وفاة مبارك: طي صفحة عقود الخراب وبقاء الاستبداد

وفاة مبارك: طي صفحة عقود الخراب وبقاء الاستبداد

26 فبراير 2020
كانت علاقة مبارك متوترة مع من خلفه(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -


بوفاة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، أمس الثلاثاء، عن عمر يناهز الـ92 عاماً، تكون مصر قد طوت نهائياً صفحة الرجل الذي اعتلى كرسي الرئاسة ثلاثين عاماً، من أكتوبر/ تشرين الأول 1981 حتى تاريخ عزله في 11 فبراير/ شباط 2011، ووصف حكمه بعهد الخراب، بعدما شهد وفاة الآلاف نتيجة القمع والفساد والإهمال، فضلاً عن معاناة ملايين المصريين من الفقر والبطالة. لكن برحيل مبارك، الذي عايش بعد خلعه، وعلى مدى قرابة 9 سنوات، التحولات المتسارعة في مصر، بما في ذلك الانقلاب على الثورة ونتائج أول انتخابات رئاسية ديمقراطية، فإن زمن الاستبداد الذي خبره المصريون لسنوات في عهده لم ينته، مع سير الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي على خطى مبارك في استخدام جميع أدوات القمع، معتمداً بشكل خاص على أجهزة المخابرات والرقابة الإدارية والأمن الوطني، للحكم، وخنق أي فسحة للحراك للمعارضة، خصوصاً في ظل غياب الظهير السياسي للسيسي، كما كشفت انتخابات مجلس النواب عام 2015.

مبارك، الذي صادف يوم رحيله مع ذكرى أول احتجاجات في عهده في 25 فبراير/ شباط 1986، حين تظاهر الآلاف من مجندي قوات الأمن المركزي في معسكر الجيزة بطريق الإسكندرية الصحراوي، احتجاجاً على سوء أوضاعهم المعيشية، وتسرب شائعة عن وجود قرار بمد خدمتهم من ثلاث إلى خمس سنوات، وصل إلى الحكم عام 1981 من المؤسسة العسكرية، التي ترقّى فيها وصولاً إلى قيادة القوات الجوية في إبريل/ نيسان 1972، ليقود هذه القوات في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973. عام 1975 اختاره الرئيس حينها أنور السادات نائباً له، قبل أن يتولى الرئاسة في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 1981 إثر اغتيال السادات، ليبقى في السلطة حتى تطيحه ثورة يناير.

وخلال سنوات حكمه، تمسك بمعاهدة السلام التي أبرمها سلفه أنور السادات مع إسرائيل عام 1979، على الرغم من الاحتجاجات والمطالبات بإلغائها، وسعى لفرض نفسه كوسيط رئيسي في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وبذلك ضمِن تأييد الغرب لنظامه وخصوصاً الولايات المتحدة التي ظل حليفاً لها، لتقدّم له ملايين الدولارات من المساعدات. ولم يتأخر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس في التعبير عن حزنه البالغ لوفاة مبارك، قائلاً إنه "كان صديقاً شخصياً لي، وقاد شعبه نحو تحقيق السلام مع إسرائيل" في الوقت الذي قررت فيه الرئاسة المصرية أمس إعلان الحداد عليه 3 أيام، واصفة إياه بأنه "تولى قيادة القوات الجوية أثناء الحرب التي أعادت الكرامة والعزة للأمة العربية".

خلال مسيرته الطويلة، تعرض مبارك لست محاولات اغتيال جعلته يرفض رفع حالة طوارئ في البلاد على مدى توليه الحكم. وكانت أبرز هذه المحاولات في 26 يونيو/ حزيران 1995، حين نجا من محاولة اغتيال في أديس أبابا، عندما قطع مهاجمون الطريق أمام موكبه وأمطروا سيارته المصفحة بالرصاص.
وفي استعراض لثلاثين عاماً من حكمه، تظهر صفحة طويلة من الكوارث التي عاناها الشعب المصري، آخرها مقتل نحو 841 مواطناً، غالبيتهم من الشباب، بين 25 يناير و11 فبراير 2011، نتيجة إصدار مبارك، ووزير داخليته حبيب العادلي، أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين خلال الثورة، بخلاف الآلاف من الأبرياء الآخرين في أحداث مثل "انهيار صخرة الدويقة"، وعبّارة السلام، وقطار الصعيد، والتعذيب في السجون. وخلّفت أعوام حكم مبارك أكثر من 20 مليون مصري تحت خط الفقر، و8 ملايين يعانون من البطالة، و12 مليوناً يعيشون في العشوائيات، و22 مليوناً من الأميين، علاوة على ما يعادل 800 مليار جنيه من الدين الداخلي والخارجي، و42 مليار جنيه (حسب التقديرات الرسمية) هرّبها رجال الأعمال من المحسوبين على السلطة إلى خارج البلاد.

ومن أبرز الحوادث في عهده الرئاسي، غرق عبّارة الركاب "السلام 98" قرب ميناء سفاجا في 3 فبراير/ شباط 2006، ما خلّف أكثر من 1400 ضحية، ومن قبلها باخرة الحجاج "سالم إكسبريس" التي غرقت قبالة سواحل ميناء الغردقة في 15 ديسمبر/ كانون الأول 1991، ما أسفر عن مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 476 شخصاً. كما سقط نحو ألف قتيل في حريق "قطار العياط" الشهير عام 2002، وهو الحادث الأسوأ في تاريخ السكك الحديدية المصرية.

في سنواته التسع الأخيرة منذ خلعه في أعقاب ثورة يناير، عاش مبارك في دوامات مد وجزر، سياسية وقانونية، جعلت علاقته هو ونجلاه علاء وجمال متوترة دائماً مع من تولوا السلطة في أعقابه، منذ المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة وزير دفاعه المشير حسين طنطاوي، ثم الرئيس الراحل محمد مرسي، انتهاء بالرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، لا سيما بعدما وجد مبارك ونجلاه أنفسهم محاطين بسهام الاتهامات والملاحقة القضائية على مدار سنوات، ومصائد العزل السياسي لهم ولأعوانهم وحتى الدوائر التابعة لهم في مختلف الأجهزة. وبدا أن جميع الفرقاء السياسيين الذين حكموا مصر بعده لم يتفقوا إلا على عدم إفساح المجال له ولأسرته للعودة إلى الواجهة مرة أخرى، على الرغم من مضي المجلس العسكري في فترة حكمه المؤقتة، ثم السيسي، في استحضار العديد من سياسات نظامه، ومحاولة الاستفادة من أركان حكمه.

لم يكن مبارك في الأيام الأولى من عام 2011 يتصور أن يحدث كل هذا التغيير في المشهد السياسي المصري، على الرغم من حالة عدم الاستقرار والانتفاضة الشعبية في تونس والمقاربة الإعلامية بين أوضاعها والأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المحتقنة في مصر، خصوصاً بعدما تم تزوير إرادة الناخبين بشكل تام في انتخابات مجلس الشعب 2010 التي حُسمت لصالح الحزب الوطني الحاكم بما يشبه التعيين بواسطة انتخابات بين مرشحي الحزب وبعضهم البعض، في ظل حرمان مرشحي المعارضة الجادة وعدم تنفيذ الأحكام القضائية بتمكينهم من المنافسة. وكان ذلك تمهيد لصناعة برلمان يمكن من خلاله الاستفادة من التعديلات الدستورية المجحفة المكرسة لإمكانية توريث الحكم من مبارك لنجله جمال، وعدم السماح بتكرار تجربة المنافسة الصورية على الرئاسة عام 2005، بوضع عراقيل كبرى أمام من يحاول الترشح ضد ممثل الحزب الوطني الحاكم، الذي كان من المخطط أن يكون جمال، في حالة رضوخ مبارك لضغوط أسرته واكتفائه بإنهاء فترة الرئاسة في سبتمبر/ أيلول 2011.

وربما كان ظهور مبارك في افتتاح الدورة البرلمانية الأخيرة في عهده، وتعليقه الشهير "خليهم يتسلوا" على إقدام نواب "الإخوان المسلمين" وبعض أطياف المعارضة على إقامة ما يسمى بـ"البرلمان الموازي"، مكللاً لمسيرة أعوام طويلة من محاولة إعلام مبارك إلصاق اتهامات الفساد السياسي بحاشية مبارك، لا بشخصه. فالتعليق الساخر الذي يعتبره كثيرون الآن دليلاً على افتقاد مبارك في نهاية حكمه للمعلومات الحقيقية باحتقان وغليان الشارع، يعتبر أيضاً دليلاً على رعاية مبارك، أو على الأقل رضاه، الممارسات السلبية لمجموعة جمال مبارك، التي كانت معروفة بـ"لجنة السياسات"، وشعوره بأن الغضب الشعبي إزاءها لن يتطور إلى انتفاضة شعبية، فضلاً عن حضوره بعد ذلك بأيام حفل عيد الشرطة ومباركته لجهود حبيب العادلي، الذي كان في مرمى الانتقادات الحادة منذ حادث مقتل الشاب خالد سعيد بالإسكندرية في يونيو/ حزيران 2010.

هذه المشاهد كانت كفيلة بتأكيد انفصال مبارك ليس فقط عن الشارع المصري، بل الأهم انقطاع عرى التواصل بينه وبين قيادات المجلس العسكري، الذين لم يكونوا راضين عن الصعود القوي لجمال مبارك ورفاقه وعلى رأسهم رجل الأعمال أحمد عز. فلم يكترث مبارك بالدرجة المطلوبة بالمشادات والمشاحنات التي شهدتها اجتماعات مجلس الوزراء في الشهور السابقة على الثورة بين وزراء المجموعة الاقتصادية المقربين من نجله، وبين وزير الدفاع حسين طنطاوي تحديداً حول بعض القضايا ذات البعد الاقتصادي، ومحاولتهم مزاحمة الجيش في أنشطته الاقتصادية لصالح المستثمرين الأجانب والمحليين.

هذه المستجدات كانت لها في الواقع خلفيات أخرى، هي رصد الجيش من خلال المخابرات الحربية التي كان يرأسها في ذلك الوقت اللواء عبد الفتاح السيسي، تزايد التوتر في الشارع إزاء السياسات الأمنية القمعية واتساع سلطة الشرطة مقابل الجيش وباقي مؤسسات الدولة، وظهور مؤشرات لتآكل شعبية النظام بسبب هذه الصفقة بين مجموعة جمال مبارك والعادلي برعاية مبارك الأب.

أصبح تحفز المجلس العسكري ضد وصول جمال مبارك ومجموعته إلى الحكم واضحاً بوقوف الجيش على مسافة بين مبارك والحراك الشعبي ضده، خصوصاً بعد انهيار الشرطة في يوم جمعة الغضب (28 يناير 2011) الذي جسّد ذروة الحراك الجماهيري الجماعي الموحّد ضد سلطة مبارك وسياساته، إلى أن بدأ مبارك يتخذ خطوات للتملّص من سيطرة مجموعة جمال وتُظهر استعداده للتخلي عن رموزها وعلى رأسهم أحمد عز، فيما بدا استجابة لرسالة من الجيش مفادها "عدم السماح لمدني بحكم دولة الجيش المصري" حتى إذا كان نجل بطل من أبطال حرب أكتوبر والرئيس صاحب العقود الثلاثة في سدة الحكم.

وهنا سقط مبارك التائه، بين عدة اعتبارات، فقد خرج إلى شعبه في خطابات متعاقبة يعرض إمكانية بقائه في السلطة إلى حين انتهاء مدته الحالية في خريف ذلك العام. لكن إصرار الثوار، وعدم تدخل الجيش لحسم الأمور لصالحه، فاقم أزمته، فاضطر لزيارة المجلس العسكري بنفسه، في الوقت الذي أدخل فيه مدير المخابرات العامة عمر سليمان في الصورة كمفاوض عن النظام، لكن الأمور انقلبت رأساً على عقب عندما عيّنه مبارك نائباً له، ليصبح بذلك الشخصية الأقوى نظرياً في النظام المصري، في ظل البدء فعلياً في عملية تعديل للدستور يتخلى مبارك بموجبها عن بعض سلطاته لنائبه.


كان مبارك يعرف جيداً حجم الحساسيات وعمق الخلاف بين سليمان وطنطاوي، منذ ثمانينيات القرن الماضي، لكنه على الأرجح لم يفكر في أن هذا التعيين سيكون الشعرة التي تقلب المجلس العسكري عليه. فبعد ساعات معدودة اجتمع المجلس العسكري، مصدراً البيان رقم واحد، الذي انطوى ضمنياً على تحذير "أخير" لمبارك الذي لم يرد بأي حراك، لتغرب شمس 11 فبراير 2011 بإجبار الجيش مبارك على صيغة تنحٍ وإعلانها على عجالة من مبنى الإذاعة والتلفزيون الذي كان تحت سيطرة الجيش تماماً.

شعر مبارك، وفقاً لمصادر عدة، بأنه تعرض للغدر من طنطاوي، وتسبّب هذا في مرارة زادت حدتها بمرور الأيام، إذ كان المجلس العسكري قد وعده بالحصانة ضد الإجراءات القانونية، وبالفعل شرع في ذلك عن طريق إخفائه عن الأنظار لشهور طويلة قضاها متنقلاً بين مستشفى المعادي العسكري والمركز الطبي العالمي في طريق الإسماعيلية، إلى جانب تسريب أخبار المرض والوفاة التي تحولت إلى مثار سخرية المصريين. كل ذلك في محاولة للالتفاف على قرارات قضائية صدرت في خضم الحراك الثوري بالتحقيق معه وضبطه وإحضاره على ذمة العديد من القضايا، على رأسها وقائع قتل المتظاهرين في ميادين الثورة، والفساد المالي بالقصور الرئاسية، والفساد المالي بتصدير الغاز لإسرائيل، والكسب غير المشروع، وتهريب الأموال خارج البلاد.

وبمرور الوقت، وفقدان المجلس العسكري جزءاً من شعبيته نتيجة المماطلة المستمرة في تحقيق أهداف الثورة، اضطر طنطاوي ومعاونوه لتقديم مبارك للقضاء فعلياً كقربان للميدان، بعد أسابيع من مليونية 8 يوليو/ تموز 2011 الشهيرة التي تعتبر من أواخر الأيام التي شهدت وحدة الشعارات في ميدان التحرير بين مختلف القوى السياسية، للمطالبة بمحاسبة الفاسدين والقصاص من قتلة الثوار. فوجد مبارك نفسه مضطراً لتصنّع النوم والمرض في قفص الاتهام في أغسطس/ آب من العام نفسه، ليصدر ضده أول حكم إدانة بالسجن المؤبد بتهمة قتل المتظاهرين في يونيو/ حزيران 2012، قبل أن تلغيه محكمة النقض في يناير/ كانون الثاني 2013، لتعاد محاكمته، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 تصدر المحكمة براءة نهائية لجميع المتهمين، عدا مبارك، الذي حكم له بانقضاء الدعوى الجنائية ضده لصدور أمر ضمني من النيابة العامة بألا وجه لإقامتها ضده. وعبّرت المحكمة في ذلك الحكم عن ازدرائها لثورة يناير واعتبارها مؤامرة دولية وإقليمية ضد مصر، بل جاء اتجاهها متماشياً تماماً مع اتجاه السلطة الجديدة بعد انقلاب يوليو/ تموز 2013 لإعادة كتابة تاريخ مصر لتلك الفترة، وتصوير ما حدث من إجراءات ضد مبارك بأنه "مؤامرة إخوانية".

والحقيقة التي تعكسها مسارات القضايا التي حاصرت مبارك ونجليه أن المؤامرة لم تكن إخوانية، بل من الأجهزة الشرطية والعسكرية التي صكت وصاغت تلك القضايا، فقدّمت معظمها للمحاكم مهترئة مفتقرة للدلائل، على مرأى ومسمع من السلطة التنفيذية التي صمّت آذانها عن مطالبات استحداث محاكم سياسية لمحاسبة مبارك على جرائمه المعنوية وإفساده للدولة والمجتمع.

ولعل الدليل على هذا التأثير الكبير من السلطة التنفيذية على اتجاهات التقاضي في قضايا مبارك هو تغير الأحكام بتغير اتجاهات السلطة الحاكمة. ففي عهد مرسي تمت صياغة القضية الوحيدة المكتملة والمتماسكة ضد مبارك وهي "القصور الرئاسية" والتي انتهت بصدور الحكم بإدانته مع نجليه، بحكم نهائي وبات أيّدته محكمة النقض، بالسجن المشدد 3 سنوات وتغريمهم متضامنين مبلغ 125 مليوناً و779 ألف جنيه (نحو 8 ملايين دولار)، وإلزامهم متضامنين برد 21 مليوناً و197 ألف جنيه.

والأمر نفسه تكرر في قضية الكسب غير المشروع التي تم فتحها في عهد المجلس العسكري وواكبتها تحركات واسعة على محاور دبلوماسية لاستعادة أموال مبارك وأسرته من الخارج. وعندما وصل مرسي إلى الحكم تم تشكيل لجنة لهذا الغرض، لكن بعد الانقلاب ثم انتهاء عهد المطالبة بمطالب وأهداف الثورة بوصول السيسي للسلطة، تم تجميد هذه الجهود، والاكتفاء باستخدامها للضغط على علاء وجمال مبارك ومنعهما من العمل السياسي والظهور الإعلامي، كأداة تخويف ومنع من إعادة إنتاج نظام مبارك بشخوصه القديمة. بل إن السيسي أصدر في أغسطس/ آب 2015 قانوناً يمكّن رموز ذلك النظام من التصالح المالي في جرائم الكسب غير المشروع، لكن مبارك لم يستفد من ذلك، نظراً لعدم تقديم تقارير الخبراء بشأن ثروته ونجليه حتى الآن، مما يؤكد غياب الإرادة السياسية سواء للتصالح معهم أو حتى معاقبتهم، لينتج هذا الوضع الممسوخ، الذي كانت قضية "التلاعب بالبورصة" دليلاً حياً عليه، بإبقاء أسرة مبارك تحت الحصار بلا عقاب أو تمكين بالعودة لآجال طويلة.

وعلى الرغم من أن علاء وجمال مبارك ما زالا ممنوعين من المشاركة السياسية، شأن والدهما حتى وفاته، بسبب إدانتهم في قضية القصور الرئاسية، إلا أن هذا لم يمنع استمرار تخوّف نظام السيسي من عودتهم، بالتوازي مع ما يشهده من تصدعات داخلية وضغوط خارجية وغضب شعبي مكتوم انفجر على المستوى الوطني في تظاهرات 20 سبتمبر/ أيلول الماضي.

هذا التخوّف مرجعه القدرة الفائقة لأذرع أسرة مبارك بين دوائر المستثمرين والقرى وأوساط العُمد ومشايخ العائلات والقبائل على اجتذاب الشعبية والتعبئة. وحدث هذا في انتخابات 2012 عندما حاول هؤلاء إعادة إنتاج نظام مبارك بسرعة، بانتخاب رئيس حكومته أحمد شفيق ضد محمد مرسي، وحاولوا تكراره في انتخابات مجلس النواب 2015 التي كشفت غياب الظهير السياسي للسيسي، الذي ما زال يعتمد أولاً وأخيراً على أجهزة المخابرات والرقابة الإدارية والأمن الوطني بعد تطهيرها على مراحل من فلول مبارك وعمر سليمان.
وعلى الرغم من نعيه رسمياً أمس، وإعلان الحداد العام 3 أيام، فإن السيسي يدرك جيداً أن شرعيته الشعبية مستمدة بالأساس من شيطنة الإخوان الذين وصلوا للحكم بصورة ديمقراطية، وإهالة التراب على نظام مبارك الذي قامت ضده ثورة 2011، على الرغم من كراهية السيسي لها وتخوّفه من تكرارها، ولا أدل على ذلك من انتقاد السيسي المتكرر لأسلوب مبارك في إدارة شؤون البلاد، ووصفه له بالجمود والترهل والتبعية وعدم المبادرة، وصولاً إلى رفع صور مبارك واسمه عن العديد من المباني والمعالم، ووضع صورة السيسي إلى جانب صورتي الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات فقط، فضلاً عن محاولة إعلامه حصر سيرة مبارك فقط في دوره العسكري بحرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 التي لا يمكن التجاوز عنها.

وكان مبارك حتى وفاته واعياً لهذه الحساسية من السيسي تجاهه، وانعكس هذا في طبيعة المواضيع التي تحدث بشأنها في الحوارات القليلة التي أدلى بها لوسائل إعلام عربية، وحتى ظهوره الأخير بمقطع فيديو مطوّل بمناسبة ذكرى نصر أكتوبر، فنجده تحدث تارة عن مصرية جزيرتي تيران وصنافير، وتارة أخرى عن رفضه مقترحات تسكين الفلسطينيين في سيناء، ومحورية القضية الفلسطينية، وغيرها من المواضيع التي تصلح كإسقاطات مباشرة على سياسات السيسي.

المساهمون