يجنّدون شباباً للقتل.. والموت

يجنّدون شباباً للقتل.. والموت

04 ابريل 2016
+ الخط -
في مقابلة على قناة المنار، كان الضيفان والد شاب لبناني في أوائل العشرينيات وعمه، شاب لقي حتفه في إدلب، بعدما أرسله حزب الله للقتال ضد الشعب السوري المنتفض على حكم مافيا عائلية في الفساد والإجرام. كانت المذيعة المدرّبة تحاول ضبط كلامهما، وهما اللذان فقدا ابناً شاباً، ليبدوا وكأنهما فرحان بموته، وتوجه لهما التهاني والتبريكات، بينما كان من السهل قراءة وجهيهما اللذين كانا يوحيان بأنهما كانا يفضلان لو أنهما فرحا بزفافه، لا بموته، أو بشهادته الجامعية، لا بورقة نعيه وشهادة قائده بشجاعته، وكانا يتمنيان لو أن سفير إيران الذي زارهما للتهنئة بموته كان قد زارهما مهنئاً بتخرّجه من جامعة عريقة.
لم يقتل الشاب دفاعاً عن أرضه وعرضه كما ادعت المحطة، فهو قُتل بعيداً مئات الكيلومترات عن حدود لبنان التي ادّعى أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، دفاعه عنها، وهو لم يُقتل في مواجهة إسرائيل التي لا تزال تحتل أراضي لبنانية في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا كما يقول نصر الله دائماً لتبرير الاحتفاظ بسلاحه، واستمرار هيمنته على لبنان، بل أرسل إلى الموت بأوامر إيرانية، في مواجهة عرب ومسلمين مثله، أذاقهم طغاتهم الذين لا يراعون ديناً ولا ذمةً كل ويلات القتل والتعذيب، وجرفوا ثرواتهم ونهبوا مقدرات وطنهم أربعين عاماً.
حاولت مذيعة القناة في اللقاء التلفزيوني الإيحاء وكأن الشاب اللبناني القتيل ذهب إلى إدلب ليرضي ربه، وليدافع عن آل البيت عليهم السلام، والاقتصاص من قتلة الحسين رضي الله عنه، والإيحاء بأن الحسين ينتظره ليرحب به في الجنة بعد مقتله. طبعاً، لا حديث في "المنار" عن المشروع التوسعي الإيراني، ولا عن استغلال ملالي إيران دماء هذا الشاب وزملائه من أجل الهيمنة على بلاده وشعبه.

يستخدم قادة إيران قدرات أتباعم الخطابية، من أمثال نصر الله في لبنان والحوثي في اليمن، وبعض رجال الدين في العراق، للتغرير بهؤلاء الشباب، وإرسالهم إلى الموت في مقابل المال (النظيف) الذي تقدمه إيران لهذه المليشيات وزعمائها، والذي يجري منعه عن الشعب الإيراني، في الصحة والتعليم والبنية التحتية وتحسين مستوى معيشته، ليتم إرسال ثرواته إلى هذه المليشيات، واستخدامه في تأجيج نار فتنة مذهبية في المنطقة، لن تتوقف عند حدود سورية والعراق واليمن ولبنان، بل ستتجاوزها لتشمل المنطقة بمجتمعاتها ودولها.
الطريقة نفسها والتكتيك الإعلامي نفسه، يتبعهما "داعش" و"القاعدة" في المقلب الآخر، لتجنيد شباب عرب ومسلمين آخرين، تحت شعار إحياء الخلافة على منهج النبوة، أو قتال الكفار والرافضة. شباب في العشرينيات يتم استغلال اندفاعهم، ويتم تجنيدهم لإرسالهم إلى الموت، بعد غسل أدمغتهم بالحديث عن الشهادة والحوريّات والجنة الموعودة. وبعد أن يتم إقناعهم بتكفير أهاليهم ومجتمعاتهم، ودفعهم إلى ارتكاب أبشع أنواع الجرائم ضد هذه المجتمعات من قتل ورجم وجلد، جرائم لا يتوقف أثرها السلبي على الدمار الذي تحدثه في مجتمعاتهم وأوطانهم فقط، بل هي تضع مجتمعاتهم في مواجهة بقية العالم، وتعطي الاستبداد الفرصة الذهبيه لتبرير وجوده.
الغالبية الساحقة ممن يتم تجنيدهم في الطرفين هم من الشباب العربي، والأرض التي يتقاتل عليها الطرفان عربية، وجميع الكوارث وكل الدمار الناتج عن هذا الاقتتال يصيب مدناً وقرىً عربية، ويدمر بنية المجتمعات العربية، بينما يبقى المستفيدون من ذلك كله، في تل أبيب وطهران، في منأى عن كل تلك الكوارث وكل ذلك الدمار.
تعاني منطقتنا العربية، اليوم، نوعاً من الفراغ، نتيجة غياب مشروع وطني حضاري، يمكن أن يجمع طاقات هؤلاء الشباب، ويوحّدها باتجاه القضاء على الاستبداد والفساد، وإعادة بناء دولهم ومجتمعاتهم لتواكب العصر، خصوصاً أنها مجتمعاتٌ شابةٌ مليئةٌ بالطاقات التي لو تم دفعها إلى الطريق الصحيح لرفعت دولنا ومجتمعاتنا إلى مراتب الدول الأرقى والأجمل في العالم.
تتطلب مواجهة ذلك كله تحركاً سريعاً من النخبة الثقافية والسياسية، بالتعاون مع رجال أعمال وطنيين في منطقتنا (المشروع يتطلب إعلاماً ذكياً وتعليماً تنويرياً ومالاً كثيراً) لبلورة مشروع وطني حضاري قادر على جذب شبابنا إلى الأمل بدل اليأس، وإلى الانفتاح بدل التقوقع الطائفي، إلى الحياة بدل الموت، مشروع يدفع أبناءنا إلى المدرسة ثم إلى الجامعة، ليتخرجوا قانونيين وعلماء اجتماع، أطباءً ومهندسين ومدرسين، ينطلقون لإغناء الحياة والحضارة. عوضاً عن دورات حزب الله التدريبية التي تخرّج من ترسلهم إلى الموت وقتل الآخرين، وبدل حلقات علم أبو بكر البغدادي ودوراته التدريبية التي تخرج انتحاريين وانتحاريات يعتقدون أن موتهم وموتنا خلاصهم.

B5A3B64E-4235-43F4-B38B-AE8D762BCAFC
وليد البني

طبيب وسياسي سوري مستقل، اعتقل خمس سنوات بعد إطلاق حركة المنتديات، أحد مؤسسي تجمع إعلاق دمشق عام 2007، رئيس سابق لمكتب العلاقات الخارجية في المجلس الوطني. متحدث وعضو هيئة سياسية سابق في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.