وثائق الخارجية الأميركية (2): استعدادات لما بعد حافظ الأسد

وثائق الخارجية الأميركية (2): استعدادات لما بعد حافظ الأسد

04 يونيو 2018
وزارة الخارجية الأميركية: نظام حافظ الأسد يموت (Getty)
+ الخط -


كشفت برقية وجهتها وزارة الخارجية الأميركية لعدد من السفارات الأميركية في الخارج، في 19 سبتمبر/أيلول 1980، بعنوان "مراجعة السياسة الأميركية تجاه سورية"، توقع الجهات الأميركية انهيار نظام الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، على خلفية تزايد التحديات أمام حكمه من جماعات سورية مختلفة.

وتذكر البرقية، التي جاءت نتاج اجتماعات عقدتها عدة جهات، تضم ممثلين عن وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه)، ووزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن القومي، وممثلين عن جهات حكومية أخرى، بينها البيت الأبيض، أن هدفها الاستعداد لحماية المصالح الأميركية فيما يبدو أنه "مستقبل غامض أمام سورية". وأكدت البرقية على مصالح واشنطن في سورية، والتي لخصتها كما يلي:
1ــ تلك التي تنبع من المصالح الأميركية العامة في الشرق الأوسط المرتبطة بحل النزاع العربي الإسرائيلي وصولاً لحل شامل للصراع.
2ــ التضييق على النفوذ السوفييتي في سورية، ومحاولة تحجيم دور الاتحاد السوفييتي في السياسات السورية.
3ــ الوصول لحل مناسب للحرب الأهلية في لبنان.
4ــ تقليل مخاطر قيام سورية، بالتعاون مع دول عربية راديكالية مثل العراق، بتهديد استقرار وأمن الخليج.

وأشارت البرقية إلى أنه وعلى الرغم من صعوبة تحديد عمر نظام حافظ الأسد، وإلى أي مدى سيستطيع البقاء، إلا أنه من الواضح أن "النظام يموت". وباستثناء سيناريو الاغتيال، ستكون عملية تغيير نظام الأسد طويلة. وتوقعت التقديرات الأميركية أن البدائل لن تخرج عن بديل من الطائفة العلوية لا يضم أيا من إخوة الأسد، وآخر هو عبارة عن تحالف بين العلويين والسنة، وبديل يسيطر السنة عليه. ونوهت البرقية إلى أن سيطرة قوة إسلامية متشددة على الحكم في سورية احتمال بعيد المنال. ورأت واشنطن أن بديلاً آخر للأسد من الطائفة العلوية صعب، وسيؤدي لعدم استقرار سورية، مفضلة بديلاً يمثل تحالفاً علوياً ــ سنياً، وهو ما سيؤدي لاستقرار سورية بعد سقوط الأسد كما ذكرت البرقية، التي رأت أن وصول بديل علوي للحكم سيؤدي لدعم العلاقات مع الاتحاد السوفييتي من أجل تأمين النظام داخلياً. وأشارت البرقية إلى أن أفضل الخيارات لواشنطن هي أن تبقى على الحياد. وعلى الرغم من تفضيل واشنطن لبقاء نظام الأسد، إلا أنها لا تستطيع دعم بقائه في الحكم. وأشارت إلى عدم قدرة واشنطن على التأثير على سيناريو خلافة الأسد على الرغم من تفضيلها تحالفا علويا ــ سنيا.


خطط عمل لما بعد الأسد

وبعد سقوط نظام الأسد، وضعت وزارة الخارجية الأميركية خطة محددة للتحرك تهدف إلى:
1ــ ضمان تعاون النظام الجديد تجاه الأزمة اللبنانية، والحفاظ على الوضع القائم في مرتفعات الجولان المحتلة، وضمان أمن وسلامة الأميركيين داخل سورية. ودعت البرقية إلى محاولة إقناع النظام الجديد بوجود بديل غربي لسورية إذا ما قرر الابتعاد عن علاقاته بالاتحاد السوفييتي.
2ـ دعت البرقية إلى ضرورة الإسراع بإظهار الرغبة الأميركية في إقامة علاقات بناءة مع خليفة الأسد، عن طريق تقديم حزمة مساعدات إنسانية ومواد إغاثية. كما يجب الاستعداد لتقديم حزمة مساعدات مالية واقتصادية للحكومة الجديدة.
3ــ وجهت الخارجية في البرقية تعليمات لسفاراتها في القاهرة والرياض وتل أبيب وعمان وبيروت وبغداد عما يجب القيام به، وما ينبغي قوله حال سقوط النظام السوري.

وقبل صدور البرقية بستة أشهر، أشار محضر تقرير لـ"سي آي أيه" عن سورية، صدر بتاريخ 17 مارس/آذار 1980، إلى أن الرئيس الراحل حافظ الأسد زاد من المخاطر ضد الطائفة العلوية بعدما أظهر نيته استخدام الجيش لسحق أي تمرد أو معارضة في أي مدينة سورية. ورأى محضر التقرير أن ذلك ربما يفيد الأسد على المدى القصير، إلا أنه سيضر به على المدى الطويل. ورأى تقدير للاستخبارات الأميركية أن الأسد يخاطر بالكارت الأخير لاستمرار بقائه في سدة الحكم. كما رأى أن الأقلية العلوية ربما تجنح للتضحية بحافظ الأسد قبل أن تعم الفوضى، وذلك حفاظاً على مصالحها. وأشار تقدير وكالة الاستخبارات المركزية إلى أن الأنشطة المناوئة لنظام الأسد، والتي بدأت مع التظاهرات التي شهدتها مدينة حماة، مركز قوة وشعبية جماعة الإخوان المسلمين، سريعاً ما امتدت إلى مدن أخرى، كحلب وغيرها. ونوه إلى دعوات بعض القوى الإسلامية المعارضة لنظام الأسد لإقامة دولة إسلامية، ما يعكس رؤية سنية متشددة معارضة لحكم العلويين، إضافة لمعارضتهم لسياسة الحزب البعثي العلمانية. وتوقعت الـ"سي آي أيه" ألا تستمر القوات المسلحة السورية الخاصة في الانصياع لطلبات الأسد في القضاء على أي معارضة سياسية سُنية مسلحة، منوهة إلى أن ذلك قد يدفع لحرب أهلية سنية ــ علوية. وختم التقرير بالإشارة إلى أن القوى السنية المتشددة ستستمر في الهجوم على المسؤولين العسكريين والسياسيين العلويين. وحذرت الـ"سي آي أيه" من استمرار وصف الآلة الإعلامية لنظام الأسد هذه القوى المتشددة بأنها عميلة لقوى خارجية، مصرية أو إسرائيلية أو أميركية.

المساهمون