يحيى علاو

يحيى علاو

27 مايو 2018
+ الخط -
لا نملك الكثير من المنابر اليمنية، فالأقرب إلى قلوب الناس أكثرهم رسوخاً. تظل ذكراه تتهافت على كل دهاليز الذاكرة! عَرّفنا على أزقتها وشوارعها.. نحَت في المخيلة جمالاً لهذا البلد وإن كان أشعث أغبر لا يُرى فيه جمال!

أعوامٌ كثيرة كنا نتلهف لرؤيته كأحد طقوسنا الرمضانية. كنا نكتفي بالمشاهدة بينما هو يبذل جهداً كبيراً يقاس حجمه بالمحبة التي غرسها في قلوب الناس بطول الطرقات التي كان يجوبها.

كبر وتمدد بسعة الأرض التي زارها، فكان المرآة الوحيدة لتفاصيل الأرض والإنسان .. لم يعد لدينا يحيى علاو..! لكن الجمال الذي سعى لنشره باقٍ في الروح والأرض..


ما زالت روحه مقترنة بشهر رمضان حتى في غيابه.. نتذكر جيداً كيف كانت ملامحه صارمة عند طرحه الأسئلة في برنامجه (فرسان الميدان)، والألغاز على العابرين، ليتطلع المشاهد لفوزهم بالجائزة أكثر منهم خصوصاً كبار السن وأولئك الذين يجد في أرواحهم ملامح التعب والحاجة، يستشعر حاجتهم بطريقة أو بأخرى، يربت على أكتافهم ويدفعهم بخفة للإجابة الصحيحة.. يعفيهم من الانكسار ويحيل إليهم راية الانتصار والفوز بالجائزة دون الاكتراث إلى ماذا سيحققه من انتصار كمقدم برامج إلى رصيده الشخصي!

شعار حلقاته الثلاثين في كل عام: "ستجيب وستحصل على جائزة .. تستطيع الحصول على جائزة مقابل شيء تبذله ولو مجرد التفكير .. لن تحصل على شيء في هذه الحياة بالمجان".

يسأل الجميع، ويذهب إلى البسطاء وأكثر الأماكن بساطة ليحكي لنا قصة كفاح الإنسان في هذه الأرض الجميلة والوعرة، لم يكن يمانع تجمع الناس حول موقع التصوير بل كان يرحب بهم ببشاشة ليستفيدوا من تلك المعلومات التي ترافق الأسئلة .. لا يبخل بمعلومة يعرفها!

لم يكن مجرد إعلامي، بل صاحب رسالة نحتت في أذهاننا الكثير من المعلومات، أسماء المناطق، الألعاب، الأسواق، حتى أنه لم ينسَ ملامح الإنسان الذي بالكاد نعرفه..

تحمل المشاهدون في القرى صعوبة الطريق وغياب الشاشات ليتجمعوا في دكاكين يوجد بها مولد كهربائي، ليخففوا تعب الصيام برفقته.. يتهافتون.. يتجادلون على الإجابة والحلول الصحيحة، يترقبون من منهم نطق بالإجابة بينما يستمر "الحمادي" في إحدى القرى بتدوين الأسئلة وتجميعها في دفتره.. ربما لينقلها لأهل بيته ويتقمص في مقيله دور يحيى علاو في طرح الأسئلة.. ككل بيت، وقرية، ومدينة وجود "حمادي" ينتهج التدوين ببدائيته..

لا يستطيع الكثيرون حتى الآن نسيان ملامحه وحركة جسده، كيف كان يربت على همومنا، زاخر في تعليمنا تفاصيل دقيقة في التعامل الاجتماعي.. يمزح مع ذاك، صبور على قلة الإدراك والفهم كجزء من العاطفة الإنسانية التي تحلى بها، فقد كانت تتجلى واضحة في طرح السؤال مرات ومرات أو بتحويل السؤال إلى صيغة مختلفة..

ترجل فارس (فرسان الميدان) منذ زمن.. زمن طويل في عام 2010.. وترك لنا الروح والأرض وميداناً كبيراً من المحبة!
7B875018-CC3F-46B9-A3DE-684F93E0A72B
صفاء الهبل

روائية وكاتبة يمنية، رئيسة مبادرة (كن إيجابيا) للأعمال الخيرية. صدر لها رواية (قدري فراشة).تعرف عن نفسها: مجرد باحثةٍ عن غيمة لتمرغ فيها مرارة الواقع.مصابة بالمسّ. كلما أمطرت رفعت طرف حرفي ورقصت حتى الإنهاك والتعب.

مدونات أخرى