وكانت حيفا بعيدة جداً

وكانت حيفا بعيدة جداً

16 اغسطس 2017
+ الخط -


لا أحد يعرف غيره، الطريق إلى حيفا من مخيمي في السبعينيات، كانت ممتعة وسهلة وسريعة، ضخماً وطويلاً مثل شاحنته وبشارب أسود، كان سائق الشاحنة الذي نسيت اسمه. كنت مع صديقي (م) في ذروة مراهقتنا وعطشنا طالبي صف إعدادي، نراقبه وهو يفتح الباب لبنت حلوة، تصعد قربه فرحة وضاحكة، فتصعد أرواحنا إلى الله، تاركة إيانا جثتين رخوتين على قارعة الطريق.

كان ثقيلاً علينا أن نتخيل أشياء لذيذة تفعلها له البنت بينما هو يسوق شاحنته الضخمة مغمضاً نصف عينيه، الشاحنة التي لم تسجل مخالفة مرور واحدة طيلة 20 عاماً من عمله. الشاحنة التي أحضرت له جائزة أفضل سائق في الضفة الغربية، تسلمها من ضابط يهودي في حفل كبير، صفقت فيه البنت الحلوة كثيرا، بينما أنا وصاحبي (م) نتصبب عرقا.

كم كنا نكرهه: "يا رب تتدهور الشاحنة، يموت هو بس البنت الحلوة ما تموت (...) يا رب تخطفه بنت من حيفا أحلى منها وتتخلى عنه حلوة المخيم". ما زلت أتذكر صرخة أبي في وجهي وهي تهز أزقة المخيم: ولك انجنيت إنت؟ قال كيف الواحد بصير سائق شاحنة!

هذه كانت مقدمة ضرورية لأتذكر صديق عطشي (م) الذي مات دون جائزة في منتصف التسعينيات، محروقاً في شاحنته الطويلة والضخمة التي تدهورت في منحدرات قرية (د) قرب المخيم. لم يجدوا قربه بنت حلوة، وكانت حيفا بعيدة جداً.
A4D0AC11-C6A0-4980-9170-899AA247D756
زياد خدّاش

قاص ومعلم فلسطيني. مواليد القدس عام 1964 ويقيم في رام الله. له عدد من المجموعات القصصية المنشورة.

مدونات أخرى