح هذا الشعب عزيزاً على هؤلاء، ويستكثرون عليه التضحيات، وأمست الخسائر التي مُني بها على أيدي الصهاينة يأخذونها في الحسبان، وصاروا في ضوئها يجرون تقييمهم الخاص لنتيجة العدوان، ليستخلصوا أن الفلسطينيين خسروا الحرب.

تضحيات الفلسطينيين لا تظهر لهؤلاء المشككين إلا عندما يكون الغرض منها نفي تحقيق الانتصار. بدل أن تكون التضحيات الجسام التي قدمها الفلسطينيون بسخاء، من أجل ترسيخ مبدأ التمسك بحقوقهم المشروعة، حجة لهم على الإسرائيليين، وبرهاناً قوياً على قدرة التحدي والصمود في وجه العدوان. بدل ذلك، تتحول التضحيات الفلسطينية من طرف المشككين إلى حجة على الفلسطينيين، وتصبح أداة في أيدي الإسرائيليين، لينافحوا بواسطتها أنهم انتصروا في الحرب.

ارتكاب إسرائيل المجازر والمذابح ضد النساء والشيوخ والعجزة والأطفال الفلسطينيين ليس إجراماً وإرهاب دولة، يتعين أن يكون مرفوضاً، وأن يحاكم مرتكبوه أمام المحاكم الدولية في نظر أعداء القضية الفلسطينية هؤلاء، وجرائم إسرائيل تصبح مقياساً لقوتها وقدرتها على إنجاز الانتصار، كما أنها مبررة، ولها ما يستدعيها في عرف المشككين، حتى إن كان الأمر يتعلق بسحق شعبٍ شبه أعزل ومحاصر في نقطة جغرافية ضيقة، ولا يأتيه المدد من أي جهة من الجهات الأربع المحيطة به.

في نظر هؤلاء، حققت إسرائيل إنجازاً عسكرياً في غزة، انتصرت في الحرب، وكأنها كانت تواجه جيشاً إمبراطورياً، انتصرت لأن جيشها قتل أكثر من ألفي فلسطيني، وجرح عشرات الآلاف، ودمر أحياء سكنية بكاملها، ومسحها من الأرض، هذا هو الانتصار!

غير أن الأسئلة التي تفرض نفسها، ويتم تحاشي طرحها في هذا الصدد: أين المفاجئ في ما فعلته إسرائيل؟ أين الإعجاز العسكري الذي أنجزته الدولة العبرية في غزة؟ أين تجلت عبقرية الجنود وقادتهم الصهاينة في الميدان؟ بماذا تميز هؤلاء عن المقاتلين الفلسطينيين لحظة الاشتباك وجهاً لوجه؟ بل هل تجرأ الجيش الإسرائيلي حتى على الدخول مسافات داخل غزة للاشتباك في الميدان مع المقاومين؟

الطائرات والدبابات الإسرائيلية كانت تقصف الأحياء السكنية، وتدمر المنازل فوق ساكنيها، واستشهد نتيجة للقصف العشوائي ذلك العدد الهائل من الفلسطينيين، بخلاف المقاومة التي كانت تستهدف أساساً الجنود الإسرائيليين. عجز إسرائيل عن الاصطدام بالمقاومين كانت تعوضه بقتل الأطفال والنساء. في حرب غزة، تأكد العالم أن جيش إسرائيل جبان. إنه لا يقوى إلا على مهاجمة المدنيين.

من يعتبر أن الجيش الإسرائيلي انتصر لأنه قتل عدداً هائلاً من الأطفال والنساء والشيوخ ودمر أحياء كاملة في غزة، له أن ينظر إلى الانتصار من هذه الزاوية، ولكن، بالنسبة إلى جميع أحرار العالم، وإلى كل عقلائه حتى من ضمن حلفاء الدولة العبرية، هذا ليس انتصاراً. إنه ذروة وجوهر الانهزام، وقد يشكل بداية النهاية لكيان الاحتلال، المسمى إسرائيل.

avata
avata
عبد السلام بنعيسى (المغرب)
عبد السلام بنعيسى (المغرب)