وقف إطلاق النار في ليبيا: الطريق الصعب إلى بدء عملية سياسية

وقف إطلاق النار في ليبيا: الطريق الصعب إلى بدء عملية سياسية

22 اغسطس 2020
شكل الحل السياسي لا يبدو قريباً (Getty)
+ الخط -

لا يزال تحقيق الإعلان عن وقف إطلاق النار في ليبيا مرهوناً باجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، رغم الترحيب العربي والدولي الواسع بالإعلان من قبل القادة السياسيين، وسط تشكيك في قدرة اللجنة العسكرية على التوصل لاتفاق بشأن إخلاء مدينتي سرت والجفرة وسط البلاد، من السلاح وفق مقترح أميركي مؤيد من عدد من الدول.

ورغم اتفاق بياني رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، على الدعوة لوقف إطلاق النار، إلا أن البعثة الأممية أعربت عن أملها بأن "تفضي دعوة البيانين لوقف إطلاق النار إلى الإسراع في تطبيق توافقات اللجنة العسكرية المشتركة، والبدء بترحيل جميع القوات الأجنبية والمرتزقة الموجودة على الأراضي الليبية".

وأكدت مصادر حكومية من طرابلس وبرلمانية من طبرق لـ"العربي الجديد" استمرار غموض موقف اللواء خليفة حفتر من الدعوة لوقف إطلاق النار وسط خلافات واسعة بين قادة من برلمان طبرق وضباط من الدائرة المقربة من حفتر حول الرضوخ للضغوط الدولية بشأن القبول بوقف إطلاق النار وإخلاء منطقتي سرت والجفرة من السلاح تمهيدا لعملية سياسية جديدة.

استمرار غموض موقف اللواء خليفة حفتر من الدعوة لوقف إطلاق النار وسط خلافات واسعة بين قادة من برلمان طبرق وضباط من الدائرة المقربة من حفتر

 

ورغم الترحيب الروسي بالإعلان من قبل السراج وصالح، إلا أن برلمانيا من طبرق أكد أن حفتر لا يزال يركن لإصرار روسي على استمرار وجود مقاتلي فاغنر في منطقة الجفرة وحقول النفط وموانيه، مؤكداً أن الإمارات لا تزال وراء موقف حفتر المتصلب من مستجدات الأوضاع وإصراره على دعم الوجود الروسي، الذي قد يشكل عامل عرقلة للتوصل إلى وقف إطلاق النار ونزع السلاح من سرت والجفرة.

وفي ذات الوقت قالت مصادر حكومية من طرابلس إن الأمم المتحدة تستعد لاستضافة جولات جديدة لمحادثات اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 في العاصمة السويسرية جنيف، التي اجتمعت فيها، الخميس الماضي، برئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، لبحث "سبل إعادة تفعيل المسار السياسي، إضافة إلى بحث الأوضاع العسكرية وملف الفساد والآثار المترتبة على استمراره"، وفق ما نشرته البعثة الأممية عبر صفحتها الرسمية.

وكانت مصادر ليبية قد كشفت قبل أيام عن استعداد جنيف والعاصمة المغربية الرباط لاستضافة جولات جديدة بين الأطراف الليبية.

 

تقارير عربية
التحديثات الحية

 

صعوبة إخلاء سرت والجفرة

لكن مراقبين ليبيين يشككون في قدرة اللجنة العسكرية المشتركة على التوصل لاتفاق بشأن إخلاء المنطقتين، وسط البلاد، من السلاح وفق مقترح أميركي مؤيد من عدد من الدول العربية والأوروبية.

وقال الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق إن المقترح الأميركي يبدو أنه الأقرب للتطبيق وحشدت له واشنطن دعما دوليا وإقليميا وأمميا أيضا، لكنه بحسب ما ذكر البرق لـ"العربي الجديد"، لا يهدف إلى حل الازمة الليبية بقدر ما يتوقف عند حل أزمة النفط وإعادة إنتاجه وتصديره.

المقترح الأميركي يبدو أنه الأقرب للتطبيق لكنه لا يهدف إلى حل الازمة الليبية بقدر ما يتوقف عند حل أزمة النفط 

 

 

وبينما رحبت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا بدعوة بياني السراج وصالح لإعادة استئناف حركة التصدير والإنتاج، إلا أن مواقع النفط لا تزال على حالها دون أن يعلن حفتر عن إعادة تشغيلها وإخلائها من المسلحين.

ويتوقع البرق أن ينجح المسؤولون الأميركيون بالضغط على حفتر من خلال حلفائه، لا سيما القاهرة التي يبدو أنها تؤيد المقترح الأميركي.

وقال الباحث الليبي في هذا السياق "إذا سحب حفتر ميلشياته القليلة من سرت والجفرة فسينكشف الوجود الروسي للرأي العام، وستضطر عندها موسكو لسحب قواتها، وخصوصاً من حقول النفط"، معتبرا أن فرض واشنطن لمقترحها إشارة لفشل المقاربات التي كانت تجريها أنقرة مع موسكو من أجل التوصل لصيغة للتفاهم بشأن الأوضاع في سرت ومناطق النفط.

ولأول مرة منذ توتر العلاقة بين القاهرة وحكومة الوفاق يشيد مسؤول بالحكومة بالموقف المصري، فقد أكد وزير الداخلية في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، أن "وقف إطلاق النار لم يكن ليحدث لولا دعم الولايات المتحدة وتركيا ومصر".

وبينما يرى البرق أن تأخر حفتر في الإعلان عن وقف النار هو "موقف تعنت وتصلب لن يطول وسينصاع للإرادة الدولية قريبا، ويرسل ممثليه العسكريين للمشاركة في محادثات اللجنة العسكرية، يؤكد أن الهدف الأميركي سيتوقف بعدها عند دعم عودة الجهود الأممية لحث الأطراف على الذهاب إلى مفاوضات سياسية.

تقارير عربية
التحديثات الحية

 

نحو إعادة تشغيل حقول وموانئ النفط

لكن شكل الحل السياسي لا يبدو قريباً، فالمقترحات التي حملها بيانا السراج وصالح تختلفان بشكل كبير، فقد دعا السراج إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية في مارس المقبل، بينما دعا صالح إلى تشكيل مجلس رئاسي جديد مقره مدينة سرت.

وكان صالح قد رحّب باللقاء مع المشري بعد أن أبدى الأخير استعداده للقاء صالح في العاصمة المغربية الرباط، في تصريحات لقناة فضائية مغربية الأسبوع الماضي. وهي ملامح لا تشير إلى قرب انطلاق عملية سياسية جديدة، بحسب الباحث السياسي الليبي سعيد الجواشي، الذي يتفق مع البرق في أن الجهود الدولية تهدف إلى إعادة تشغيل الحقول والموانئ النفطية، فقد رحبت بيانات العديد من الدول بوقف إطلاق النار وقرنت ترحيبها بضرورة استئناف إنتاج وتصدير النفط.

ويرجح الجواشي في حديثه لـ"العربي الجديد" عودة أممية وشيكة لقيادة جهود دعوة الأطراف الليبية للقاءات سياسية، لكنها لن تصل قريبا إلى توافق، مشيراً إلى أن مرجعية العملية السياسية غير واضحة حتى الآن ما إذا كنت على أساس مخرجات برلين أو الذهاب إلى صياغة اتفاق الصخيرات 2 بإجراء تعديلات على الاتفاق الموقع نهاية 2015.

عودة أممية وشيكة لقيادة جهود دعوة الأطراف الليبية للقاءات سياسية

 

 

وأبعد من ذلك يلفت الجواشي إلى عدم قدرة الطرفين الداعيين لوقف إطلاق النار على إجبار المسلحين على الأرض للالتزام بأوامرهما، مشيرا إلى أن صالح لا يملك قدرة على إجبار حفتر، خصوصاً مع العلاقة المتوترة بينهما، كما أن قوات حكومة الوفاق من بينها فصائل قد لا تقبل بهذا المبدأ.

ورغم بيان آمر غرفة عمليات سرت والجفرة، إبراهيم بيت المال، بـ"الامتثال لأوامر رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي"، وترحيبه ببيان الدعوة لوقف إطلاق النار، إلا أن اصواتاً أخرى من قادة بعض الكتائب الموالية للحكومة لا يبدو عليها الرضا، كما أن بيت المال علق قبوله بالدعوة بسحب حفتر لجميع قواته "انسحابا فوريا من سرت والجفرة".

وأضاف "لم يطبق أي شيء مما دعا له السراج وحفتر حتى الآن والأوضاع لا تزال غامضة"، مشيرا إلى أن الطريق لا يزال صعبا أمام تحقيق ما دعا إليه البيانان، إذ "لم يزيدا عن حد إبداء الليونة والمرونة فقط، وهناك تعقيدات لا تزال في كواليس بعض العواصم الكبرى".

وأشار إلى أن بيان السفارة الأميركية التي رحبت بالبيانين لكنها ختمت بالقول "سيكون لدى الولايات المتحدة المزيد لتقوله قريبا".

ويذكر الجواشي أن روسيا يبدو أنها بدأت في البحث عن خيارات أخرى تضمن لها بقاءها في ظل أوضاع حفتر المتهاوية عسكريا ومحليا، لافتاً إلى أن حراكا قبليا داعما لسيف الإسلام القذافي في جنوب ليبيا بدأ في النشاط والظهور في شكل مظاهرات، قد يكون البديل لدى روسيا باعتبار علاقتها التي لا تزال متينة بأنصار النظام السابق، وقد تعول عليه في القادم كظهير سياسي جديد يحفظ لها بقاءها لتحقيق مصالحها التي لم يحققها حفتر.

المساهمون