يحدث في فنزويلا

يحدث في فنزويلا

30 أكتوبر 2017
+ الخط -
ربما تصلح حزمة الأخبار، التي توالت في الأيام القليلة الماضية من فنزويلا، شواهد مفيدة في غضون الجدل الذي تجدّد، أخيراً، بمناسبة مائة عام على الثورة البلشفية في روسيا، في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، والذي ينهض على سؤالٍ، فيه المقادير المتساوية من السفسطة والجدّية العالية معا، وهو ما إذا كان فشل الاشتراكيات في العالم يعود إلى خللٍ في النظرية التي أشهرتها الثورة العتيدة، أم إلى سوءٍ في تطبيقها. وهذه فنزويلا تطرح نفسها لاختبار هذه الأحجية: بلدٌ يأخذ نظام الحكم فيه بالنهج الاشتراكي، فالحزب الذي يتولى السلطة اشتراكيّ متحالفٌ مع الحزب الشيوعي. موارد الدولة من النفط هائلة، فهي ثالث دولةٍ منتجةٍ له في العالم، ورابع دولة مصدّرة له. مساحته شاسعة، فيما عدد السكان قليل نسبيا (نحو 24 مليون نسمة).
ومزايا مثل هذه تجعل غير المختصين في علوم الاقتصاد، وغير الخبيرين في شؤون فنزويلا، مثل صاحب هذه الكلمات، في بعض الحيرة، بالنظر إلى مديونية هذا البلد التي لا يقدر على سدادها، وقد استحقّ عليه، يوم الجمعة الماضي، أن يدفع بليون دولار منها، و3.8 بلايين قبل نهاية السنة، وبالنظر إلى أن معدّل الفقر يصل إلى 66% بين السكان (في العام 1998). وبالنظر، قبل ذلك وبعده، إلى الأزمة الاقتصادية الحادّة التي يشهدها منذ سنوات، وهذا رئيس كولومبيا يقول، أول من أمس، إن 470 ألف فنزويلي وصلوا إلى بلاده، جرّاء هذه الأزمة، بينهم 267 ألفاً بطريقة غير قانونية. ويزيد من شناعة الحال أن صحيفة إسبانية نقلت، الأسبوع الماضي، عن مؤسسة إغاثةٍ كاثوليكيةٍ، قولها إن ثلاثمائة طفل في فنزويلا على وشك الموت، بسبب سوء التغذية والمجاعة في البلاد. وعلى ذمّة خبراء، فإن حوالى 4.5 ملايين فنزويلي لا يأكلون بشكل يومي، و 8% من الأطفال يعانون من سوء التغذية الشديد، ويموت خمسة أطفال إلى ستة من سوء التغذية كل أسبوع، ولدى 33% من الأطفال تأخّر في النمو، كما أن معدل وفيات الأمهات ارتفع، بين عامى 2006 و2016، بشكل كبير، وهناك زيادة سنوية بنسبة 10%. وفي العام الماضي، ارتفع عدد الموتى بسبب الجوع ونقص الأدوية والرعاية الطبية بنسبة 65%، وزادت وفيات الرضّع بنسبة 25% سنويا بسبب سوء التغذية.
تُرى، هل هي مصادر إخبارية مغرضة، تستهدف نظام الحكم الوطني في فنزويلا، والرئيس نيكولاس ماتودورو، المناهض للإمبريالية الأميركية، والمناصر لقضايا الشعوب وتحرّرها، ومنها الشعب الفلسطيني؟ أم أن الحقائق الراهنة في البلاد أكثر شناعةً مما ورد أعلاه، وأن الناس هناك يريدون حقوقهم الطبيعية في العيش والحياة في بلدٍ يُفترض أن تؤدي حكوماته ما عليها من واجباتٍ تجاهه؟ يكاد سؤالٌ مثل هذا ينتسب إلى الترف الذهني، طالما أن المظاهرات الواسعة المستمرة منذ أزيد من عام تدل على أن الأزمة السياسية حادّة في البلاد، في غضون فشل السلطة الماثل على الصعيدين، الاجتماعي والتنموي. وهذا الكباش بين الحكم والمعارضة، وقد صار موضوع وساطات إقليمية، استدعى من وزراء 12 دولة في أميركا الجنوبية، في اجتماع لهم، قبل أيام، طلب مساعدة الأمم المتحدة من أجل حل الأزمة المتفاقمة، خصوصا وأن الانتهاكات لحقوق الإنسان، والاعتقالات المتواصلة، باتت تتطلب نوعا من تدخل أمميٍّ لوقفها. وفي الدومينيكان، حيث تنعقد جولات متقطعة من حوار وسيط مع ممثلين عن الحكومة ومع آخرين عن المعارضة، لا جديد يوحي بانفراجات مهمة، على ما جاء في أخبار اليومين الماضيين، والإفراج عن المعتقلين السياسيين أحد شروط المعارضة في هذه المداولات.
والبادي أن الرئيس مادورو الذي يزهو باكتساح حزبه، وأصدقاء حزبه، انتخابات رؤساء الأقاليم في البلاد لم يجد، الأسبوع الجاري، غير استبدال وزير الاقتصاد واحدا من الحلول للأزمة الثقيلة، لكنه يختار شخصا مدرجا في لائحة عقوباتٍ أميركية، وكأن القصة كلها في أن يرى دونالد ترامب وإدارته العين الحمراء، طالما أن الخارجية الأميركية لم تر تلك الانتخابات حرّة ونزيهة. هذه هي الأولوية، أما الجوعى الذين يموتون، والناس الذين يفرّون إلى الخارج، والتدهور العام المتواصل في البلاد، فمجرّد تفاصيل، في غضون الانتشاء بالاشتراكية التي تحتفل بمائة عام على هبوبها في العالم.
358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".