اللجنة الثورية ودور محمد علي الحوثي
بعد سيطرة جماعة "أنصار الله" على صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، ووضعها الرئيس عبد ربه منصور هادي تحت الإقامة الجبرية، قامت بإعلان سلطة عليا تحلّ محلّ الرئيس، بما وصفته بالإعلان الدستوري في 6 فبراير/شباط 2015. وكان محمد علي الحوثي رئيساً للجنة الثورية العليا، أي رئيساً لليمن في المناطق الواقعة تحت سلطة الحوثيين. وقد استمر في رئاسته لهذه اللجنة حتى بعد تسليمه السلطة شكلياً لمجلس سياسي مستحدث، بالاتفاق بين الجماعة وحزب "المؤتمر الشعبي العام" برئاسة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح (تمت تصفيته من قبل الحوثيين في 4 ديسمبر/كانون الأول 2017)، كحليفين ضدّ هادي و"التحالف" الذي تقوده السعودية.
في عام 2016، أصبح صالح الصماد رئيساً للمجلس المستحدث، واستمر فيه حتى مقتله بطائرة من دون طيار تابعة للتحالف في الحديدة، وذلك من دون أن يسلم رئاسة المجلس لممثل حزب "المؤتمر" بعد ستة أشهر، كما تمّ الاتفاق عليه. وخلال رئاسة الصماد للمجلس، رفض محمد الحوثي حلّ اللجنة الثورية العليا بحسب اتفاق الجماعة و"المؤتمر"، فظلّت سلطة موازية، بل سلطة أعلى، يحضر رئيسها الاحتفالات والعروض العسكرية كشخصية أولى في صنعاء. كان لهذه اللجنة الثورية مندوبون في كل مؤسسة حكومية، يتمتعون بأعلى سلطة فيها، على الرغم من عدم تعيينهم رسمياً كمسؤولين عنها، إلى أن تمّ الاتفاق خلال فترة الصماد على تعيين مندوبي اللجنة نواباً لرؤساء المؤسسات التي يعملون فيها، كتخريجة لتسوية وضعهم بشكل رسمي، فيما استمروا بتلقي أوامرهم من محمد علي الحوثي صاحب القرار الأعلى، الذي كان على خلاف مع الصماد حتى مقتل الأخير.
عبد الملك الحوثي
وصف تقرير أممي صادر في يناير/كانون الثاني 2018، جماعة الحوثيين قائلاً إنّ "الحركة في جوهرها منظمة عائلية"، وهذا الأمر ليس بعيداً عن طبيعتها المرتكزة على الولاء لأسرة بدرالدين الحوثي، والإيمان بعبد الملك الحوثي مرجعاً أعلى لها لاعتبارات عقائدية. هذه الاعتبارات التي جعلت من الرجل من حيث الدور والمكانة، يشبه المرشد الأعلى (الولي الفقيه) في إيران، مع فارق قيام الحوثي بتسمية رئيس أعلى سلطة رسمية حالياً بصنعاء (المجلس السياسي الأعلى)، مباشرة من دون أي إجراءات أو انتخابات كما يحدث في طهران، إذ وضع مدير مكتبه السابق مهدي المشاط رئيساً للمجلس بعد قتل التحالف لسلفه صالح الصماد في إبريل/نيسان 2018.
ويحمل عبد الملك الحوثي صفة "قائد الثورة"، وهو مرجع كل القادة والقرارات وما يتعلّق بالخلافات بين قادة جماعته، وطاعة أوامره واجب ديني عليهم. وقسم الولاء للجماعة يأتي باسم الرجل، ويرد كأمر إلهي في قولهم "اللهم إنا نتولاك ونتولى رسولك ونتولى الإمام علي، ونتولى من أمرتنا بتوليه، سيدي ومولاي عبد الملك بدرالدين الحوثي، اللهم إنا نبرأ من عدوك وعدو نبيك وعدو الإمام علي، وعدو من أمرتنا بتوليه سيدي ومولاي عبد الملك بدرالدين الحوثي". وهو من يلقي الخطابات في المناسبات الرسمية والدينية الخاصة بالجماعة، إذ ألقى خلال شهر رمضان الماضي محاضرات يومية، تمّ إجبار المنتسبين للأجهزة الحكومية على الاستماع إليها جماعياً، خصوصاً أولئك الذين يعملون ليلاً كمنتسبي الأمن.
بعد تعيين المشاط رئيساً للمجلس السياسي الأعلى، ولقربه من عبد الملك الحوثي، وتسوية لخلافات المجلس مع اللجنة الثورية، تمّ تعيين محمد علي الحوثي عضواً في المجلس السياسي من دون إعلان حلّ اللجنة الثورية التي رأسها منذ فبراير 2015. ويرى بعض المتابعين أنّ ذلك تمّ تمهيداً لتصعيده لرئاسة المجلس خلفاً للمشاط، في نقض واضح للاتفاق مع حزب "المؤتمر" الذي استمر بعد قتل الحوثيين لصالح. ويفترض تداول رئاسة المجلس بين الطرفين كل ستة أشهر، بينما رأسه الصماد حتى وفاته، وتسلمه المشاط لأكثر من دورتين رئاسيتين حتى الآن (منذ إبريل 2018)، علماً بأنّ هذا المجلس كيان رسمي كسلطة، وليس كياناً تنظيمياً كجماعة.
مع هذا الهيكل الظاهري للجماعة كسلطة أمر واقع، إنّ آلية اتخاذ القرار الفعلي تتم عبر قنوات أخرى غير واضحة بشكل دقيق. فرئيس المكتب التنفيذي لـ"أنصار الله"، عبد الكريم الحوثي (عم زعيم الحوثيين)، هو صاحب سلطة عليا في صنعاء على مستوى الجماعة، وتم تعيينه في مايو/أيار الماضي وزيراً للداخلية برتبة لواء، على الرغم من أنه لم يعرف عنه الانتماء لمؤسسة أمنية من قبل، أو حمله رتبة عسكرية من أي مستوى. وسبق ذلك تعيين عبد الله بن حسين الحوثي (نجل مؤسس الجماعة) وكيلاً لوزارة الداخلية لقطاع الأمن، كما تمّ تعيين يحيى الحوثي (أخ أكبر لزعيم الجماعة من جهة الأب) وزيراً للتربية والتعليم، على الرغم من أنه لم ينخرط يوماً في سلك التعليم، ولا يحمل أي مؤهل علمي.
وعلى الرغم من تصدّر عبد الله الحاكم الشهير بـ"أبو علي الحاكم"، للمشهد العسكري للجماعة، في معارك سيطرتها على صنعاء وما بعدها، والذي تم تعيينه أخيراً رئيساً للاستخبارات العسكرية، يظلّ القيادي الحوثي اللواء يحيى الشامي الشخصية الأكثر غموضاً في هيكل الجماعة. يتمتع الشامي بنفوذ كبير سمح له بوضع نجله زكريا في منصب وزير الدفاع خلال أول حكومة شكلتها جماعة "أنصار الله" بالتحالف مع حزب "المؤتمر". ويحيى الشامي هو الشخصية رقم (10) في قائمة القياديين الحوثيين المطلوبين للسعودية المكونة من 40 اسماً، وتم نقل نجله زكريا من وزارة الدفاع إلى وزارة النقل، بعد تداول واسع النطاق لخبر إصابة يحيى الشامي باختلال عقلي بشكل غامض، يقول البعض إنه نتج من إصابته في غارة للتحالف، لكن الأمر يصعب تأكيده من مصادر موثوق فيها، في ظلّ تكتم شديد للحوثيين حوله. ويشغل اليوم محمد ناصر العاطفي، منصب وزير الدفاع، وهو كان من الموالين لصالح وحزب "المؤتمر" سابقاً، قبل أن يتم استقطابه لخبرته كقائد لسلاح الصواريخ. ولهذا، فليس هناك ما يجعله في صدارة القرار العسكري عملياً، بقدر ما يقول البعض إنّ تعيينه جاء بحثاً عن معلومات تقنية خاصة بالصواريخ، وللكشف عنها بشكل مباشر.
مع هذا، فقد تمّ تسليم قوات الاحتياط (الحرس الجمهوري سابقاً) لعبد الخالق الحوثي شقيق زعيم الجماعة (عبد الخالق وعبد الملك من أبناء الزوجة الرابعة لبدر الدين الحوثي)، وهي القوات الأكثر تنظيماً وتسليحاً في عهد صالح، وذلك بعد أن كان عبد الخالق قائداً في الجبهة الشرقية (جبهة نهم)، إذ إنّ الولاء يحتلّ الأولوية القصوى للجماعة في تعييناتها العسكرية. وفي إطار محاولة إعادة تركيب ولملمة قوات الاحتياط، قام الحوثيون بإعادة تسميتها السابقة (الحرس الجمهوري) بعد أن كان هادي في إطار إعادة هيكلة الجيش، قد سماها ألوية الاحتياط، وعيّن اللواء علي الجائفي قائداً لها، والذي استمر بقيادتها كقائد عسكري مخضرم وقوي، قاطعاً الطريق على الحوثيين للسيطرة عليها حتى مقتله في حادثة قصف التحالف للقاعة الكبرى (في أكتوبر/تشرين الأول 2016).
عائلة الكحلاني
أمّا أمنياً، وقبل تعيين عبد الكريم الحوثي وزيراً للداخلية، فقد ظلّ طه المداني هو المسؤول الأمني للجماعة قبل أن تتم تصفيته في ظروف غامضة، وتأجيل إعلان وفاته قرابة عام ونصف العام، مع تداول معلومات عن صراع نفوذ بينه وبين محمد علي الحوثي. ولا يزال شقيقه يوسف المداني شخصية عسكرية بارزة في الجماعة، بحكم زواجه من ابنة مؤسسها حسين الحوثي، كما ظلّ قائداً لجبهة الحديدة، الأكثر أهمية عسكرياً، على الرغم من أن القيادي هادي الكحلاني مشرف المحافظة، يتمتع بصلاحيات مدنية وعسكرية واسعة، فيما لا يعلم أحد بشكل دقيق حالياً من هو صاحب القرار الأول هناك. فعائلة الكحلاني لها وضع خاص في الجماعة أيضاً كأسرة هاشمية، إذ تهيمن على مطار صنعاء الدولي حالياً، فيما يشرف اللواء علي الكحلاني على دورات وزارة الدفاع الخاصة باستقطاب العسكريين عقائدياً للجماعة، وشقيقه أحمد عضو البرلمان وأمين العاصمة الأسبق الذي زوّج الرئيس السابق (علي عبدالله صالح) إحدى بناته، يعمل لمصلحة الجماعة سياسياً خارج اليمن، بشكل غير رسمي في الوقت الراهن. وقد سبق اتهامه عندما كان أميناً للعاصمة صنعاء، بتسهيل إيصال أموال للجماعة قدمتها طهران خلال الحرب الأولى (2004).
غموض وسرية في أجهزة الأمن
وفي دائرة الغموض الشديد، هناك شخصيتان تمسكان بقيادة أهم جهاز مخابرات يمني (الأمن القومي)؛ هما عبد الرب جرفان ومطلق المراني، اللذان يتحدّران من محافظة صعدة، ولهما سلطة القرار الأمني من دون مساءلة. وقد أسس صالح هذا الجهاز عام 2002، للقيام بدور مواز وبديل لجهاز الأمن السياسي بعد شبهات اختراق "القاعدة" للأخير، ويرأسه حالياً ومنذ سيطرة الجماعة على السلطة، اللواء عبد القادر الشامي ويتمتع فيه بدور مشابه لدور المراني وجرفان في الأمن القومي.
وعلى مستوى الأمن الداخلي للجماعة، هناك كيان أمني شديد السرية لدرجة أنّ لا أحد يعلم عنه ولا عن قيادييه شيئاً، وهو جهاز الأمن الوقائي، الذي يقوم بدور المخابرات الخاصة بالجماعة، وليس من الواضح ما إذا كان يمارس سلطة موازية للأمن القومي، أم أنه خاص بمتابعة ومراقبة عناصر وقياديي الجماعة كدور أساسي له.
ونتيجة تكتم الجماعة الشديد على أسماء قيادييها الميدانيين، فلا أحد يعلم القياديين العسكريين لجبهات البيضاء وتعز والحدود الشمالية، لدرجة أنّ التقرير الأممي بشأن اليمن في فبراير 2019، وضعهم في هيكل القياديين العسكريين للجماعة من دون أسماء ولا صور شخصية، إذ إنّ نمط القيادة العسكرية أفقي وبحسب النطاق الجغرافي.
أحمد حامد
على الصعيد السياسي، وبغضّ النظر عن المناصب الرسمية التي يتصدّرها مهدي المشاط، فإنّ الصلاحيات المثيرة للجدل لمدير مكتب الرئاسة (أحمد حامد) تجعله يتصدر واجهة اتخاذ القرار وإصدار قرارات التعيين في المؤسسات الرسمية، خصوصاً بعد تعيين محمد علي الحوثي عضواً في المجلس السياسي الأعلى وشغور منصب رئيس اللجنة الثورية التي كان يتخذ قراراتها بصفته رئيساً لها، على الرغم من عدم إعلان حلها رسمياً. ويعود ذلك إلى ثقة عبد الملك الحوثي بحامد لأنه وقف إلى جانبه عندما حاول عبد الله عيضة الرزامي، نائب مؤسس الجماعة حسين الحوثي (قتل في الحرب الأولى سبتمبر 2004)، أن يكون قائداً لـ"أنصار الله" خلفاً للأخير. ولا يزال الرزامي منذ ذلك الوقت في وضع غامض، لكنه مستبعد تماماً عن أي دور رسمي في السلطة أو في الجماعة، على الرغم من أنّ هناك كتائب خاصة منسوبة إليه، وتؤدي مهامَّ خطرة وانتحارية، ويقال إنها شاركت في حرب الجماعة مع حليفها صالح (ديسمبر 2017)، وكان لها دور محوري في فرض قبضة الحوثيين على صنعاء، والتخلّص من صالح يومها. لكن لم يسجل لها أي ظهور علني في صنعاء أو غيرها إلى الآن، ولا يعرف تاريخ إنشائها.
كما أنّ لشخصية غامضة أخرى هي فضل أبو طالب، دوراً هاماً على مستوى الجماعة كمسؤول رفيع في المكتب التنفيذي لها، وهو كما يفترض أعلى هيكل تنفيذي فيها. أمّا المكتب السياسي، وهو الكيان المسؤول عن اتخاذ القرار السياسي للجماعة، فليس معلوماً من هو رئيسه في الوقت الراهن، بعد أن كان صالح الصماد يشغل هذا المنصب، وبناءً عليه، تمّ اختياره لرئاسة المجلس السياسي الأعلى (السلطة الرسمية لتحالف الحوثيين-صالح، أو المؤتمر بعد مقتل صالح) أواخر 2016.
خطوط التواصل محدودة
وبحسب التقارير الأممية، فإنّ خطوط التواصل المباشر بين قياديي الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي تقتصر على شخصيات محدودة، وهي التي تتحكّم عملياً في المشهد الراهن للمناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة؛ وأبرزها أخوه الأكبر يحيى الحوثي، وزوج ابنة أخيه يوسف المداني، وشقيقه عبد الخالق الحوثي، وعمه عبد الكريم الحوثي، وقريبه محمد علي الحوثي، وعبد القادر الشامي، وأبو علي الحاكم، ومهدي المشاط، وأحمد حامد. فضلاً عن محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة ورئيس فريق المفاوضات، وعنصر الربط الأبرز بين صعدة وكل من طهران و"حزب الله" اللبناني، وهو أيضاً من القياديين القليلين الذين يتمتعون بدور عسكري إلى جانب صفتهم السياسية إلى جانب محمد علي الحوثي.
وأغلبية هذه الشخصيات وردت في قائمة الـ"40 مطلوباً للسعودية". وإذا ما تم تصنيفها مناطقياً، فأغلبها وأهمها وصاحبة القرار الأقوى منها، تتحدّر من محافظة عبد الملك الحوثي نفسها، وهي محافظة صعدة المحاذية للسعودية في الحدود الشمالية لليمن، باستثناءات قليلة من محافظات أخرى كحجة وإب. وهي شخصيات أوكلت إليها أدوار مهمة في الجماعة بحكم انتمائها السلالي من الهاشميين (آل البيت) بحسب تصنيف الجماعة لهم.
الامتياز لقياديي صعدة
لكن انتماء قياديي الجماعة من خارج صعدة إلى السلالة الهاشمية، وإن كان امتيازاً مؤكداً، لا يرتقي إلى الجمع بين امتياز الانتماء إلى هذه السلالة ومحافظة صعدة معاً. فعند حدوث خلافات داخلية نتيجة صراع المصالح التي يتمتع بها قادة الجماعة، تكون النتيجة محسومة سلفاً لمصلحة الطرف المنتمي إلى صعدة. ويمكن اعتبار الصراع الذي دار بين سلطان زابن مدير البحث الجنائي المتحدر من صعدة، وبين وكيل النيابة نبيل الجنيد الهاشمي المتحدر من محافظة تعز، مثالاً على ذلك؛ إذ طالب الجنيد بتوقيف زابن عن عمله وإحالته إلى التحقيق بعد فضيحة المعتقلات السرية للنساء بصنعاء التي يديرها زابن وظهرت للعلن مطلع العام الحالي. وبعد تدخل مباشر من أحمد حامد، تمت عملياً إزاحة الجنيد والإبقاء على زابن، بل وتمكينه بشكل أقوى مما سبق.
أمّا المثال الآخر، فهو الصراع الذي حدث بين مدير أمن محافظة إب عبد الحافظ السقاف وبين مسلحين حوثيين هاجموا المحافظة نتيجة خلافات بينهم وبين بعض أبنائها، على خلفية أراض تمّ الاستيلاء عليها بقوة السلاح. وعندما حاول السقاف توقيفهم هاجموا مقرّ قوات الأمن، ومنزل الأخير بصنعاء أيضاً، على الرغم من أنه هاشمي، ولكنه لا ينتمي إلى صعدة.
الحسم لصالح السلالة
أمّا إذا كان المسؤول من الموالين أو التابعين للجماعة من خارج السلالة الهاشمية، فإنّ الأمر أيضاً يحسم لصالح السلالة. فكُثر من المشرفين الحوثيين في محافظات كذمار لهم سطوة على المحافظين أنفسهم. وأخيراً قدّم محافظ ذمار محمد حسين المقدشي استقالته نتيجة تجاوزات (أبو عقيل) مشرف المحافظة، وعدم قيام زعيم الجماعة بوقف تجاوزاته، إذ إنّ المشرفين على المحافظات (منصب خارج الهيكل الرسمي يمنح صاحبه صلاحيات الرقابة على عمل المحافظة والمحافظ كسلطة أعلى من حيث القدرة على اتخاذ وإنفاذ القرار)، كان لهم ارتباط مباشر بمحمد علي الحوثي، ويقال إنهم حالياً على ارتباط مباشر بزعيم الجماعة نفسه، ولا قرار لأحد عليهم من السلطة الرسمية حتى لو كان رئيس الحكومة.
وفي الإطار نفسه، يمكن لوكيل وزارة أو نائب وزير هاشمي أن يمرر قراراته حتى دون موافقة الوزير. وسبق لوزير التعليم العالي حسين حازب، وهو شيخ قبلي ينتمي إلى حزب "المؤتمر الشعبي العام"، أن خاض صراعاً مريراً مع عبد الله الشامي وكيل الوزارة، وصاحب القرار الأعلى فيها. لكن ذلك لم يكن حلاً، فقد تمّ تعيين نائب آخر للوزير حازب من الهاشميين أصدر أوامره بشأن تعيينات جامعة صنعاء، وأبقى رئيس الجامعة في منصبه على الرغم من رفض الوزير لها العام الماضي.
الأمر نفسه حدث في وزارة الخارجية بين هشام شرف الوزير "المؤتمري"، وبين نائبه حسين العزي المنتمي للجماعة، فأصبحت للأخير سلطة القرار الأول، على الرغم من أنّ مسؤول العلاقات الخارجية في الجماعة هو حمزة الحوثي قريب زعيم الجماعة وعضو فريق المفاوضات، الذي يقيم غالباً في مسقط هو والناطق باسم الجماعة محمد عبد السلام. وسبق أن تمّ الاعتداء على أكثر من وزير "مؤتمري" من قبل المسؤولين الحوثيين الأدنى منه، وكان ذلك سبباً مباشراً لتصعيد الخلافات مع حزب "المؤتمر" قبل افتراق الحليفين ومقتل صالح.
كما أنّ سلطان السامعي عضو المجلس السياسي الأعلى، خرج قبل أسابيع بتصريحات نارية ضدّ قياديين في الجماعة أبرزهم مدير مكتب الرئاسة أحمد حامد، متهماً إياه باحتكار القرار وممارسة صلاحيات خارج مسؤوليته، وتعيين مسؤولين، فكان الردّ باتهام السامعي المتحدّر من محافظة تعز، بممارسة الفساد وتسريب وثائق صادرة عنه اعتبرها إعلام الجماعة الموالي لحامد فساداً وابتزازاً من قبل السامعي.
وفي وزارة الداخلية، كان عبد الحكيم الخيواني نائب الوزير، صاحب صلاحيات تتجاوز أحياناً كثيرة صلاحيات الوزير السابق عبد الحكيم الماوري (أعلنت وفاته في مايو/أيار الماضي بأحد مشافي بيروت، ولم يسمح التحالف بنقل جثمانه إلى اليمن حتى الآن). لكن عندما تولى عبد الكريم الحوثي، عم زعيم الجماعة، منصب وزير الداخلية في مايو الماضي، تغير الأمر تماماً، وتغيّب الخيواني عن المشهد وعن الوزارة. وهناك معلومات متداولة عن احتجاز الحوثي (الوزير) له. وعلى الرغم من أنّ حدوث الاحتجاز غير مؤكد، فإنّ تغيب الرجل عن مكتبه أكده ضباط في وزارة الداخلية.
وفي وزارة الإعلام، تصاعد الصراع بين عبد السلام جابر الوزير المتحدّر من محافظة الضالع الجنوبية، الذي عينته الجماعة وفرّ من صنعاء إلى الرياض قبل أشهر، وبين أحمد حامد الذي كان يشغل منصب وزير الإعلام أيضاً، وذلك بسبب تدخل الأخير في عمل الوزارة بشكل مباشر عبر موظفين موالين له. وتولى الوزارة بعد جابر، ضيف الله الشامي، فلم تعد هناك خلافات علنية في الوزارة بحكم انتماء الأخير الهاشمي، بحسب بعض المتابعين في الداخل. وكذلك تم إقصاء عبده الجندي بعد أن استمر بالعمل معهم بقوة كمحافظ لتعز، بعد أن تخلى عن صالح الذي كان أحد أبرز مناصريه وناطقه الإعلامي منذ 2011.
سياسة الإقصاء
عمليات مغادرة الجماعة أو فكّ التحالفات معها حتى على المستويات الشخصية لبعض السياسيين، يعيدها البعض إلى سياسة الإقصاء من القرار والتوظيف الإعلامي لشكلية التحالف بالحديث عن التعدد والانفتاح على الآخرين. لكن كُثراً من المراقبين يشبهون ذلك بتجربة تحالف روح الله الخميني مع حزب "تودة" في إيران بعد ثورته على الشاه، وإعدام أعضاء الحزب بعد انتهاء الحاجة للتحالف معهم.
ومن الطبيعي التساؤل هنا عن دور ما يسمى بحكومة الإنقاذ التي تمّ تشكيلها أواخر 2016، لتضم وزراء عن جماعة الحوثيين وحزب "المؤتمر الشعبي العام". وكان رئيس الحكومة غير المعترف بها دولياً عبد العزيز بن حبتور، محسوباً على "المؤتمر"، لكنه حالياً لم يعد يظهر إلا في مناسبات متباعدة، ولا يستطيع حتى التوجيه بالإفراج عن معتقل في قسم شرطة. فلم يعد للحكومة عملياً نشاط واضح حتى على مستوى عقد اجتماعاتها الدورية. وبين وقت وآخر، يقوم مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي بمقابلة أحد وزراء الحكومة من دون حضور بن حبتور.
ومع هذا، هناك وزارات يتمتّع الوزراء فيها بنفوذ وسلطة يتناسبان مع موقعهم، مثل وزير الصحة ووزير التربية، بحكم أنّ الأول من أسرة المتوكل الهاشمية ذات النفوذ، والآخر أخ لزعيم الجماعة، وهما الوحيدان اللذان لهما القدرة على التعامل المباشر مع المنظمات الدولية من دون المرور عبر هيئة التنسيق المشكّلة من الحوثيين، أو عبر جهاز الأمن القومي، كما يتم مع غيرهم من الوزراء.
ومنذ مقتل مؤسس الجماعة حسين الحوثي، دارت خلافات بين قياديي "أنصار الله" أدّت إلى تغييب بعض أهم القياديين القدامى عن المشهد الراهن كعبد الله عيضة الرزامي، الذي أراد أن يتزعم الجماعة بعد حسين الحوثي، وصالح هبرة الذي كان ممثلاً سياسياً للجماعة في الحوار الذي نتجت منه اتفاقية الدوحة (2007/2008)، واستمر في ممارسة دور بارز حتى 2014، عندما تصدر المشهد محمد عبد السلام وصالح الصماد، فغاب هبرة حتى اليوم من دون أي توضيحات ولا معلومات عن وضعه الراهن، كما هو حال يوسف الفيشي أحد أشهر القياديين للجماعة سابقاً.
كما أنّ يحيى الحوثي وهو شقيق المؤسس (حسين) من الزوجة الأولى لبدر الدين الحوثي، كان يطمح لأن يتزعم الجماعة بعد شقيقه، لكنه تحول إلى لاجئ سياسي في ألمانيا، بعد إسقاط حصانته البرلمانية تمهيداً لمحاكمته في عهد صالح. ويشغل حالياً منصب وزير التربية والتعليم لا أكثر. أما أخوه محمد الذي عمل مع أخيهما المؤسس حسين الحوثي، وغيره من فريق العمل الأول حتى مطلع الألفية، فأصبح مغيباً عن المشهد حالياً، ذلك أن عبد الملك تمتع بحظوة كبيرة لدى والده (بدر الدين الحوثي) الذي استمر في واجهة الجماعة بعد مقتل نجله حسين حتى مقتل بدر الدين هو أيضاً في عملية تفجير نسبت لتنظيم "القاعدة" في 2010، بحسب متابعين لتطور الجماعة، وذلك بالطبع بعد حصر المنافسة بين أبناء بدر الدين، واستبعاد الطامعين من خارجها كعبد الله الرزامي.
وسبق أن غادر محمد عزان جماعة الحوثيين وهو من مؤسسي تنظيم الشباب المؤمن (الاسم التنظيمي لجماعة الحوثيين قبل تحولها إلى أنصار الله)، وتجنّب العمل معها رغم بقائه في صنعاء حتى 2017. إلا أنه بعد مضايقات كثيرة من قياديي الجماعة الذين كان أغلبهم تلاميذ له، غادر اليمن أخيراً، وبدأ بنشر انتقادات علنية حادة للجماعة وسياستها وحتى عقيدتها الفكرية التي انحرفت عن المسار الذي رسمه مع المؤسسين الأوائل بحسب طرحه.
وفي كل الأحوال، فإنّ المجلس السياسي الأعلى كسلطة عليا رسمياً، لا يمارس دوراً سياسياً في الوقت الراهن، بقدر ما يتصدّر أفرادٌ بذاتهم التعبير عن المواقف السياسية، وغالباً ما يكون ذلك عبر محمد عبد السلام، أو محمد علي الحوثي. وعند زيارة المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث في إطار مساعي السلام الأممية، فإنه في الأمور الهامة يتحدّث مباشرة مع عبد الملك الحوثي زعيم الجماعة، وليس مع القياديين الآخرين بمن فيهم مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى المفترض به أن يكون الشخصية الأولى في السلطة.
ونتيجة هذه المعطيات، فإنّ القرارات السياسية والعسكرية والاقتصادية في جماعة الحوثيين كسلطة أمر واقع بصنعاء، لا تخضع لتسلسل منطقي ولا لهيكلية واضحة، وإنما تعتمد على قوة الشخصية القيادية التي تتبناها وتدافع عنها. فهناك لجان مصغرة تدير البلد خارج إطار المؤسسات الرسمية المخولة باتخاذ القرار، ويمكن لأصغر مسلح حوثي وضع من يريد في المعتقل من دون تهمة، ولا يمكن لأكبر مسؤول رسمي الإفراج عن هذا المعتقل من دون المرور عبر مشرفي الجماعة.
وحتى بعد تواري كثير من المؤسسات والكيانات الموازية التي أنشأتها الجماعة قبل انفرادها بالسلطة كلياً وإقصاء شركائها من حزب "المؤتمر" رغم بقاء التحالف بينهما ظاهرياً، فإن القرار لم يعد إلى إطاره الرسمي، بل يتم اتخاذ القرارات وحتى إصدار القوانين دون إقرار البرلمان لها، لكنها تصبح نافذة رغم ذلك، كما هو حال قانون الزكاة الذي أصدرته الجماعة قبل أشهر. ورغم استمرار عقد جلسات البرلمان غير مكتملة النصاب بين وقت وآخر وبغض النظر عن مدى دستورية هذه الجلسات، فإنّ البرلمان لم يعد له دور عمليا.