وللعباد في "فيسبوك" شؤون

26 يونيو 2014
+ الخط -

في زمنٍ سابق، كان الكُتّاب والأدباء يتزعمون المشهد الثقافي، وكان جمهورهم يتطلع إلى تتبع أخبارهم وأحوالهم. لكن، مع ظهور الصورة، كأثر وفعل، أُجبر من كانوا يسمون المثقفين التقليدين، على الانخراط طوعاً داخل زوايا الصورة، كالتلفاز، ولاحقاً الإنترنت. ومع ظهور المجتمعات الافتراضية، وانتشارها فضاءاتٍ للتعبير عن الآراء، بدا هذا الأمر لدى المثقفين التقليديين انتهاكاً لدور المثقف، وتمثيله جلّ القضايا العامة. إذ أصر معظمهم، حينها، على ضرورة المحافظة على أصالة الثقافة، لكي لا تضيع وسط تمييع الآراء وغزارتها.

يبدو أنه كلما ازداد شيوع هذه التكنولوجيا، ومساحات الرأي الناتجة عن هذا التوسع، تراجع الطابع النخبوي للآراء المنتشرة في الفضاء العام، مما يدفع إلى استنتاج أن هناك ما يميز تجربة التعبير عن الرأي على حوائط "فيسبوك". إذ، وبخلاف كل وسائل الاتصال والإعلام، التي بدأت نخبوية الانتشار ومحصورةً بيد فئة محدودة، ظهر "فيسبوك" وسيلة جماهيرية أولاً، ثم التحق به ما يعرف بالنخبة. فنجد أغلب المخرجين والمهنيين في قطاع السينما، مثلاً، مشغولين بالمهرجانات المحلية والعالمية، لوجودهم فيها مشاركين أو مدعوين. ونجدهم ينشرون على حائطهم في فيسبوك عبارات من قبيل، "سأكون موجوداً"، و"شاهدت"، و"حضرت". كما يضع معظمهم صوراً لأفلام يعتبرون أنه من اللازم على من يتابعهم أن يستفيد من اقتراحاتهم وتوصياتهم بشأنها. أما الممثلون والممثلات، فنادراً ما تجدهم يشاركون صوراً، لا يظهرون فيها، كما يشاركون تحركاتهم في كواليس أعمالهم، بالإضافة إلى حياتهم اليومية، ولقطات من أفلامهم، أو حتى سفرهم وتجوالهم في المدن، وفي هذا جانب من مسلكيات أصبحت اعتيادية من طرف أهل الفن.

أما النقاد في "فيسبوك"؛ فهم يسطـّرون بأيديهم أكثر مما يصورون أنفسهم، ويولون الاهتمام بما يكتب عن فيلم ما أو مهرجان، أو بما يرونه مادة قابلة للنقد. وأما الأساتذة الجامعيون، حتى وإن تتبعت هذه الفئة، فليس مهماً أن تبحث عن تخصص كل واحد منهم، أو مجال اهتمامه، لأن الملاحظ أنهم في "فيسبوك" يميلون إلى نشر عناوين لمراجعهم، أو لأبحاث وترجماتٍ قاموا بها أخيراً، وأيضاً لمواعيد ندوات حضروها، أو سيحضرون لها. كما يمكن أن تجد بعضهم يفتح المجال لطلبته لمناقشة أمور الدراسة. لكن، في حدود معلومة. وتهتم هذه الفئة بالجدية أكثر، حيث ينشرون أقوالاً، أو آراء شخصية.

بينما الإذاعيون والإعلاميون، على الرغم من احتكاكهم اليومي مع وسائل الإعلام والاتصال، وبغض النظر عن لائحة أصدقائهم الطويلة، إلا إنهم أكثر تردداً من حيث المشاركة والتعليق. لكن، وبحكم تعاملهم المباشر مع الصورة أو الحدث المباشر، فهم يتعاملون مع متتبعيهم في "فيسبوك" ملاحظين ومحبين لهم، فنراهم ينشرون صورهم الشخصية بشكل مفرط أحياناً، إذ يقلّبون أرشيف صورهم بين حينٍ وآخر، لينشروا كيف كان شكلهم وكيف أصبحوا. ونجدهم أيضاً نشطين في تحديث صورهم، حسب تنقلاتهم وحركتهم ضمن الحياة الواقعية. ويؤخذ على هذه الفئة أنهم يعدون من الأقرب إلى الشأن العام، لكنهم لا يشاركون كثيراً في القضايا الكبرى وأحداث الرأي العام. في حين أنه يمكن اعتبار الكتاب والصحافيين الأكثر مشاركة وشغباً في "فيسبوك"، ومع ارتفاع التدرج الوظيفي، وكلما اقترب الصحافي من كرسي رئاسة التحرير، يلحظ ضعف علاقته بالعالم الافتراضي. 

8E8E491C-8A70-4424-83EA-7503A0366836
8E8E491C-8A70-4424-83EA-7503A0366836
غسان الكشوري (المغرب)
غسان الكشوري (المغرب)