واشنطن ترسخ وجودها شرقي الفرات: بقاء للانخراط بالتسوية السورية

واشنطن ترسخ وجودها شرقي الفرات: بقاء للانخراط بالتسوية السورية

28 يوليو 2020
أقام الأميركيون عدة قواعد في محافظة الحسكة (Getty)
+ الخط -

ليس بعيداً عن الحدود السورية العراقية، يرسخ الأميركيون وجودهم العسكري في ريف الحسكة الجنوبي، الذي يضم ثروة نفطية، ما يشير إلى نيّة واشنطن البقاء طويلاً في منطقة شرقي نهر الفرات، التي باتت مسرح تنافس كبير بين أطراف النزاع السوري الرئيسية من أجل إقامة القواعد لتعزيز النفوذ وخلق وقائع على الأرض، ربما يصبح من الصعب تخطيها في أي تسوية للقضية السورية، لتتحول البلاد إلى مناطق نفوذ إقليمي ودولي لمدة طويلة.

وذكرت شبكة "الخابور" الإخبارية المحلية أن التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، شرع، خلال الأيام القليلة الماضية، في توسيع مطار مدينة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي، مشيرة إلى أن التحالف استقدم خبراء ومهندسين إلى المطار، وبدأت الحفريات في المكان الذي يضم قاعدة أميركية كبرى. وأشارت إلى أن مروحيات أميركية هبطت عدة مرات داخل القاعدة، تزامناً مع وصول قافلة للتحالف تحمل آليات خاصة بتعبيد الطرقات والحفر، بالإضافة إلى لوائح إسمنتية ومواد خاصة بالبناء.

تتمتع الشدادي بموقع جغرافي مميز، فهي تربط بين الحسكة ومحافظة دير الزور، فضلاً عن قربها من الحدود السورية العراقية

وتقع مدينة الشدادي التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تشكل "وحدات حماية الشعب" الكردية أهم فصائلها، إلى الجنوب من مدينة الحسكة بنحو 60 كيلومتراً على الطريق الرئيسي الواصل بين محافظة الحسكة ومحافظة دير الزور. وتضم المنطقة التي يشكّل العرب كل سكانها، العديد من آبار وحقول النفط والغاز، أبرزها الجبسة الذي يضم نحو 500 بئر نفطية، ويعد ثاني أكبر حقول النفط في محافظة الحسكة بعد حقول رميلان. كما تضم أيضاً معملاً للغاز. وتتمتع الشدادي بموقع جغرافي مميز، فهي تربط الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية بمحافظة دير الزور في شرقي البلاد، فضلاً عن قربها من الحدود السورية العراقية، إذ لا تبعد عنها سوى 40 كيلومتراً. وإضافة إلى الثروة النفطية، تتميز الشدادي بالزراعات الأساسية كالقطن والقمح والشعير والذرة، ويمر بها نهر الخابور الذي ينبع من جنوب شرقي تركيا ويعبر الحدود إلى سورية من ناحية رأس العين شمالي محافظة الحسكة.

تقارير عربية
التحديثات الحية

ومرّت المنطقة بتحوّلات عسكرية وسياسية كبرى خلال فترة زمنية قصيرة، إذ سيطرت عليها فصائل معارضة و"جبهة النصرة" مطلع عام 2013 بعد خروج النظام منها. لكن وجود المعارضة لم يطل في المدينة وريفها، إذ انتزعها في مايو/أيار 2014 تنظيم "داعش"، لتتحول الشدادي إلى معقل بارز للتنظيم، لا سيما أن طريق الموصل شمال العراق إلى الرقة السورية كان يمر بالشدادي، إضافة إلى كون حقول النفط في المدينة كانت من أهم مصادر تمويل التنظيم. ودافع التنظيم طويلاً عن الشدادي، إلا أنه اضطر للانسحاب تحت ضغط ناري من طيران التحالف الدولي، ما مكّن "قسد" من السيطرة عليها، لتغدو بعد ذلك مركزاً مهماً للتحالف الدولي و"قوات سورية الديمقراطية".

حقول النفط في الشدادي كانت من أهم مصادر تمويل تنظيم داعش

وعلى مدى العامين الأخيرين، نشط التحالف الدولي في أقصى الشمال الشرقي من سورية الغني بالثروات، وأقام العديد من القواعد ونقاط التمركز ولا سيما في محافظة الحسكة وريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات. وأقام الأميركيون عدة قواعد في محافظة الحسكة السورية، في مقدمتها: قاعدة كبرى تضم مطاراً في مدينة رميلان النفطية (85 كيلومتراً شرقي مدينة القامشلي) في ريف الحسكة الشمالي الشرقي. وتحمي هذه القاعدة حقول رميلان النفطية، والتي تضم قرابة 1322 بئراً، إضافة إلى وجود قرابة 25 بئراً من الغاز في حقول السويدية بالقرب من حقل رميلان. كما أقام الأميركيون قاعدة في منطقة تل بيدر إلى الشمال من مدينة الحسكة بنحو 40 كيلومتراً، تؤكد مصادر محلية أنها "كبيرة ومحصنة"، إضافة إلى قاعدة داخل مدينة الحسكة مركز المحافظة، وأخرى في قرية روباريا في منطقة المالكية شمال شرقي الحسكة، وتضم مطاراً مخصصاً لهبوط طائرات الشحن الأميركية. وللتحالف الدولي أيضاً قاعدتان في ريف دير الزور الشرقي في حقلي "العمر" و"كونيكو" النفطيين، إضافة إلى عدة نقاط عسكرية في محافظة الرقة السورية، أبرزها في بلدة الجزرة على التخوم الغربية لمدينة الرقة.
ومقابل التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، سعت روسيا إلى تعويض غيابها عن منطقة شرقي نهر الفرات من خلال إنشاء قواعد عدة، بعد الاتفاق العسكري الذي أبرمته مع "قسد" في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، للحيلولة دون قيام الأتراك بقضم المزيد من أراضي المنطقة في سياق استراتيجية تركية تهدف إلى تقويض أي خطوة من هذه القوات باتجاه تشكيل إقليم ذي صبغة كردية في المنطقة الغنية بالثروات. وأقام الروس قاعدة كبرى لهم في الشمال الشرقي من سورية في مطار القامشلي، مُرتبطة بقاعدة حميميم العسكرية المتموضعة في الساحل السوري، وسط أنباء غير مؤكدة عن توقيع موسكو اتفاقاً مع النظام يقضي باستئجار الروس مطار القامشلي المدني، الذي يقع على بعد كيلومترات عدة من الحدود مع تركيا، لمدة 49 سنة.
وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها نقلت منظومات من الدفاع الجوي وطائرات حربية من قاعدة حميميم العسكرية في ريف اللاذقية إلى مطار القامشلي في محافظة الحسكة. وإضافة إلى هذه القاعدة، أقام الجانب الروسي نقطة عسكرية في مدينة عامودا الواقعة إلى الغرب من مدينة القامشلي بنحو 30 كيلومتراً، علاوة على نقطة أخرى في أبنية في منطقة تل تمر شمال غربي الحسكة. كما تعد منطقة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي نقطة تمركز للقوات الروسية القادمة من مطار الطبقة العسكري إلى منطقة شرقي نهر الفرات. كما يحتفظ الروس بوجود عسكري في محيط مدينة عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي الشرقي، حيث حلوا محل الأميركيين في قاعدة خراب عشك أواخر العام الماضي.
على الصعيد ذاته، يعمل الجانب التركي أيضاً على تعزيز قواعده في منطقة شرقي الفرات، التي يسيطر فيها على شريط حدودي بطول 100 كيلومتر وبعمق 30 كيلومتراً، يمتد من مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي إلى مدينة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي. وأكدت مصادر محلية أن الجيش التركي بصدد حفر أنفاق في قاعدة له في ريف مدينة تل تمر في ريف الحسكة الشمالي، مشيرة إلى أنه استقدم كتلاً إسمنتية وحفر خنادق امتداداً من قرية العريشة وصولاً إلى قرية الداودية غربي تل تمر، موضحة أن المنطقة تضم قاعدة تركية كبيرة تحوي دبابات وأسلحة متطورة وأجهزة تصوير ومراقبة، إضافة إلى مهبط للمروحيات. كما أنشأ الجيش التركي عدة نقاط مراقبة في المنطقة التي يسيطر عليها في شرقي الفرات في محيط تل أبيض ورأس العين، ليس بعيداً عن الطريق الدولي "أم 4" الذي يربط حلب بالحسكة.