يحدث في جمهورية مصر الانتقائية

يحدث في جمهورية مصر الانتقائية

21 مارس 2020
+ الخط -
استمرارًا لمسلسل العدالة الانتقائية في مصر التي حاولت ثورة 25 يناير إيقافها، وازدهرت بعد الانقلاب العسكري؛ وفي ظل مواجهة فيروس كورونا، ومحاولة الحدّ من تأثيراته المحتملة وانتشاره على نطاق واسع، أعلنت وزارة العدل يوم الأحد (منتصف مارس/ آذار الجاري) تأجيل نظر جميع الدعاوى في المحاكم أسبوعين، تماشيًا مع خطة الدولة المُدعاة "العامة". وبذلك انتقى النظام "قضاته" ليحتفظ بسلامتهم صحيًا؛ ويبتعد بهم عن مخاطر العدوى التي قد تنتج عن مخالطة المُتقاضين، بما فيهم قوات تأمينهم، بالإضافة إلى عموم الشعب؛ فماذا إذًا عن قرابة 60 ألف معتقل رأي سياسي، سواء صدرت في حقهم أحكام أو مُحتجزون بدونها؟ وبالفعل، تم الإعلان عن إصابة أولهم الثلاثاء التالي، وذلك في سجن وادي النطرون شمال القاهرة، ونقله إلى مستشفى حميات إمبابة؛ فيما نفته وزارة الصحة الأربعاء!
وماذا عن المُتهمين بتهم بسيطة لم تكن تستحق السجن، لو أنهم وجدوا في نظام يعرف الرحمة وأبسط درجات الشعور والإنسانية، مثل "الغارمات" أو اللواتي اضطرتهن ظروفهن للاستدانة لتزويج بناتهن، أو لسبب قاهر آخر، وبالتالي توقيع شيكات أو إيصالات أمانة، ثم عجزن عن السداد، فتم سجنهن.
منعتْ وزارة العدل المصرية إذًا مجرد إقامة جلسات المحاكم بدرجاتها وأنواعها، ومنها الإداري، مع عدم شطب أي دعوى. وإمعانًا في الاستخفاف بالمواطنين المغلوب على أمرهم؛ بعد تحكّم 
العسكريين فيهم بالنار والبارود، تم إلغاء الزيارات عن المسجونين عشرة أيام بعدها بيومين. وصرّح مسؤول مركز الإعلام الأمني في الداخلية أن القرار يأتي: "في ضوء ما تقرر بشأن تعليق جميع الفعاليات التي تتضمّن أي تجمعات كبيرة من المواطنين، في إطار الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الحكومة لمواجهة فيروس كورونا المستجد، وبناء على توصيات وزارة الصحة في هذا الشأن".
ولكن العقل والمنطق المُجردينِ عن الأهواء والتحيز والتفضيل لبعضهم على حساب الجميع يقتضيان تلاشي تجمعات المسجونين السياسيين الذين يقضون أيامهم في ظل ازدحام شديد في زنازين محكمة الإغلاق؛ من دون إتاحة حتى حق التريض أو الخروج للشمس وملامسة أشعتها أجسادهم. ويترتب على قرار منع الزيارة لهؤلاء منع وصول مزيد من الأدوية للمرضى وكبار السن منهم، بالإضافة إلى مستلزمات النظافة، لمواجهة خطر الفيروس وانتشاره؛ خصوصاً مع تغاضي وزارتي الداخلية والصحة معًا عن متطلبات النظافة الخاصة بهؤلاء المغلوب على أمرهم، في ظل نظام متناهٍ في الفجر بالخصومة، ولا يعترف بالإنسانية أو الشفقة بمخالفيه في الرأي، ومن المعتاد لديه أن يُستشهد المسجون السياسي في مراكز الاحتجاز أو السجون، نتيجة التعذيب أو بمرض مزمن في محبسه، وهو السليم المعافى قبل دخوله، وهؤلاء تجاوزوا الألف منذ 3 يوليو (بحسب منظمات حقوقية دولية) وعددهم مرشح للزيادة قبل كورونا، فما بالنا والفيروس على الطريق؟
وإذا كانت إيران قرّرت الإفراج عن 85 ألف مسجون جنائي، في 16 من مارس/ آذار الجاري، ومن بينهم ما يُمثل 50% من مسجونيها بقضايا أمنية. وعلى الرغم من ذلك، اعترضت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.. فأين الجهتان مما يحدث في مصر؟
إن نظامًا غبيًا أحمق، مثل الذي يحكم مصر اليوم، يتفنن في الإجرام بترك عشرات الآلاف من الأبرياء نهبًا للأمراض وبلا علاج، ومن دون إجراءات احترازية صحية في ظل مخاطر انتشار الوباء العالمي. وهو إذ يدبر للخلاص منهم، لا يراعي حتى ضباط شرطته القائمين على حمايتهم، فضلًا عن السجانين من رجاله والقائمين على خدماتهم البسيطة من طباخين وما شابه. ومن الطبيعي أن يصل هؤلاء، في ظل ارتفاع عدد المسجونين الأمنيين، إلى بضعة آلاف على الأقل، والجميع معرّضون للموت السريع.
وإذا كانت إيران تأخذ احتياطاتها، وتطلق سراح عشرات الآلاف من المساجين الجنائيين مؤقتًا، 
بعد تعهدات من أهلهم بعدم هروبهم، فماذا عن مساجين مصر السياسيين أولًا، ثم عشرات الآلاف غيرهم ممن اقترفوا جرائم جنائية لا تستوجب القتل؟ وكيف يتمادى نظام عبد الفتاح السيسي في تحدّي جميع المعايير الدولية، من دون أن يجد حسيبًا أو حتى مُنتقدًا؟ وأين هي جهود مقاوميه في إبراز حق المسجونين ظلمًا في الحياة مثلهم مثل القضاة، ورفع الأمر دوليًا، بما يجعل النظام يتدبّر أمره، ويخشى المساءلة والمحاسبة؟ بدلًا من مناشدته التي يعرف الجميع يقينًا أنها لن تؤدّي إلى نتيجة.
المتمنى أن يحافظ مقاومو النظام على جهودهم، ويفيقوا لأهمية دورهم، فيخففوا أو ينهوا خلافاتهم، ويتفرّغوا للحد من المخاطر المنتظرة لرفقاء دربهم من المحبوسين السياسيين مؤقتًا أو على ذمة أحكام جائرة؛ مع الأخذ بالاعتبار المصريين جميعًا، وتنشيط الجهود الدولية من أجل الانتصار، ولو لبعض حقوقهم الأساسية، لتعود "جمهورية مصر العربية".. لا "الانتقائية".