ورشة المنامة وكأنها لم تُعقد

ورشة المنامة وكأنها لم تُعقد

29 يونيو 2019
+ الخط -
ما الذي انتهى إليه مؤتمر البحرين الاقتصادي الذي سمّاه منظموه "ورشة السلام من أجل الازدهار"؟ حتى ساعات صباح يوم الخميس27 يونيو/حزيران الجاري، كانت تقارير وكالات الأنباء تتحدث عن اختتام المؤتمر بكلمةٍ للعراب المستشار الرئاسي الأميركي، جاريد كوشنر، اتهم فيها القيادة الفلسطينية بالفشل، مضيفا أن "الأبواب أمام الجانب الفلسطيني ما زالت مفتوحة". ولم يحدّد كوشنر أوجه الفشل الفلسطيني، غير أنه كان واضحا أن الرجل يؤمن ويبشر بإمكانية تحسين حياة الناس تحت الاحتلال، وأن المسألة بالنسبة إليه تنعقد حول تحسين مستوى الحياة، لا إنهاء الاحتلال، وعلى النحو الذي يتم فيه تحديد مشكلة السجين البريء الذي طالت فترة احتجازه ظلماً بأنها تكمن في تحسين مستوى حياته داخل السجن، وليس تمتيعه بالحرية المستحقّة.
لم يخرج المؤتمر بنتائج أو توصيات معلنة، ولا حدّد انعقادا لاحقا له، ما يثير التساؤل بشأن أبواب كوشنر المفتوحة أمام الفلسطينيين. واكتفت تقارير وكالة أنباء البحرين بالتطرق إلى مناقشاتٍ اتسمت بها فترة يومي الانعقاد، 25 و26 يونيو/حزيران الجاري. أما تقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية فلخصت مجريات المؤتمر وأجواءه بأنها "أكبر حفلة تطبيع علنية عربية إسرائيلية". وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية لم تُدعَ بعد رفض السلطة الفلسطينية المشاركة على أي مستوى، إلا أن نحو عشرة إسرائيليين، بينهم المبعوث الأميركي، جيسون غرينبلات، أقاموا "صلاة سياسية" في كنيس قديم في المنامة، ردّدوا خلالها عبارات: "شعب إسرائيل حي.. تعيش دولة إسرائيل". وبالطبع، ترديد الشعارات السياسية المؤيدة لدولة الاحتلال في عاصمة عربية هو من قبيل التسامح والتعايش بين الأديان! ومثل ذلك ما فعله صحافي إسرائيلي بالتقاط صورة سيلفي له شاهرا جواز سفره الإسرائيلي أمام مقر "الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني". والجمعية مرخّصة، وتعتبر من مؤسسات الدولة، وتضم في عضويتها بحرانيين، وتحظى بتأييد من هم غير أعضاء فيها. ومع ذلك، أجيز لهذا الصحافي أن يستفزّ البحرانيين ويتحدّاهم على أرضهم، من غير أن يلقى مساءلة من السلطات على سلوكه السياسي الذي يتعدّى حدود مهمنته. ولوحظ أن ناشطين بحرانيين غسلوا، بعد نشر الصورة، مكان وقوف الصحافي الإسرائيلي وطهروه.
معلومٌ أن المؤتمر أميركي الإعداد والتنظيم والغايات. وكان يُفترض أن المنامة هي مجرّد مكان تم التوافق على اختياره، بعد استكشاف عدم إمكانية عقده في عاصمة خليجية أخرى، غير أن 
الحماسة البحرانية الرسمية للمؤتمر، أو الورشة، تسترعي الاهتمام، فقد جرت رعايته على أعلى مستوى (ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة) الذي ألقى كلمة، وأطلق تصريحاتٍ بالمناسبة، وكذلك فعل وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة. ما جعل المؤتمر محفَلاً بحرانياً أميركياً، بدل صيغته الأصلية: مؤتمر أميركي يعقد في المنامة. وبالنظر إلى مقاطعة الطرف المعني (الفلسطيني) هذا المحفل، وامتناع بعض الدول العربية، عن حضور اللقاء، علاوة على امتناع بقية دول العالم، كبيرها وصغيرها، عن المشاركة، فقد كان متوقعا أن تحتفظ المنامة ببعض المسافة عن هذا المحفل، حتى لا تتحمل نتائجه أو ردود الفعل عليه. ولا ريب أن مملكة البحرين، في جميع الأحوال، كانت سترفض، ولها ملء الحق، مدخلات مؤتمر عن الاسثتمار في البحرين ومخرجاته، لو عقد مثل هذا المؤتمر خارج البلاد، وبغير موافقة الحكومة البحرانية.
ويثير الانتباه بعدئذ أن هذا المحفل لم يحظ بتغطية مفصلة، باستثناء وسائل الإعلام البحرانية، وجرى إقصاؤه في وسائل إعلام عربية رئيسية، منها وسائل إعلام الدول التي شاركت (وبينها الأردن، للأسف، والأسف هو على المشاركة في المؤتمر، وليس على التغطية الإعلامية الشحيحة، وكانت نقابة الصحافيين الأردنيين أعلنت مقاطعتها الإعلامية هذا المحفل). إذ أريد لهذه المناسبة أن تحجب، بالدرجة الأولى، معضلة الاحتلال القائم منذ أكثر من نصف قرن، والتي تسمم مختلف أوجه حياة الرازحين تحت الاحتلال. ولذلك لم تؤخذ هذه المناسبة بجدّية، أو أخذت، من ناحية أخرى، بتحفظ شديد، حتى لو كان هناك تأييد ما لها، وذلك لتفادي تحمل نتائجها. وذلك خلافاً للهالة التي حاول المنظمون افتعالها بشأن هذه المناسبة، وذلك للتبشير بسلامٍ لا وجود له، ولا مؤشر على قرب حلوله، أو على نزاهة الطرف الدولي الراعي للمؤتمر، ولازدهارٍ مستحيل في ظل احتلال يمنع إرساء أية حياة طبيعية، مستقلة ومنتجة.
وقد انتهى المؤتمر بخفوتٍ كما بدأ. ولم "يلمع" فيه سوى رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، المحتجب عن الحياة السياسية، والذي يتولى مكتب استشارات اقتصادية وسياسية في بلاده، وقد عرف بدوره الضعيف لدى ترؤسه ما كانت تسمى اللجنة الرباعية الدولية (الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا)، بعد خروجه من زعامة حزب العمال ورئاسة الحكومة عام 2007، وعرف بأنه استند إلى تقارير غير موثوقة عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل. ومع ذلك، قال هذا الرجل، في حواره مع كوشنر، إنه يؤيد حل الدولتين، فما كان من كوشنر إلا أن انتقل في حواره إلى الحديث عن خطري إيران و"داعش".. ولكوشنر الحق في ما فعل، فالمؤتمر عقد لأغراضٍ في مقدمها حجب حل الدولتين، وليس تظهيره والإضاءة عليه.
ولو كان هناك رجل رشيد في إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لاستخلص أن المؤتمر 
الباهت الذي جرى تنظيمه في المنامة يدل على أن الحلول الملتوية، غير النزيهة، والممالئة للاحتلال، لا توفر سلاما يستحق اسمه، ولا تحفظ مكانة أميركا الدولية، ولا تُرسي استقرارا في الشرق الأوسط، ولا توفر ظروفا ملائمةً لمواجهة التحدّي الإيراني. وأسوأ من ذلك، أنها تطيل أمد الصراع، وتضفي عليه مزيدا من التعقيد. أما الجانب الفلسطيني الذي غاب عن العرس الصامت، فقد كان حريّاً به في المناسبة (وهو ما لم يفعله) أن يضع تصوراته لمواجهة الصعوبات الاقتصادية وللحلول الوطنية الواقعية، وينشرها، فليس سرا ما تواجهه السلطة من صعوباتٍ على هذا الصعيد، وليس صحيحا ما يدّعيه كوشنر وحماه ترامب من أن القيادة الفلسطينية لا تكترث بمعاناة شعبها، فالصحيح أن واشنطن تنكر ما يُقر به العالم أجمع، أن المعاناة الشاملة هي الثمرة المُرّة لوجود الاحتلال، وقيوده التي لا تُحصى، والتي تعطل دورة الحياة الطبيعية في شتى مناحيها.