وداعاً للجسد النحيل... متلازمة كيت موس أصبحت من الماضي

وداعاً للجسد النحيل... متلازمة كيت موس أصبحت من الماضي

20 اغسطس 2019
أثّرت كيت موس على الفتيات (Getty)
+ الخط -
لا يمكن أن تمرّ صورة لعارضة أزياء من حقبة أواخر التسعينيات والألفية الجديدة، من دون أن ينتبه المرء إلى شدّة هزالتها، إذ نرى فتيات في مقتبل العمر، كمرضى لا يمكنهن الحصول على الغذاء، نحيلات. 

موضة تم إرجاع أصلها إلى عدة نظريات، إحداها أن الأمر يتعلق بمصممي الأزياء الذين، مع تطور هذا الفن أو الحرفة، فضَلوا ألا تتدخل أجساد العارضات بالتصميم، فعليهنّ فقط أن "يحملن" الثياب، من دون أن يخربن الصيغة الجمالية للتصميم والقماش، ليكنّ أقرب إلى "علّاقة ثياب"، تحمل الثوب غير المخصص لها، فهو للزبائن فقط. 

يرى آخرون أن السبب الرئيسي هو نشر "ثقافة الهزالة" في الوقت الذي تحول فيه معظم الأميركيين إلى مرضى بـ"البدانة" و"الشراهة" خلال تسعينيات القرن الماضي، إثر انتشار العمل عبر الإنترنت، والتسوق من المنزل، وغيرها من "التسهيلات" التي لا تتطلب الحركة. ومع بداية الألفية الجديدة، أصبحت العارضة الهزيلة حلم كل من لا يمارس الرياضة في النادي ولا يأكل طعاماً صحياً، بسبب غلاء أثمان هذه "الميزات" وكأنّها "رفاهيات". يتجلى ذلك في الفرق بين المأكولات السريعة والمأكولات التي تعتمد على مصادر طبيعية ومتنوعة. 

السبب الثالث يعود إلى شهرة كيت موس وتصرفاتها؛ فالعارضة، "أبدية الجمال"، كانت مدمنة على الهيروين كغيرها من المشاهير خلال التسعينيات والألفية الجديدة. لن نخوض في موضوع إدمان العارضات والفنانين الذين كانوا مثلها، لكن استخدامها كنموذج يعود إلى تأثيرها الحقيقي على الفتيات خلال أكثر من 20 عاماً، إذ أطلقت موضة أناقة الهيروين، أو هيروين شيك، خلال النصف الثاني من التسعينيات، والتي اعتبرت فيها صورة كيت موس ضمن حملة للملابس الداخلية لعلامة كالفين كلاين عام 1990 المثال الأفضل على تلك الصيحة، وانتشرت بكثرة تلك الصور التي تظهر فيها العارضة شديدة الهزالة، وذات وجه شاحب وعينين متعبتين. 
كانت وما زالت كيت موس واحدة من أكثر العارضات هزالة في العالم، بسبب إدمانها وكآبتها ومرض الأنوريكسيا -فقدان الشهية الشديد- الذي عانت منه، أما صور حفلاتها مع المشاهير، والمصممين، فجعلتها أيقونة تحتذى من قبل كل الفتيات في كل أنحاء العالم، وبدأت الفتيات بحرمان أنفسهن من الطعام، وبدأ الفتيان بـ"القرف" من النساء الممتلئات اللواتي شكلن فانتازماً أسطورياً عبر تاريخ الفنّ، الذي صور "النساء" ممتلئات ودائريات الملامح، وذوات أطراف ضخمة في حال كنّ آلهة أو ملكات، بدءًا بتمثال فينوس الميلوسية، مروراً بلوحات بيكاسو، حتى مارلين مونرو


تغيرت هذه الموضة مع بداية النصف الثاني من الألفية الجديدة، إثر انتشار موسيقى وفيديوهات الهيب هوب في العالم، خصوصاً تلك التي أُنتجت جنوب الولايات المتحدة، كرد فعل على فضائح المعارك الشديدة بين فناني الهيب هوب شرق البلاد وغربها. 

مع تنامي هذا النوع الموسيقي بصرياً بالنسبة للمتلقين، بدأت موضة اتباع هؤلاء الفنانين، إذ أصبح نمط حياتهم المستوحى من الفيديوهات ومن كلمات أغانيهم جزءًا أساسياً من الموضة الرسمية التي تبنت الثقافة السوداء، والتي استوحى منها عدد كبير من المصممين والعلامات التجارية، كـ تومي هيلفيغر وبولو التي وضعت شعارات كبيرة وواضحة للغاية على ملابسهم في التسعينيات، الأمر نفسه ينسحب على العلامات رياضية، كـ ريبوك. 

المثير للاهتمام، أن هذه الصيحة التي تبناها المصممون، كانت نوعاً من العصيان المدني الذي وظفته الثقافة السوداء لمقاومة عنصرية البيض، كالسراويل والقمصان الفضفاضة والملونة بألوان زاهية وفاقعة جداً واستخدام الثياب الرياضية ضمن الحياة اليومية، بدل حصرها بالرياضة. 

لم ترض عائلة كارداشيان أن تمر تلك التغيرات الثقافية من دون استغلالها، وذلك بسبب محاولات أفرادها الارتباط بمشاهير أميركيين من أصول أفريقية، كـ أو جي سيمبسون، وصداقته مع الأب والعلاقات السابقة لـ كلوي وكيمبرلي بلاعبي كرة سلة أو مغني راب، كما أن الوالدة، كريس جينير وزوجها السابق لاعب القوى الأوليمبي بروس جينر - كيتلين جينر بعد تغييرها لجنسها- قدما برنامج تسوق للأدوات الرياضية لسنوات، إضافة إلى تقديم العائلة لعدد من برامج التسوق الرياضية. 


تمكنت تلك العائلة ذات الأصول الأرمنية والمختلطة، وبطلة برامج تلفزيون الواقع "ابق على تواصل مع آل كارداشيان" من تغيير النظرة العامة للمرأة السمراء الممتلئة ذات الشعر الأسود الطويل، إذ اتخذت فتيات العائلة أسلوباً خاصاً في تقديم أنفسهن، لسن شقراوات ولسن هزيلات، لا بل استخدمت كيم كارداشيان "منحنياتها الخطيرة" كما يقول عدد من مغني الراب، كعلامة تجارية، بدأت تتضخم على جسدها كما على الشبكة العنكبوتية مع مرور الزمن. 

قدمت العائلة صورة مختلفة وناجحةً للجسد الممتلئ، استغلّ في التسويق ولاقى إعجاب الجماهير، وبدأت صورة الجسد الممتلئ مع تنامي موسيقى الهيب هوب ودمقرطة الرقص الأفريقي تتخذ منحى جديداً أثّر على اللباس والألوان، لكي تتماشى مع تلك الأجساد ذات القسمات الممتلئة، التي كانت رمزاً للخصوبة، وأصبحت الآن نموذجاً للمرأة الجميلة. 
سمح هذا التغيير للكثيرات بالتعبير عن أنفسهن من دون خجل، وأصبحت النساء الممتلئات أكثر ثقة بإعجاب الرجال بهن بدل الهزيلات. 

لا بل زادت المبالغة في هذا الأمر لدرجة أن النساء بدأن بتكبير أجزاء محددة من أجسادهن للتماشي مع تلك الموضة، لكنها ساعدت أيضاً النساء الممتلئات على رفع صوتهن عالياً للتعبير عن أنفسهن، إذ بدأت تظهر على أغلفة المجلات نساء من شكل جديد، وانطلقت دعوات "للثقة" بالجسد مهما كان شكله، كحملة "المزيد من الأكبر رجاءً" أو moreplusplease. 
من جهة أخرى، لا يمكننا الحديث عن هذا التغيير من دون الحديث عن النظرة الغربية للنساء الملونات وعن تأثير رئاسة باراك أوباما وشهرة مقدمة البرامج أوبرا وينفري على انتشار الثقافة السوداء في العالم بشكل مختلف وتأثيره على الموضة. فبعد أن كانت النظرة إلى تلك الأجساد مرتبطة بالحديث عن الفقر والعنصرية، والفانتازم المرتبط بالمرأة الغريبة القادمة من البلاد المشمسة، تبدلت تلك النظرة إلى نساء يمتلكن أجساداً طبيعية أكثر وفخورات بكل ما قدمته جيناتهن لهن، هذا الفخر أصبح واضحاً حينما قامت عارضة الأزياء تايرا بانكس بعد أن انتشرت صورها وهي "ممتلئة" بعد الحمل، بتخصيص جزء من برنامجها لاستعراض جسدها من دون أي خوف من الانتقادات.

دلالات

المساهمون