ياسين عدنان

ياسين عدنان

14 ديسمبر 2014
المقدم والكاتب ياسين عدنان
+ الخط -
* أين يتفق وأين يختلف ياسين عدنان مقدّم برنامج "مشارف" الثقافي، الذي يقدمه التلفزيون المغربي أسبوعيا منذ سنوات مع ياسين عدنان الشاعر؟
أولاً أنا ابن الساحة الأدبية، بدأت شاعراً ثم اقتحمتُ فضاء النشر في الصحافة الثقافية العربية. وكان لديّ دوماً شعور بالمرارة تجاه تلفزيون بلدي الذي لم يكن كريما مع الثقافة والمثقفين. لم أصدِّق قط أن الطبيعة الترفيهية للتلفزيون تجعله بعيداً عن الأفق الذي تنشُدُه الثقافة. كنتُ متحفِّظاً على هذا التصوّر لأن للتلفزيون، خاصة حين يكون عمومياً، دوراً تربويا تثقيفيا لا يجب التخلي عنه. لذلك اعتبرتُ اشتغالي في التلفزيون واجهة من واجهات النضال الثقافي وفسحة أتحتُ من خلالها المجال أمام الأدباء والمثقفين لتمرير خطاباتهم ومقترحاتهم الجمالية إلى الجمهور الواسع.

*يعزف المنتجون سواء في القطاع الخاص أو العام عن إنتاج البرامج الثقافية، وبخاصة المهتمة بالكتب، لكونها برامج غير مربحة ونخبوية، أين نذهب إذا؟
للتلفزيون حساباتُه المشروعة، فالمُنافسة على أشدِّها بين القنوات، والمُشاهد مَلول مُتبرِّم. لذلك تبذل الفضائيات قصارى جهدها كي تظل عند حسن ظن "مشاهديها الأوفياء" بعدما صار الوفاء قابلا للقياس وتُوِّجت نسبة المشاهدة قيمة القيم، فهي التي تحدِّد قيمة المنتوج التلفزيوني، ليصير المضمون الجاد والعمق الفكري والوظيفة التربوية مجرد كلام فارغ لا يصمد أمام ديكتاتورية نسبة المشاهدة. لقد حمِيَ وطيس المنافسة بين القنوات دون أن ننتبه إلى أن المنافسة تتمُّ أصلا في المُعترك الخطأ. وفي هذه المنافسة على الرفع من نسب المشاهدة بجميع الوسائل حتى لو كانت خردة مكسيكية، والفوز بأكبر قطعة من كعكة الإعلانات ولو جاء ذلك على حساب التزامات القناة إزاء المجتمع، لا أرى رابحًا. فقد نكسب المشاهدين والإعلانات لكننا نخسر الإنسان. وعموما علينا أن نختار: هل نريد شعوبا يقظة لها حد أدنى من القدرة على التمييز؟ أم كائنات هشة لا مناعة لها تتلقى الفرجة السطحية برضى وتسليم ويمكن أن تبتلع أي خطاب دون تمحيص؟

* نتراجع سياسيا ونتفكك، فهل نتراجع ثقافيا أيضا ونتفكك؟
نحن معطوبون من الداخل لأن الذين حكمونا منذ الاستقلال تصوروا أنه من الممكن أن يحكموا بالأمن وحده. ظلت المقاربة الأمنية حاضرة في كل قراراتهم السياسية واختياراتهم المجتمعية. ورغم أن للثقافة دورا جوهريا في تأطير المجتمع وتخليق الحياة العامة وتحصين المجال السياسي من التطرف، إلا أن الحاكمين تصوروا أن بإمكاننا أن نتقدم ونساهم في تحديث المجتمع والسياسة بدون خلفية ثقافية. وإذا كنا نتقهقر سياسيا، فلأننا لا نقف على أرض ثقافية صلبة. والإعلام ساهم في ذلك. لنأخذ الحوار السياسي كما نتابعه في أشهر برامجه على فضائياتنا كمثال. لقد تخلى عن عمقه الثقافي الذي يُلزمه بالإنصات والحرص على التحليل وبلورة التصورات وتوضيح الرؤى والمُحاجَّة باتزان، ليتحوّل بهاجس خلق الفرجة إلى مجال للتنابز والصراخ. والكاميرا تشتغل بهمَّة وحماس. تُركز على من يصرخ أكثر. وهي تتحرك بحيوية ومكر كلما نجح المذيع في خلق التصعيد اللازم. هكذا خرّبنا السياسة والثقافة معا وحولنا الإعلام التلفزيوني إلى أداة جريمة.

المساهمون