وفاة روبرت موغابي: محرِّر زيمبابوي وكابوسها

وفاة روبرت موغابي: محرِّر زيمبابوي وكابوسها

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".
06 سبتمبر 2019
+ الخط -
أن تكون رئيساً في أفريقيا ما بعد مرحلة الاستعمار، يعني أمراً من اثنين: إما يتذكرك الجميع إلى الأبد بإيجابياتك وسلبياتك، وإما لا يتذكرك أحد لأنك لم تستمرّ طويلاً في السلطة بسبب انقلاب ما. في هذه الجدلية، سيكون روبرت موغابي باقياً في ذاكرة القارة الأقدم في الكوكب. الرئيس السابق لزيمبابوي، الذي توفي اليوم الجمعة، في أحد مستشفيات سنغافورة، جمع في سلوكه طيلة حياته التناقضات، فكان بطل استقلال بلاده من بريطانيا ومدمّرها في آنٍ بحكمه الديكتاتوري الذي استمرّ على رأس بلاده بين عامي 1980 و2017، متسبباً باضطرابات اقتصادية وانتهاكات لحقوق الإنسان، قبل انقلاب الرفاق القدامى عليه، عبر الجيش، الذي كان حامياً له طيلة السنوات الـ37. لم يحدّد أحد ممَّ كان يُعالج الرجل في مشفاه الآسيوي، فبعض المسؤولين ذكروا أنه كان يعاني من إعتام في عدسة العين، بينما أفادت وسائل إعلام خاصة بأنه كان مصاباً بسرطان البروستات. أما الرئيس الحالي لزيمبابوي، إيمرسون منانغاغوا، فقال في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إن موغابي لم يعد قادراً على السير عندما نُقل إلى مستشفى في سنغافورة، لكنه لم يحدد طبيعة العلاج الذي يتلقاه. وغرّد منانغاغوا على "تويتر" واصفاً موغابي بأنه "رمز للتحرير".

رحلة موغابي كان مليئة بالحراك من دون توقف. فانطلاقاً من الجيوبوليتيك الخاص بزيمبابوي، يمكن فهم المسار الذي سلكه موغابي المولود في 21 فبراير/ شباط 1924، في إرسالية كوتاما، في مقاطعة زفيمبا، أيام "روديسيا الجنوبية" (زيمبابوي الحالية). تأثر الرجل بكاهن أيرلندي، هو جيروم أوهي، الذي عرّفه على حرب الاستقلال الأيرلندية عن بريطانيا (1919 ـ 1921). نال دبلوماً في التاريخ والأدب الإنكليزي عام 1952، وعمل مدرّساً متنقلاً في مختلف أنحاء زيمبابوي. كان موغابي متأثراً بالأفكار الماركسية، من دون الانضمام إلى أي حزب، بل انضمّ إلى مجموعات مكافحة للعنصرية العرقية. عمل موغابي في "روديسيا الشمالية" (زامبيا الحالية)، وفي غانا. تبدلت حياته مع عودته إلى زيمبابوي، مشاركاً في أول تظاهرة مؤيدة لإطلاق سراح ليوبولد تاكاويرا، أحد أبرز قادة "الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي" اليسارية، وخلال التظاهرة برز اسم موغابي، مع مخاطبته الحشود. بعدها، واصل مسيرته السياسية، مستقيلاً من مهنة التعليم.
شارك موغابي في حرب العصابات ضد بريطانيا، وسُجن لعشر سنوات بين عامي 1964 و1974، ومع نيل البلاد استقلالها في 18 إبريل/ نيسان 1980، بات رئيساً للوزراء. ومع أن الوضع الاقتصادي كان ممتازاً، إلا أن موغابي اتُهم في عام 1984 بـ"إبادة أكثر من 20 ألف إنسان"، وسط صمت كلي من بريطانيا، خشية على الأقلية البيضاء في زيمبابوي، والولايات المتحدة، التي لم تكتفِ بالصمت، بل إن رئيسها في حينه، رونالد ريغان، استقبل موغابي في البيت الأبيض. وبعد سنوات من رئاسته للحكومة، تسلّم موغابي رئاسة البلاد، في عام 1987، جامعاً كل السلطات الممكنة من رئاسية وعسكرية وبرلمانية تحت سيطرته، حتى أنه قام بتزوير العديد من الانتخابات لضمان بقائه في السلطة، قامعاً كل معارضة في وجهه، ومستنداً إلى الجيش الموالي له. في عام 2000، هاجم رجال مسلحون بسواطير مزارع المزارعين البيض في جميع أنحاء زيمبابوي، وطردوهم بدعم من الحكومة التي أمّنت الغذاء والأموال للرجال. سيطر هؤلاء على مزارع البيض، لكنهم لم ينجحوا في تطويرها والمحافظة على نموها لجهلهم في المجال الزراعي. إثر ذلك، تحوّلت البلاد من "خزان الحبوب الأفريقي" إلى بلد غارق في المجاعة. ونجم عن انهيار القطاع الزراعي انزلاق البلاد إلى أزمة اقتصادية، حاول النظام معالجتها بصكّ المزيد من العملة، ليتراجع الدولار الزيمبابوي، ويرتفع التضخم إلى معدلات هائلة بلغت 500 مليار في المائة. 

لم يتمكن عملياً أحد من إسقاط موغابي طيلة السنوات التي تحوّلت فيها زيمبابوي إلى أفقر الدول في العالم، لكن الأمور تغيرت في عامي 2016 و2017، مع بروز دور زوجته، غريس ماروفو موغابي، التي سعت إلى الإمساك بالسلطة، مستغلة الظروف الصحية لزوجها. حتى أن الهمسات كانت تتعالى في هراري، مرددة ما قالته غريس "عليكم انتخاب موغابي، حتى بعد وفاته"، للدلالة على نيتها وراثته. غريس كانت سبباً رئيسياً في القضاء على موغابي، خصوصاً أن تاريخها حافل بالإشكالات والقضايا العالقة، لتورطها في سلسلة من الفضائح المالية، في العقارات والمجوهرات، كما اعتدت بقابس كهربائي على العارضة الجنوب أفريقية غابرييلا إنغلز، في جوهانسبورغ في جنوب أفريقيا، لأن العارضة "أقامت علاقة مع ابنيها". وتملك مزارع للألبان في زيمبابوي، كما أن أحد عشاقها لقي حتفه في ظروفٍ غامضة.

في خضمّ احتمال وراثة غريس لروبرت موغابي، تحرّك الجيش، مختاراً إيميرسون منانغاغوا، مرشحاً له. ومنانغاغوا كان على خلاف مع غريس، واتهمها بمحاولة قتله عبر "تسميم المثلجات" الآتية من مزارعها، في أغسطس/ آب 2017، ما أدى إلى سقوطه أثناء تجمّع شعبي، ونقله على جناح السرعة إلى جنوب أفريقيا، حيث عُولج على عجل ونجا. وعلى الرغم من نفي غريس وفريقها الأمر، إلا أن الصدام بات حتمياً. فالحرس القديم في حزب موغابي "زانو ـ بي أف" لم يرتح لغريس، وخصوصاً أن موغابي أطاح بمنانغاغوا من نيابته، في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، ما حدا بالحزب لعقد مؤتمر عاجل في 15 نوفمبر، والاتفاق على إزاحة موغابي، وتمهيد الطريق لمنانغاغوا لخلافته. وهو ما حصل. فتقدمت الدبابات باتجاه المقرّ الرئاسي في هراري، وأبعدت موغابي عنه، مع تأكيد بيانات الجيش أن الهدف ليس موغابي، بل المجرمين المحيطين به. وكان بيان الحزب لافتاً في حينه "تمّ احتجاز العائلة الحاكمة وهي في أمان، وهو أمر ضروري للدستور ووحدة الأمة. لا زيمبابوي ولا زانو ـ بي أف ملكية خاصة لموغابي وزوجته. من اليوم سيبدأ عهد جديد بقيادة الرفيق منانغاغوا، الذي سيساعدنا في الوصول إلى زيمبابوي أفضل".

دلالات

ذات صلة

الصورة
(أفريقيا

أخبار

توفي روبرت موغابي، أول زعيم في زيمبابوي بعد الاستقلال، عن عمر ناهز 95 عاماً.
الصورة
زيمبابوي/سياسة/1/8/2018

سياسة

تبدو زيمبابوي على مشارف أزمة سياسية جديدة، بعد اتهام المعارضة الحزبَ الحاكم بسرقة الانتخابات النيابية، والتمهيد لسرقة مماثلة في الانتخابات الرئاسية، ليكون التزوير عنوان مرحلة ما بعد روبرت موغابي.
الصورة
زيمبابوي/سياسة/31/7/2018

سياسة

بدأت المرحلة الجديدة في زيمبابوي بعد عهد الرئيس المخلوع روبرت موغابي، عقب الانتخابات التي شهدتها البلاد يوم الاثنين، فيما بدا التنافس على إعلان الفوز واضحاً بين معسكري الرئيس إيمرسون منانغاغوا ومنافسه المعارض نيلسون شاميسا، المدعوم من موغابي.
الصورة
زيمبابوي/انتخابات/Getty

أخبار

فتحت مراكز الاقتراع في زيمبابوي أبوابها، في أول انتخابات تجريها البلاد منذ الإطاحة بالرئيس السابق روبرت موغابي، وهي أول انتخابات أيضاً منذ نحو 40 عاماً في غياب موغابي نفسه.