ويحدثونك عن الطائفية!

ويحدثونك عن الطائفية!

26 فبراير 2015
لا يمكن ارتكاز التعليم على ما هو ديني فقط
+ الخط -

يمكن إيجاد أكثر من تصور ودرب يسلك لتقديم فهم يدّعي اشتمال الرؤية زوايا متعددة للتعليم، وللدين كذلك. أما عندما يمسي الأمر مرتبطاً أو متناولاً لمفهوم وممارسة التعليم الديني، فهنا تقع شبه الأحجية، إذ إن مجتمعاتنا تعيش في طور لا يتوفر فيه الحسم، ويغلب عليه الخلط، وربما الاختلاط، بين المفاهيم المشكلة لبنية التعليم، وللدين في حد ذاته أيضاً، فتصبح حالة التعليم الديني بالتالي في مهبّ هذا الخلط والتداخل المركب.

وعند التعرض لما هو بهذا الارتباط بشكل التعليم وهيكلياته في بلداننا العربية، وفهم الدين وتفاعل التصورات حوله في مجتمعاتنا، لاسيما في ظل ما تعيشه من تحولات يغلب القول حولها بأنها حادة، أو ربما تقترب إلى ما هو فوق الطبيعي، لشدة ما تجره من تبعات، وضبابية ما هي ذاهبة إليه من مآلات، فإن تجريد الحديث عن التعليم الديني من خيوط الارتباط بشكل التدين المجتمعي، والدور الحركي في خلق هذه الأنماط وصياغتها، إلى جانب الالتفات إلى أنماط التعليم بشكله العام، وشكل علاقة المؤسسة/ات التربوية عربياً بحيثيات السلطة وممارساتها، وزاوية النظر من موقعها إلى المجتمع وصناعة وعيه، يكون أشد أشكال الرطانة والابتعاد عن مرتكزات الظاهرة.

ليس التعليم الديني بالجديد على تجرية المجتمعات العربية، بل يمكن القول إن له دوراً تأسيسياً في العديد من المواقف والتوجهات بشكلها المتعارف عليه اليوم، وكذلك للعلم، والعملية التعليمية التربوية في ذاتها من أهمية ومركزية في المقولة الدينية والمقولات التربوية المؤسسة لما هو شائع ومعتاد في الموروث الحي المتناقل.

ويمكن تلمس قصور في التوصيف إذا ما تم التوقف لدى اتكاء الموقف والتوجه العامين، على افتراض وجودهما، من التعليم، وبالأخص التعليم الديني، إلى ما هو موروث من مقولة ثقافية غذّاها الإسلام نصاً وعقيدة، فالأمر أبعد، وربما أكثر تشابكاً بعض الشيء، إذ إن عملية صناعة الوعي وتشكيله، أو تشذيب الموقف وصياغتها لا تخضع بالضرورة لحاجات الإنسان، ولا لما هو متوفر بالفطرة، أو تلبية لحاجته إلى المعرفة أو العلم، فدوماً هناك بنية ناظمة تقف خلف أي عملية ذات طابع جمعي، قد تكون حزباً أو دولة أو جماعة مصالحية. لذلك يصعب التفريق بين مسار التعليم كمسار خالص لوجه المعرفة، ولما يحمل هذا الشريط من مقولات وإجابات تعبّر عن منتجيها.

وبأخذ التعليم عملية اجتماعية أخلاقية قيمية، كما هي عملية تقنية أيضاً، لا يمكن الارتكاز في شكل التعليم على ما هو ديني فقط، ومن هنا بزغ التفريق بين التعليم العلمي، أو الدنيوي، المرتبط بمصالح البشر واحتياجاتهم وهمومهم المعرفية، والتعليم في شكله الديني، الذي يستحيل التعاطي معه اليوم مصدراً خالصاً للمعرفة، بقدر ما يصح اعتمادها نسقاً أو درباً لهداية أصحاب الدين إلى شؤون دينهم وما ينص عليه أن يكون طريقاً إلى معبودهم.

لذلك لا يمكن التوقف لدى التعليم الديني على أنه عملية مقدسة أو طهرانية كون مادتها هي الدين، بل يتوجب الالتفات إلى شكل علاقة التعليم بالسلطة، وإلى علاقة الأخيرة بالمجتمع، فبقدر ما تكون مبنية على المشاركة الديمقراطية في ما يتعلق بالشأن العام، تكون عملية التعليم نفسه متمتعة بما لهذه المشاركة من خصائص، والعكس بالعكس، فلا يتوقع في مجتمع مقموع متسلط عليه من آلة حكم عسكرية، سواء في التجارب التي عرفت أنظمة الاستبداد، أو تلك التي وجدت ضمن سياقات استعمارية، أن ينجو تعليمه ويقدم ما هو مختلف عن الوجه العام للسلطة.

وبما أن الادعاء بالسلطة على الدين متوفر لدى أكثر من قطب على الساحة العربية، في الوقت الذي تحضر فيه الترجمة العملية لادعاء السلطة الاستبدادية بوصايتها على كل ما تحمله الأرض، وفرض عنصريتها على علاقات المجتمع ببعضه، يمكن فهم حالة التشوه والتشتيت والطائفية التي تعتري مناخات التعليم الديني عربياً.


راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون