وجوب الوقوف أمام الجوهر

وجوب الوقوف أمام الجوهر

28 مايو 2015
عمل للفنان أسامة دياب
+ الخط -
منذ انطلاق موجة الاحتجاجات الشبابية والشعبية العربية، في بلدان الربيع خاصة، مع نهايات عام 2010، بدأت القوى الراسخة والمتمرسة على عروش السلطة بالبحث بين خياراتها البديلة، إذ اكتشفت أن القمع والفساد والتعمية وكل سياساتها التي عاشت طويلا على رقاب شعوبها لم تجد نفعا مع طالبي الحرية، وأن الأوان قد حان، بتوقيت الشعوب، لتطلب حريتها وتفرض خياراتها، فبدأ هنا الغوص بعيداً في الخيارات التي كانت مغيبة، أو كانت الأنظمة أقل في اعتمادها على مثل تلك الخيارات، وإن كان من الصعب نفي عدم استخدامها، إلا أن الأنظمة التي قامت عليها الثورات شعرت أن الوقت قد حان لتصعيد هذه الخيارات وتظهيرها، ومنها داء الطائفية وأدواتها، على مختلف الجبهات وبشتى الألوان. 

ولا ينكر أن الربيع العربي وثوراته فرض وجوب الرؤية بوضوح أكبر لما يعتمل في المنطقة العربية بأسرها، وأمسى لا مفر من الإقرار بطبيعة الصراع الإقليمي الواسع، والمتداخل مع معطيات دولية كثيفة، والذي يفرض نفسه على حياة العرب وخياراتهم، وهنا حضر خيار رفع راية الطائفية، وإذكاء نار الطائفية بشكل أوسع وأوقح مما كانت عليه قبلا. لكن جوهر الأمور بقي على ما هو، فالشعوب تدرك ما يراد لها على يد الأنظمة التي ثارت ضدها، وكذلك هي على دراية بأن طبيعة الصراع وأساساته هي اجتماعية اقتصادية سياسية وحتى ثقافية، وليست دينية بأي معنى من المعاني، ولا طائفية أو عرقية، والتدليل على ذلك يكون بفحص الشعارات المؤسسة لتظاهرات الربيع الأولى، والتي كانت تتغنى بالمساوة والعدالة الاجتماعية والكرامة، وهذه مفاهيم إنسانية كونية، لا يمكن بأي حال تأويلها إلا ضمن مسار المطالبة بدول حرة ومجتمعات مواطنين لا حظائر عبيد، أو كانتونات زعامات وملوك طوائف.

ولم يكن غائبا عن أذهان المنتفضين فوق الأرض العربية محددات أساسية لوجودهم العربي، الأوسع من انتمائهم القطري، لدولة بعينها، وليس فقط انتماءاتهم العضوية لعشيرة أو قبيلة أو طائفة، وكان التحدي ليس فقط للدكتاتوريات، بالمعنى الأمني والقمعي، بل لكل ما هو تحقيق تنمية ورفاه هذه الأوطان، ولم يسلم الاستعمار أيضا، في فلسطين خاصة، ونتائجه في العراق، وتمثيلاته ومحاولاته التدخل في أكثر من زاوية من زوايا الربيع العربي.


واليوم، من المؤكد أن هناك انعداما كليا لإمكانية القول بأن ما تشهده المنطقة العربية، وخاصة المشرق العربي، من احتراب، هي حرب السنة ضد الشيعة، أو المسيحية والإسلام، أو العلويين والسنة كما يحلو لبعضهم التصوير والترويج وفق نظرة اختزالية وقشورية تلغي معطيات المسيرة التاريخية التي انطلقت عربيا منذ 2010، واستمرت حتى اللحظة.

وكذلك لا نستطيع التغافل عن أن الصراعات السياسية والأيدولوجية، بين مختلف التيارات القائمة فعلا وممارسة وفكرا على الساحة العربية، توفر أرضية خصبة لبعض الانزلاقات والاختراقات، خاصة ممن يحترفون تسويغ التدخلات الإقليمية والخارجية في الأوطان بلبوس طائفي، ويحولون شعارات كبرى مثل المقاومة والوحدة والتحرر من الاستعمار إلى مطايا تركبها الطائفية لتغزو أوسع مساحة من الوعي والفعل العربيين.

ويبقى أن نعترف، وأن نركز على ضرورة الشجاعة للقيام بهذا الاعتراف، أنه مهما استبدت الطائفية والنزعات التقسيمية، يبقى خيار الأمان وبره متمثلا في شعارات ربيعنا الأولى نحو تحقيق مواطنتنا وانتمائنا الحر لمجتمع حر، "عيش، حرية، كرامة، عدالة اجتماعية" ولا للتدخل
الخارجي مجددا ودوما.


راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون