وسائل التواصل الاجتماعي والحركات الاحتجاجية

وسائل التواصل الاجتماعي والحركات الاحتجاجية

03 نوفمبر 2019
+ الخط -
في زمن العولمة وبسبب الاختراع الأكثر ثورية في هذا العصر وهو "الإنترنت"، حيث أصبح العالم قرية صغيرة، وسهُل التواصل بين شعوب العالم من جهة، وبين الأفراد في نفس البلد من جهة ثانية. هذا ما جعل المعلومة في متناول الجميع، عكس الماضي الذي كانت الأنظمة الحاكمة، تحتكر المعلومة وتسيطر على وسائل الإعلام، التي بفضلها تستطيع توجيه الرأي العام (بروبغاندا). ووفر ظهور شبكات التواصل الاجتماعي (فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب) فتحا ثوريا، نقل الإعلام إلى آفاق غير مسبوقة، وأعطى مستخدميه فرصا كبرى للتأثير والانتقال عبر الحدود بلا قيود ولا رقابة.

السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في تبلور الحركات الاحتجاجية؟

في بداية الألفية الثالثة بدأ عصر المعلومات الجديد الذي صنعته الثورة الرقمية الجديدة، وأصبحت وسائل الاتصال الجديدة يوما بعد يوم تسير في طريق تحييد وتقويض وسائل الاتصال التقليدية (محطات التلفزيون، والراديو، والجرائد الورقية). واليوم قامت "وسائل التواصل الاجتماعي" باستقطاب جيل كبير من الناس في العالم العربي والعالم الغربي، وقطعت مع الممارسة التقليدية والنمطية للسياسة، وأوجدت إطارا معرفيا جديدا لتفسير العالم.


والربيع العربي أو الربيع الديمقراطي في العالم العربي سنة 2011، قام بالأساس على "وسائل التواصل الاجتماعي"، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب".

وقد برزت أهمية الإنترنت في المجال السياسي كمجال عام افتراضي عن طريق السماح لأشخاص بإبداء آرائهم وأفكارهم مباشرة إلى جمهور عالمي بسهولة ويسر، ووفر لمستخدميه الحماية من القوانين الصعبة التي تواجه وسائل التواصل القديمة. وما يميز شبكات التواصل الاجتماعي هو السرية والمشاركة الديمقراطية والحرية الدينية والسياسية وحرية التعبير والوصول إلى عدد كبير من المستخدمين في حيز زماني قليل، حتى ولو أدى ذلك إلى انتشار المغالطات وأنواع التضليل من جراء عدم وضوح هوية المستخدمين.

كما قدمت مواقع التواصل الاجتماعي فرصا للشباب لإبداء آرائهم السياسية والمشاركة في توجيه الرأي العام على المستوى المحلي والوطني والعالمي. والمتتبع لموجات الربيع العربي التي شهدتها العديد من البلدان العربية (مصر، تونس، المغرب...)، يتبين له أن وسائل التواصل الاجتماعي وبالخصوص فيسبوك ويوتيوب، لعبت دورا أساسيا في حشد وتوجيه الجماهير الشعبية، من خلال فيديوهات تعبر عن المعانات التي يعيشه المواطن، أو من خلال وسائط (صور أو رسومات كاريكاتورية) توضح الفساد والاستبداد التي تمارسه الطغمة الحاكمة.

وفي هذا الصدد نذكر مثالا حيا على دور وسائل التواصل الاجتماعي في الحشد وتحريض الجماهير على الخروج في مظاهرات تنادي بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. في يناير 2011 بالمغرب أطلق أسامة الخلفي -هو شاب عاطل عن العمل من مدينة سلا- نداء على قناة يوتيوب للاحتجاج في جميع أنحاء التراب المغربي يوم 20 فبراير الموالي من أجل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، وقد نشر هذا النداء على نطاق واسع عبر صفحات الفيسبوك ووسائل الاعلام المستقلة الإلكترونية، وهذا النداء كان السبب المباشر في تأسيس ما سيعرف بحركة 20 فبراير، النسخة المغربية من الربيع العربي، التي استطاعت أن تطيح الحكومة وأن تجعل الملك يخرج بخطاب (خطاب 9 مارس )، يَعِدُ فيه بإصلاحات كبرى على جميع المستويات وتغيير الدستور والقيام بانتخابات نزيهة وشفافة.

وقد شكلت وسائل التواصل الاجتماعي نوعا جديدا من الحركات الاجتماعية تضم فئة واسعة من الشباب. هذه الفئة كانت إلى وقت قريب بعيدة عن السياسة وعن الشأن الوطني. فهذا الجيل الذي نشأ على التكنولوجيات الحديثة، استطاع أن يطيح أنظمة لم نكن في يوم من الأيام نحلم بسقوطها (نظام مبارك في مصر، ونظام معمر القذافي في ليبيا، ونظام بن علي في تونس...).

وأيضا لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا أساسيا في الضغط السياسي على الحكومات، مثلا في المغرب سنة 2017 أطلقت بعض الصفحات على فيسبوك حملة تحمل اسم "مقاطعون"، وجاءت هذه الحملة تعبيرا عن مقاومة الاحتكار والغلاء التي تفرضه بعض الشركات (شركة الحليب سنطرال، وشركة أفريقيا للبنزين، وشركة سيدي علي للماء المعدني)، وقد نجحت هذه الحملة في استقطاب عدد كبير من الشعب المغربي، واستطاعت أن تفرض على هذه الشركات الرضوخ لمطالب المقاطعين.

لذلك يمكن القول إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تلعب دور التعبئة والتنظيم، أمام عجز التنظيمات التقليدية (الأحزاب السياسية، والنقابات، وجمعيات المجتمع المدني) عن أداء أدوارها المتمثلة في التعبئة بسبب تضييق الأنظمة الحاكمة من جهة، وغياب الديمقراطية الداخلية في معظمها من جهة أخرى، وتحولها إلى كائنات ذات أهداف مصلحية آنية من جهة ثالثة، هذا ما جعل المواطنين ينفرون منها، ويتوجهون إلى الوسائط الحديثة (وسائل التواصل الاجتماعي). ويبدو أن هذه الظاهرة لم تقتصر على البلدان غير الأوروبية، بل إنها نشأت أيضا في بلدان أوروبية (حركة السترات الصفراء في فرنسا، حركة الخمسة نجوم في إيطاليا...).