وصول المساعدات وتصعيد حلب يحسمان إحياء الهدنة السورية

وصول المساعدات وتصعيد حلب يحسمان إحياء الهدنة السورية

23 سبتمبر 2016
عشرات الضحايا بقصف للنظام وموسكو على حلب(إبراهيم أبو ليث/الأناضول)
+ الخط -
بدت الجهود الأميركية الروسية، أمس الخميس، متجهة لمحاولة إعادة الروح للهدنة في سورية كتمهيد لإحياء الاتفاق بين البلدين، مع التركيز على ضرورة إدخال قوافل المساعدات الإنسانية وضمان عدم التعرض لها كشرط لإحياء الهدنة. وأظهر الروس والنظام السوري مؤشرات على ليونة تجاه القبول بدخول المساعدات، مقابل استمرار تصعيدهما على الأرض وتحديداً في حلب، حيث سُجل سقوط عشرات الضحايا.
مقابل ذلك، برزت مطالبة ألمانية بحظر للطيران كبند أساسي للعودة إلى الهدنة، وذلك بعدما كانت فرنسا قد طرحت آلية لمراقبة وقف إطلاق النار، فيما بدا كمحاولة لممارسة ضغوط على موسكو، إضافة إلى مسعى أوروبي للالتفاف على الاتفاق الروسي-الأميركي والعودة بدور ما إلى الساحة السورية.
في هذه الأجواء، تحاول المجموعة الدولية لدعم سورية والتي تضم 23 دولة ومنظمة دولية، إنقاذ العملية السياسية في سورية، المتوقفة منذ أبريل/نيسان الماضي، وسط استمرار تراشق الاتهامات بين الولايات المتحدة وروسيا، إذ يحمّل كل طرف الآخر مسؤولية تردي الأوضاع في سورية وانهيار اتفاق الهدنة. وأعرب المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، عن أمله في بدء "محادثات مباشرة" بين الأطراف السورية في الأسابيع المقبلة، وفق ما أعلن مساعده، رمزي عزالدين رمزي، أمس الخميس، في جنيف. وقال رمزي للصحافيين، إن "المبعوث الخاص أعلن بوضوح شديد أنه سيعمل فوراً على بدء محادثات تحضيرية بين الأطراف السورية تمهيداً لمفاوضات مباشرة"، مضيفاً أن الأمم المتحدة تأمل أن تجري هذه المحادثات "في الأسابيع المقبلة".
ولا تزال روسيا عند موقفها القائم على دعم نظام بشار الأسد سياسياً وعسكرياً، مستفيدة من تراخٍ أميركي واضح، و"تعاطٍ كارثي" حسب المتحدث باسم رئيس مجلس النواب الأميركي من قبل إدارة الرئيس، باراك أوباما، يحول دون تدخل جاد وحقيقي من أجل التوصل إلى حل سياسي يقوم على قرارات أممية تدعو إلى تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات من دون الأسد.
فيما تحاول موسكو تبرئة نفسها ونظام الأسد من استهداف قوافل المساعدات الإنسانية، متخطية كل الوقائع التي تؤكد قيام طيران النظام ومقاتلات روسية بهذا الفعل الذي أدى إلى مقتل عاملين في الشأن الإنساني، ولقي استهجاناً دوليا كبيراً، وهو ما دفع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، للحديث عن أن نظيره الروسي "يعيش في عالم آخر". ولا يزال كيري يأمل بالعودة إلى الهدنة، إذ دعا إلى أن تُوقف روسيا ونظام الأسد تحليق الطائرات فوق مناطق القتال في سورية، واصفاً ذلك بالفرصة الأخيرة لإنقاذ وقف إطلاق النار المنهار.
من جهته، دعا وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، إلى حظر مؤقت لتحليق كل الطائرات الحربية لمدة تصل إلى سبعة أيام بعد حادثة قصف قافلة مساعدات إنسانية قرب حلب. وقال شتاينماير في بيان نشرته وزارة الخارجية في برلين، أمس، على حسابها بموقع تويتر، إن "الوضع في سورية الآن دقيق للغاية". وأضاف أن "السبيل الوحيد كي تكون أمام وقف إطلاق النار أي فرصة (للنجاح) هو حظر مؤقت، لكنه حظر كامل لحركة جميع الطائرات الحربية لثلاثة أيام على الأقل ويفضل لو كان لسبعة أيام".
وجاء ذلك بعدما كان وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرولت، اقترح في وثيقة وزعها، الأربعاء، على أعضاء مجلس الأمن الدولي، آلية جديدة لمراقبة وقف إطلاق النار في سورية. وقال أيرولت للصحافيين إن "الهدنة ماتت، لذلك ينبغي فعل كل شيء لإعادتها إلى الحياة مجدداً".
مقابل ذلك، حاولت وزارة الخارجية الروسية تدارك الموقف المتأزم، إذ أعلنت أن موسكو لن تنسحب من "اتفاق لافروف كيري". وأكد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، في مؤتمر صحافي أمس، أن بلاده لا تعتزم التنصل من المسؤوليات التي تتحملها بموجب الاتفاق المبرم بين موسكو وواشنطن بشأن سورية، معتبراً أن الخطة المشتركة بشأن التسوية السورية، التي أعلن عنها لافروف وكيري، تبقى السبيل الوحيد لحل الصراع السوري.
وأضاف ريابكوف أن "الحوادث التي شهدتها سورية، في الأيام الأخيرة، تشكل ضربة مباشرة على الاتفاق، وأدت إلى تضييق فرص تطبيقه، ولكن هذا الاتفاق لا بديل عنه ويجب تفعيل العمل به". وحث الطرف الأميركي على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعطاء زخم جديد لاتفاق الهدنة. إلا أن ريابكوف شدد على أن "مكافحة الإرهاب لا تزال تشكل أولوية بالنسبة لروسيا"، مضيفاً أن "موسكو لا تستبعد تنفيذ غارات على مواقع للجماعات التي تندمج مع تنظيم داعش، بما فيها جيش الإسلام وأحرار الشام".


وفي السياق ذاته، كان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، يحاول التنصل من المسؤولية عن منع وصول المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة، رافضاً الكلام عن أن قواته كانت تحول دون وصول المواد الغذائية إلى الأحياء الشرقية من حلب. وقال في حديث لوكالة "أسوشييتد برس": "لو كان هناك حقاً حصار حول حلب، لكان الناس موتى الآن".
وتعليقاً على هذه التطورات، رأت مصادر إعلامية مطلعة في موسكو، لـ"العربي الجديد"، أن تبادل التهم بين روسيا والولايات المتحدة "لا يخرج عن سياق معادلة رئيسية تحكم العلاقة بين الطرفين في سورية، وتقوم على محاولات أميركية حثيثة لتوريط الروس في المستنقع السوري، وسعي روسي إلى تحقيق شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة لتأكيد أن روسيا قوة عظمى في العالم".
فيما قال دبلوماسي سوري معارض، إن موسكو وواشنطن تحاولان إبقاء الباب موارباً بينهما من أجل التوصل إلى تفاهم جديد، مضيفاً: "الطرفان يعلمان أن كلفة عدم الاتفاق ستكون باهظة، وتدفع بالصراع إلى مستويات خطيرة لن يتوقف تأثيرها عند الحدود الجغرافية السورية". وأعرب المسؤول في حديث لـ "العربي الجديد" عن قناعته أن لحظة "التسويات المؤلمة" بدأت تقترب، وهذا ما يفسر التشنج الروسي الأميركي، وترجمته إلى تبادل اتهامات، مضيفاً أن "الصراع في سورية طال أكثر من اللازم وهذا ما لا تتحمله موسكو وواشنطن، وأصبحت كلفة استمراره ترهق كاهل الدولتين". وأشار الدبلوماسي إلى أن سياسة "الصوت العالي" في المحافل الدولية بين موسكو، وواشنطن تهدف إلى الحصول على مكاسب سياسية أكثر.
وتطالب موسكو بالعودة إلى طاولة التفاوض من دون شروط مسبقة، ومحاربة ما يُوصف بـ "التنظيمات الإرهابية"، في وقت لا تزال تقدم فيه الغطاء العسكري والسياسي للمجازر التي يرتكبها نظام الأسد، بل وتشارك في عمليات عسكرية تستهدف المدنيين، في محاولة للضغط على المعارضة من أجل القبول بالشروط الروسية والإيرانية، خصوصاً لجهة تخلي المعارضة عن شرط استبعاد الأسد من أي تسوية. ولا يبدو أن المعارضة بصدد التخلي عن هذا الشرط "مهما غلت التضحيات"، وفق مصادر في الائتلاف الوطني السوري، أكدت لـ"العربي الجديد" أن مساعي الروس والإيرانيين في تثبيت الأسد في السلطة "لن تجدي نفعاً"، وأن أي تسوية لا تقوم على تنحي الأسد عن السلطة "لن ترى النور حتى لو امتد الصراع سنوات أخرى".
كما لا ترى المعارضة أن الخلاف الروسي الأميركي "سواء كان حقيقياً أو وهماً"، سوف يلعب دوراً في الدفع في اتجاه تحريك الملف السياسي لصالح تسوية تأخذ بالحسبان ما تطالب به من حل يتناسب وحجم التضحيات التي قدمها السوريون طيلة سنوات.
وفي هذا الصدد، أعرب رئيس وفد المعارضة المفاوض أسعد الزعبي عن قناعته أن أي خلاف بين موسكو وواشنطن "هو ضد الشعب السوري"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أن اتفاقهما "يضر بمصالحهما". ورداً على سؤال يتعلق باجتماعات مجموعة الدعم الدولية لسورية في نيويورك ومدى تعويل المعارضة عليها، أكد الزعبي أنه غير متفائل بقدرة هذه المجموعة على الدفع باتجاه حل سياسي وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، مشيراً إلى أن المتفائل بهذه الاجتماعات كمن "يركض وراء السراب". وكان دي ميستورا قد قدّم لمجلس الأمن، الأربعاء، مقترحات للعودة إلى التفاوض بين المعارضة والنظام، مشيراً إلى أن "المرحلة الانتقالية تعني تفويض السلطات، وليس تسليمها". ولكن الزعبي شدد في حديثه مع "العربي الجديد" على أن المعارضة "لن تقبل مبدأ نقل الصلاحيات، لأنه يعني إعطاء بشار الأسد شهادة براءة عن الجرائم التي ارتكبها طيلة سنوات، وهذا ما لا نقبل به".
وفي ظل انسداد الافق أمام التقدم في العملية السياسية بسبب تعنّت نظام الأسد وحليفيه الروسي والإيراني، يواصل طيران نظام الأسد ومقاتلات روسية، حملات إبادة في الأحياء الشرقية من مدينة حلب والتي تقع ضمن نطاق سيطرة قوات المعارضة. وقال ناشطون إن طيران النظام "يحرق حلب بالأسلحة المحرمة دولياً"، مشيرين إلى أن القصف الجوي العنيف لم يهدأ، طيلة ليل الأربعاء-الخميس، على أحياء في مدينة حلب وبلدات في ريفها من الطيران الروسي ومقاتلات النظام بالقنابل العنقودية والفوسفورية والصواريخ الفراغية والبراميل المتفجرة، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين، ودمار كبير بالممتلكات. وأكد ناشطون داخل حلب أن ما تتعرض له المدينة يُعدّ من أعنف حملات القصف منذ بدء الثورة. وبموازاة ذلك، تحاول قوات النظام مدعومة بالمليشيات التقدم على عدة جبهات داخل حلب، خصوصاً على جبهة الراموسة جنوب المدينة، وجبهة مخيم حندرات في الشمال، ولكن مصادر في المعارضة تؤكد انها تصدّ هذه المحاولات.
وفي سياق التطورات الميدانية، قُتل وزير الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقتة يعقوب العمار، أمس الخميس، نتيجة إصابته جراء تفجير انتحاري استهدف اجتماعاً كان يشارك به في بلدة انخل في ريف درعا. وقال الناشط الإعلامي في درعا محمد العساكرة، لـ"العربي الجديد"، إن "انتحارياً فجر نفسه في مخفر بلدة انخل مستهدفاً اجتماعاً يضم عدداً من المسؤولين والقيادات والشرعيين، ما تسبب في مقتل رئيس محكمة دار العدل عصمت العبسي فوراً، في حين توفي العمار متأثراً بإصابة بالغة".