هياكل الموتى في كنيسة "سيدليك"

هياكل الموتى في كنيسة "سيدليك"

13 اغسطس 2016
تعتبر الكنيسة من أكثر الأماكن جذباً للسيّاح في تشيكيا(Getty)
+ الخط -
"كنيسة العظام"، هي واحدةٌ من أغرب دور العبادة التي يمكن أن يراها الإنسان. وهي كنيسةٌ صغيرةٌ تقع في سيدليك إحدى ضواحي كوتنا هورا في جمهورية تشيكيا. قد تعتقدُ أنّها مُجرَّد كنيسة قديمة بعض الشيء من الطراز القوطي في العصور الوسطى، ولكن بمجرَّد الدخول إليها، ستدركُ، فوراً، لماذا هي مذهلة وفريدة من نوعها.
الكنيسة مُزيَّنة ومُجمّلة فنياً بأكثر من 40 ألفاً إلى 70 ألف هيكل عظمي بشري. لذلك، يطلقون عليها اسم كنيسة العظام. وهي أقرب شبهاً إلى مشاهد سلسلة أفلام قراصنة الكاريبي، بسبب الجماجم المُعلَّقة في كلّ مكان. وفي حين توجد بأوروبا العديد من المعالم المُخيفة والبشعة التي يمكن زيارتها، مثل مقبرة كاتاكومبس في باريس؛ فإن كنيسة سيدليك هي الأشدُّ فرادةً في طبيعتها، فأوَّلُ مايتبادر لذهن الرائي، هو كيف انتهى الأمر بكل هذه الكمية الهائلة من العظام في كنيسة صغيرة في جمهورية التشيك. وهذا السؤال هو أوَّل سؤال يغزو ذهن الزائر إلى الكنيسة.
أحدُ أروع الأعمالِ الفنيَّة داخل كنيسة سيدليك، هو الثريّا ضخمةُ الحجم التي تتدلَّى من وسط الكنيسة والمصنوعةِ من العظام، وتحتوي على كل أنواع العظام البشريَّة الكبيرة والصغيرة، حتى الجماجم وسلاميَّات الأصابع. ومن الأعمال الفنية، أيضاً، والمثيرة للإعجاب والاستغراب داخل الكنيسة؛ شعار النبالة لأسرة شوارزنبرغ (الأرستقراطية التشيكية الألمانية، وأحد أشهر الأسر النبيلة الأوروبية) والمصنوع أيضاً بالكامل من العظام البشريّة المتنوعة.
يعود الأمر بالكامل إلى عام 1278، وتحديداً في "بوهيميا"، وهي منطقة تاريخية في أوروبا الوسطى يقطنها ما يقرب من ثلثي سكان جمهورية التشيك، وتحتلُّ معظم الأجزاء الوسطى من تلك الدولة. فقد أرسل ملكُ "بوهيميا" رئيسَ دير "سسترسن سيدليك" إلى القدس. وعندما عاد رئيس الدير أحضر معه جرة بها تراب من أرض الجلجثة، وهي الأرض التي صلب فيها المسيح بحسب الإنجيل، أو كما تسمى "التربة المقدسة". وكان رئيس الدير قد قام لدى عودته، بنثر ذلك التراب على مقابر الرهبان لنشر البركة.
لم يمر وقت طويل حتى أصبح الناس يوصون بأن يدفنوا في كنيسة سيدليك بعد موتهم، ومن ثمّ تم توسيع مقبرة الكنيسة. وفي القرن الخامس عشر بنيت الكنيسة القوطية بالقرب من المقبرة، وكان الطابق السفلي منها يستخدم بوصفه صندوقاً كبيراً لعظام الموتى. ويقال في بعض التفسيرات أن سبب كثرة الموتى من أصحاب العظام الوجودة بالكنيسة يعود إلى تفشي وباء الطاعون عام 1318، وأيضاً يقال إن ذلك كان خلال الحروب البوهيمية الطاحنة بأوروبا في القرن الخامس عشر (1420-1435) والتي كانت أول حرب يستخدم فيها البارود.
بقيت تلك العظام مُكدَّسة داخل القبو لعدة قرون حتى عام 1870، إلى أن تمَّ تعيين فنان للنحت على الأخشاب يدعى، فرانتيسك رينت؛ ليضع العظام في نظام مرتب، وكانت النتيجة مُبهرة بشكلٍ كبير. لقد صنع فرانتيسك تحفاً فنيَّة من عظام البشر، منها أربعة أكوام هائلة على شكل أجراس ضخمة تحتل زوايا الكنيسة، وأكاليل من الجماجم تغلف القبو، وكان رصف المذبح وتغليفه ومتعلقاته بالعظام والجماجم. ولذا آل الأمر بعد ذلك إلى أن تكون كنيسة سيدليك واحدة من أشهر الأماكن السياحية، وأكثرها جذباً للسيَّاح في جمهورية التشيك، إذ يتجاوز عدد زوُّارها سنويّاً، 200 ألف سائح.
يُذكَر أنَّ فكرة توظيف تلك العظام المُكدَّسة كانت من إبداعات القس، فاكلاف توماسيك، الذي كان يرى في اطّلاع زوّار الكنيسة على العظام البشرية للأسلاف، عظةً وعبرة وتذكيراً حيويَّاً بالموت. وقد كانت جمجمة وعظام "توماسيك" نفسه، هي آخر بقايا بشريَّة أدخلت للكنيسة بعد وفاته سنة 1804.


دلالات

المساهمون