وسائل التواصل والقضايا الإجتماعيّة: التغييرُ آتٍ؟

وسائل التواصل والقضايا الإجتماعيّة: التغييرُ آتٍ؟

18 نوفمبر 2014
سلّطت وسائل التواصل الضوء على أمراض مجهولة (Getty)
+ الخط -
من الصعب إغفال قوّة وسائل التواصل الاجتماعي، والتي ظهرت بدايةً كطريقةٍ متواضعة للتواصل مع الأصدقاء ونشر الصور والدعابات، لكنّها باتت الآن قوّة داعمة للتغيير المجتمعي، بل وإلقاء الضوء على مواضيع كانت مجهولة في السابق أو كان هناك تعتيمٌ عليها... واليوم، تُساعد مواقع التواصل في تعميق النقاشات وتمكين المواطنين حول العالم من الاتّحاد في اتّجاه التغيير عبر عدة طرق. 

ومن المثير للاهتمام أنّ وسائل التواصل الاجتماعي، كوسيط للتواصل والتنظيم والربط، يدعم وينشر الديمقراطيّة بشكل أفضل بكثير من مساعدات قيمتها مليارات الدولارات أو حرب على مختلف الجبهات حول العالم.

الوضوح... السمة العامة
إنّ قدرة الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص، على كشف القضايا مُميّزة جداً.
فبالنظر لمشكلة العنف الأسري والتي ما زالت تحدث بشكل متكرر يومياً في العالم العربي، رغم صدور العديد من المراسيم التي تُدين "العنف ضد المرأة"، إلا أنّنا نشهد يومياً أحداثاً حول العالم تدمي القلب، وتظهر التفنّن في ممارسة العنف ضد المرأة وتؤكّد بأنّ الطريق ما زال طويلاً في هذا المجال.
لكن، وبالمقابل، فعندما ندخل مواقع التواصل الاجتماعي، ونتابع الوسوم عن الموضوع، نجد أمثلةً كثيرةً تؤكّد أن المواطنين حول العالم يرفضون الجلوس مكتوفي الأيدي وترك أي شخصٍ يقع في فخّ لوم الضحيّة.

أحد هذه الأمثلة هو وسم (هاشتاغ) #WhyIStayed (أي "لماذا بقيت معه؟" بالعربيّة)، الذي انطلق أوائل شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ولا يزال يتمّ استخدامه حتى اليوم. وأُنشئ الوسم لتوضيح مدى تعرض النساء للعنف عن طريق تعبيرهنّ عن سبب بقائهنّ مع الشخص الذي أساء معاملتهنّ وعنّفنّ. وجمع هذا الوسم النساء ليتوجّهنَ عن طريقه إلى مخاطبة المسؤولين في مواضع القرار والقادرين على سنّ قوانين تدعم قضيتهنّ.
ويبدو أن مضمون هاشتاغي #WhyIStayed و#YesAllWomen وكأنّه يقول: "تظنّ أنّها مشكلة غير منتشرة؟ فكّر مرة أخرى".

الأدلة تتزايد
من السهل تجاهل هذه الحملات واعتبارها جهوداً مخفقة أو حتى ضجّة لن تؤدي إلى نتيجة في
النهاية، لكنّ ذلك غير صحيح. فهذه الحوادث ليست منعزلة وهي ليست مجرد ضجّة... والتاريخ الحديث قدّم لنا عدداً من أمثلة حملات الأوسمة التي أدّت إلى تغيير، وكان من بعضها:
#IceBucketChallenge، أو تحدي دلو الثلج، والذي جمع رقماً قياسيّاً من التبرّعات (115 مليون دولار منذ 29 تموز/يوليو) لأبحاث مرض التصلب الجانبي. ويعود الفضل في ذلك إلى حملة "غراس رووتس" للتوعية، التي بدأت التحدي لتنتشر على مواقع التواصل من بعدها. وأكّد هذا التحدي أنّ سطلاً من الماء المثلج قادرٌ على تدفئة قلوب الناس وفتح خزناتهم.

#ArabSpring، وقد لفت هذا الوسم الانتباه لمظاهرات واضطرابات الدول العربية في الربيع العربي من تونس وحتى سورية، ووحّد أولئك المستعدّون للتغيير بأمل الحصول على نظام جديد ديمقراطي.

أمّا وسم #DelhiGangRape، فقد ساعد في تسليط الضوء على ثقافة العنف والاغتصاب في الهند، ممّا أدى إلى تغييرات في القانون والتثقيف الجنسي في البلاد. إضافةً إلى ذلك، أدّى هذا التطوّر إلى تسليط ضوءٍ أكبر على العنف الجنسي في بلدان أخرى كمصر، والتي تكثّف فيها الاغتصاب خلال التظاهرات.

#وينن، هو الهاشتاغ الذي جمع السوريين المعارضين منهم، والمؤيدين للنظام على المطالبة بالمعتقلين لدى النظام والمخطوفين لدى تنظيم "الدولة الإسلاميّة" والجماعات المسلحة الأخرى. وأكّد هذا الاتفاق بين الجهتين أنّ معاناتهم واحدة.

وحدة الهاشتاغ
وتُعدّ إحدى أهم ميّزات وسائل التواصل الاجتماعي أنّها تُقدّم بيئةً ووسطاً للناس ليُعبّروا فيها عن أنفسهم بشكلٍ مستقل، وكذلك إيجاد التجمع المناسب لهم. ويُعبّر المصطلح المستحدث "وحدة الهاشتاغ"، عن تجمع لا يقلُّ قوةً وحقيقةً عن التجمّعات البشريّة في مكانٍ واحدٍ على أرض الواقع، والذي بإمكانه التعليم والشفاء والتغيير عن طريق قوة العدد. بالإضافة لذلك فهو مجاني، بالنظر للموارد التي يتمّ إنفاقها على الجيوش في سبيل تحقيق السلام للدول المشتعلة. لذا يُمكن اعتبار أننا وجدنا طريقة أفضل للإصلاح بفضل وسائل التواصل الاجتماعي.

هذه الحملات ليست مجرد ضوضاء، فلها أثرٌ واضح على أرض الواقع. جميع القضايا المذكورة اكتسبت شعبيّتها على وسائل التواصل، وهذه الشعبية ألهمت الناس لفعل شيء، أو تحرّك ما. وتلك الأفعال بدورها نُشرت على ذات المواقع وازداد أثرها بفعل الشبكات الاجتماعية. هناك فعل واهتمام بالفعل وتبعته أفعال أخرى، لذا فهي حلقة فعّالة.

ما التالي؟
ماذا نفعل بعد ذلك؟ وما هو دورنا كأشخاص غير ربحيين في المجتمع؟ من المهم بالنسبة لنا كأفراد في المجتمع أن نبحث عن القضايا التي تهمّنا جميعاً وأن ندعمها. أن نُسلّط عليها الضوء ونثقف الناس عنها، وبذلك نكون جزءاً من "وحدة الهاشتاغ". علينا أن نتّخذ الإجراءات متى أمكن، لكن في بعض الأحيان يكون توجيه أفعال الآخرين فحسب كافياً: "انشر هذه القصة، وقّع هذه العريضة، لاحظ هذا الحدث وكُن أحد الأصوات المطالبة بالتغيير"... ليس بمقدورنا دائماً أن نفعل أكثر من ذلك، لكن عندما يجتمع عدد منا معاً يمكننا إقناع والضغط على أولئك الذين يمسكون زمام القرار لإيجاد الحلول.

مهما عددنا فوائد وميزات وسائل التواصل الاجتماعي بالطبع ما زال هناك تحذيرات، فكما بإمكان النار أن تبقيك دافئاً وتطهو لك طعامك بإمكانها أيضاً أن تحرق منزلك. كذلك وسائل
التواصل بإمكانها أن تكون مجتمعاً أو حشداً غوغائياً.
فمثلاً نحن لا نريد أبداً أن نشجع أو نروِّج لأي فعل انتقامي، فنحن نخسر قوتنا عندما نستسلم للانتقام، ناهيك عن فقدان مصداقيتنا. حملات وسائل التواصل الاجتماعية تقدم طريقة ديمقراطية في التصحيح الذاتي، فالتحكم بالقصة لم يعُد محكوماً من قبل مجموعة صغيرة من الناس أو أشخاصٍ يحاولون التكتم عليها. مهمتنا كمواطنين هي الحشد لصالح حلول يتمّ تطبيقها من قبل الجهات المختصة وليس أن نُطبّق هذه الحلول بأيدينا. ليس بإمكان وسائل التواصل الاجتماعي حلّ جميع مشاكل العالم، لكنّها مع ذلك أداة قوية جداً لتحقيق الديمقراطية والتعليم والعدالة حول العالم.

ماذا إذا اتقفنا جميعاً وحاولنا استغلال هذه القوة بعقلانية؟ أن نُفكّر بالطرق التي يمكننا بها أن نثقف بعضنا البعض، وبطرق تمكين الناس من امتلاك نشاطاتهم الخاصة ليصنعوا التغيير الذي يرغبون بتحقيقه.

استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي أن تُسلّط الضوء على أمراض، غالباً ما كان يتم تجاهلها، إلى الوعي الجماعي للناس، وتمكّنت من تغيير القوانين في الهند وإيصال أصوات المحتجين في الوطن العربي. ونعم... ما زال هناك مزيد يمكننا القيام به، لكن كُلّما زاد عدد أولئك الذين يحملون العبء خفّ ثقله.

دلالات

المساهمون