15 مايو 2025
ويشتمون.. فنسمعهم ونبتسمُ!
Imagezoo
مع كل موجة شتمٍ جديدة تلقي بزَبَدِها تحت قدميّ جُفاءً هنا أو هناك، أجدني أكرر عبارتي الأثيرة: "ويشتمون.. فنسمعهم ونبتسمُ". هل هذا هو الرد المناسب على الشتيمة فعلاً؟ أن نبتسم في وجه مَن يشتمنا؟ أم أن من المناسب أن نرد الشتيمة بمثلها، أو بما هو أسوأ وأكثر بذاءة منها؟
أتوقف عند مَن يصف شتيمة معيّنة بأنها بذيئة، لأنني أرى أن كل الشتائم هي بضرورة صيرورتها ولغتها بذيئة فعلاً، حتى لو لم تحتوِ على لفظ بذيء، ولأنني أراها إسرافاً لغوياً زائداً عن حاجة الشاتم والمشتوم. أتساءل دائماً: لماذا يشتم الشاتمون؟ أهي حاجة نفسية عند العجز الرد على الخصم بطريقة أخرى؟ أم أنها تعبير عن تربية معينة، نشأ هذا الشاتم في حضنها؟ هل تشفي الشتيمة غليل الشاتم؟ أم أنها تستدرجه لردٍ من نوع آخر، كالاعتداء الجسدي مثلاً؟
قبل سنوات، كتبت مقالاً عمّا سمّيته يومها: "أدب الشتيمة"، فاختلف معي أصدقاء وزملاء، على اعتبار أن الشتيمة قلّة أدب، فكيف يكون لها أدب؟ طبعاً لاحظتم المفارقة اللغوية بين التعبيرين هنا، لكنني أتجاوزها، لأعود إلى مقالي القديم الذي أتذكر أن خبراً صحافياً قرأته، في ذلك الوقت، عن بطولة عالمية سنوية للشتائم هو الذي أوحي لي بكتابته. والبطولة المذكورة، والتي لا أدري إن كانت مستمرة، أم أنها توقفت، تنظمها قرية إنجليزية صغيرة في إحدى قاعاتها، حيث تتبارى فيها مجموعات من الناس في الشتائم، ويفوز منهم، في النهاية، الأقدر على شتم المنافسين بشتائم مبتكرة وقادرة على إيذاء الآخر، أما التحدي الأكبر فيها فهو عدم استخدام الألفاظ البذيئة في الشتائم، أي الاكتفاء بقوة الشتيمة، المعنوي لا اللغوي.
أعادتني تلك المسابقة، وأنا أكتب عنها، الى أحد الكتب المفضّلة لديّ دائماً، وهو "بلدي"، لشاعر داغستان العظيم رسول حمزاتوف، فلا أظن أن كاتباً تناول موضوع الشتائم، ساخراً، منها بما يشبه المدح، مثله في ذلك الكتاب. يقول إنه أراد أن يكتب إحدى قصائده الجبلية، فاحتاج شتيمة مبتكرة، يضعها على لسان امرأة شريرة، ولم يجد في محفوظاته الشعبية ما يسعفه، فلجأ إلى سؤال مَن يعرف ممّن حوله، ولأن أحداً منهم لم يرد نسب "فضل" الشتيمة إلى نفسه، كما يبدو، فقد أشاروا عليه أن يذهب إلى قرية أخرى، بعيدة عن قريتهم "المؤدبة"، حيث تعيش عجوز لا يجاريها في السباب أحد، ولم يتوانَ حمزاتوف لحظة في البحث عن تلك العجوز.. حتى وجدها.
لم يعش رسول حمزاتوف زمن "تويتر"، وإلا لما احتاج لتكبّد عناء البحث عن تلك العجوز، ففي هذا الموقع التواصلي العجيب، سيجد ما يفيض عن حاجته حتماً من الشتائم المبتكرة، والتي ستبدو شتائم "المرأة الطيبة"، كما سمّاها، في منتهى الأناقة واللطف مقارنة بها.
والعجيب في شتائم "تويتر" أن لا أحد يمكنه أن ينجو منها، مهما كان أسلوبه، أو توجهه، أو عمره، أو ثقافته، أو جنسه، أو جنسيته، أو الموضوع الذي يكتب فيه. والمشكلة أن كل شاتم يظن أنه يدافع عن قضاياه بشتائمه، وإن اقتناعه بعدالة ما يدافع عنه من قضايا يعطيه الحق في شتيمة مَن يختلف معه، ولا يدري أنه، بذلك، يصبح أسوأ محامٍ عن قضيته. وما أكثر هؤلاء المحامين السيئين، والذين لا بد أنهم سيفوزون ببطولة الشتيمة العالمية، لو قدّر لهم أن يشتركوا فيها، وسيتفوّقون حتى على عجوز حمزاتوف.. غفر الله لها.
أتوقف عند مَن يصف شتيمة معيّنة بأنها بذيئة، لأنني أرى أن كل الشتائم هي بضرورة صيرورتها ولغتها بذيئة فعلاً، حتى لو لم تحتوِ على لفظ بذيء، ولأنني أراها إسرافاً لغوياً زائداً عن حاجة الشاتم والمشتوم. أتساءل دائماً: لماذا يشتم الشاتمون؟ أهي حاجة نفسية عند العجز الرد على الخصم بطريقة أخرى؟ أم أنها تعبير عن تربية معينة، نشأ هذا الشاتم في حضنها؟ هل تشفي الشتيمة غليل الشاتم؟ أم أنها تستدرجه لردٍ من نوع آخر، كالاعتداء الجسدي مثلاً؟
قبل سنوات، كتبت مقالاً عمّا سمّيته يومها: "أدب الشتيمة"، فاختلف معي أصدقاء وزملاء، على اعتبار أن الشتيمة قلّة أدب، فكيف يكون لها أدب؟ طبعاً لاحظتم المفارقة اللغوية بين التعبيرين هنا، لكنني أتجاوزها، لأعود إلى مقالي القديم الذي أتذكر أن خبراً صحافياً قرأته، في ذلك الوقت، عن بطولة عالمية سنوية للشتائم هو الذي أوحي لي بكتابته. والبطولة المذكورة، والتي لا أدري إن كانت مستمرة، أم أنها توقفت، تنظمها قرية إنجليزية صغيرة في إحدى قاعاتها، حيث تتبارى فيها مجموعات من الناس في الشتائم، ويفوز منهم، في النهاية، الأقدر على شتم المنافسين بشتائم مبتكرة وقادرة على إيذاء الآخر، أما التحدي الأكبر فيها فهو عدم استخدام الألفاظ البذيئة في الشتائم، أي الاكتفاء بقوة الشتيمة، المعنوي لا اللغوي.
أعادتني تلك المسابقة، وأنا أكتب عنها، الى أحد الكتب المفضّلة لديّ دائماً، وهو "بلدي"، لشاعر داغستان العظيم رسول حمزاتوف، فلا أظن أن كاتباً تناول موضوع الشتائم، ساخراً، منها بما يشبه المدح، مثله في ذلك الكتاب. يقول إنه أراد أن يكتب إحدى قصائده الجبلية، فاحتاج شتيمة مبتكرة، يضعها على لسان امرأة شريرة، ولم يجد في محفوظاته الشعبية ما يسعفه، فلجأ إلى سؤال مَن يعرف ممّن حوله، ولأن أحداً منهم لم يرد نسب "فضل" الشتيمة إلى نفسه، كما يبدو، فقد أشاروا عليه أن يذهب إلى قرية أخرى، بعيدة عن قريتهم "المؤدبة"، حيث تعيش عجوز لا يجاريها في السباب أحد، ولم يتوانَ حمزاتوف لحظة في البحث عن تلك العجوز.. حتى وجدها.
لم يعش رسول حمزاتوف زمن "تويتر"، وإلا لما احتاج لتكبّد عناء البحث عن تلك العجوز، ففي هذا الموقع التواصلي العجيب، سيجد ما يفيض عن حاجته حتماً من الشتائم المبتكرة، والتي ستبدو شتائم "المرأة الطيبة"، كما سمّاها، في منتهى الأناقة واللطف مقارنة بها.
والعجيب في شتائم "تويتر" أن لا أحد يمكنه أن ينجو منها، مهما كان أسلوبه، أو توجهه، أو عمره، أو ثقافته، أو جنسه، أو جنسيته، أو الموضوع الذي يكتب فيه. والمشكلة أن كل شاتم يظن أنه يدافع عن قضاياه بشتائمه، وإن اقتناعه بعدالة ما يدافع عنه من قضايا يعطيه الحق في شتيمة مَن يختلف معه، ولا يدري أنه، بذلك، يصبح أسوأ محامٍ عن قضيته. وما أكثر هؤلاء المحامين السيئين، والذين لا بد أنهم سيفوزون ببطولة الشتيمة العالمية، لو قدّر لهم أن يشتركوا فيها، وسيتفوّقون حتى على عجوز حمزاتوف.. غفر الله لها.