هولاند في الجزائر: ترسيخ التعاون الاقتصادي والأمني

هولاند في الجزائر: ترسيخ التعاون الاقتصادي والأمني

15 يونيو 2015
أثناء زيارة لرئيس الحكومة الجزائري إلى باريس(باتريك كوفاريك/فرانس برس)
+ الخط -
شهدت العلاقات الفرنسية الجزائرية، تطوراً واسعاً في مختلف المجالات، مع وصول الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى الحكم، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى العلاقة الشخصية التي تجمع الأخير والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة؛ ويتجلى هذا التطور في زيارات هولاند إلى الجزائر، حيث يرتقب أن يحل ضيفاً عليها للمرة الثانية اليوم، في زيارة خاطفة تلبية لدعوة من نظيره الجزائري، يتوقع أن يبحث أثناءها تطور العلاقات بين البلدين على المستوى الاقتصادي، إضافة إلى التطورات السياسية والأمنية في المنطقة، خصوصاً في ليبيا ومنطقة الساحل.

وتعرف العلاقات الفرنسية الجزائرية انتعاشاً كبيراً منذ وصول هولاند إلى سدّة الرئاسة خلفاً لنيكولا ساركوزي، الذي لم يكن يتمتع بسمعة جيدة لدى المسؤولين الجزائريين، بسبب مزاجه الحاد والمتقلب ومواقفه المتشنجة، إزاء موضوع التاريخ الاستعماري الفرنسي في الجزائر. أما هولاند فله حظوة خاصة عند بوتفليقة وكبار المسؤولين الجزائريين، نظراً لشخصيته الهادئة والمتزنة ونزوعه إلى تجنب إحراج محاوريه الجزائريين، كما أن الرجلين يعرفان بعضهما البعض جيداً منذ عقدين من الزمن. وهذا ما ظهر جلياً من خلال الارتياح الكبير الذي خلفته زيارة الدولة التي قام بها هولاند إلى الجزائر في ديسمبر/كانون الأول 2012، والتي دامت يومين من الاستقبالات الحافلة، واختُتمت آنذاك بالإعلان عن ميلاد شراكة استثنائية بين البلدين. 

اقرأ أيضاً: باريس تشارك في ذكرى مجزرة لاستعمارها بالجزائر

ما بعد بوتفليقة!

ومنذ أن تم الإعلان عن هذه الزيارة توالت التعليقات في وسائل الإعلام الفرنسية والجزائرية حول أهدافها ومدتها القصيرة. وذهب البعض إلى التأكيد بأن هولاند سيتحدث في الجزائر عن موضوع خلافة بوتفليقة الذي يعاني من أمراض مزمنة بسبب سنه المتقدمة (78 عاماً)، وهذا ما أعلنه المعارض الجزائري، الرئيس السابق لحزب "التجديد"، نور الدين بوكروح، الذي تحدث علناً الأسبوع الماضي "عن شيء ما تتم حياكته في الخفاء ضد الجزائر"، معتبراً الزيارة الفرنسية محاولة لـ "تنظيم مرحلة ما بعد بوتفليقة". 

غير أن المحلل السياسي الجزائري المقيم في باريس، زيدان خوليف، يستبعد في حديث لـ "العربي الجديد" أن يكون هذا هو موضوع الزيارة، ويقول إن "فرنسا تعرف جداً تعقيدات الوضع الجزائري وحساسية الجزائريين حيالها كقوة استعمارية سابقة، وهي لا تريد أن تظهر أبداً بمظهر المتدخل في الشأن السياسي الداخلي الجزائري الذي وصل إلى حالة من التدهور الشديد في الشهور الأخيرة".

تعزيز المشاريع الاقتصادية

إلا أن الهدف الأساسي لهذه الزيارة، بحسب ما قالت مصادر مطلعة في وزارة الخارجية الفرنسية لـ "العربي الجديد"، يبقى تمتين التعاون الاقتصادي بين البلدين، وتطوير اتفاق الشراكة الذي تم إطلاقه أثناء الزيارة الأخيرة لهولاند للجزائر. واللافت أن الحضور الاقتصادي الفرنسي في الجزائر تعزز كثيراً في الآونة الأخيرة، وهذا ما يعكسه نشاط الشركات الفرنسية الكبرى مثل "رونو" و"لافارج" و"آلستوم" التي تكفلت بمشاريع الترامواي في الجزائر ووهران وقسنطينة. وحسب إحصائيات الخارجية الفرنسية، فإن هناك 450 شركة فرنسية تنشط في الجزائر حالياً تؤمن أكثر من 40 ألف منصب شغل مباشر. وتكتسي العلاقات الاقتصادية بين باريس والجزائر أهمية خاصة في السياق الحالي، ويقول المحلل الاقتصادي خالد قروي لـ "العربي الجديد" إن ذلك يعود إلى أن "غالبية المشاريع التي تم إطلاقها بين البلدين عام 2012 كانت في سياق بلغ فيه ثمن برميل النفط حد 100 دولار، لكن الجزائر تعاني الآن من انكماش اقتصادي خانق بسبب تدهور أسعار النفط؛ وهي بحاجة إلى استثمارات فرنسية أكثر من أي وقت مضى".

تعاون أمني

أما الشق الثاني من هذه الزيارة فيتعلق بالتعاون الأمني في محاربة الإرهاب والجماعات الجهادية التي تنشط في منطقة الساحل بشكل عام. ومن المتوقع أن يثمن هولاند الجهود الكبيرة التي بذلتها الجزائر من أجل تذويب الخلافات بين أطراف النزاع في مالي، والتوصل إلى صيغة "اتفاق السلم والمصالحة"، ونجاح الدبلوماسية الجزائرية أخيراً في إقناع المتمردين الطوارق بتوقيع هذا الاتفاق في 20 يونيو/حزيران المقبل. كما تتطلع باريس إلى إقناع الجزائر بلعب دور أكثر قوة في تعقب الجماعات الجهادية الجزائرية التي تنشط في الحدود الجنوبية للجزائر المحاذية للشمال المالي. وتأمل باريس في أن تمد الجزائر يد المساعدة للقوات الفرنسية المنخرطة حالياً في حرب استنزافية ضد الخلايا الجهادية في منطقة الساحل، لكنها تصطدم بمبدأ جزائري راسخ أساسه الامتناع عن إرسال قوات جزائرية للقتال خارج الحدود تحت أي ذريعة. 

برنامج الزيارة

ويبدأ هولاند زيارته القصيرة بوضع إكليل من الزهور عند مقام الشهيد بدائرة المدنية في أعالي العاصمة، إكراماً لذكرى شهداء الحرب الاستعمارية ضد فرنسا، وهي الحرب التي أقر هولاند رسميا بفظاعاتها وجرائمها خلال زيارته السابقة في خطاب تاريخي أمام البرلمان الجزائري في ديسمبر/كانون الأول 2012. يعقد بعدها محادثات مع رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال، تليها محادثات بين الوفد الفرنسي ونخبة من الوزراء وكبار المسؤولين الجزائريين. وحتى الساعة لم يؤكد أي من الفرنسيين أو الجزائريين لقاء ثنائيا بين هولاند وبوتفليقة الذي يقيم حاليا في الإقامة الرئاسية بمنتجع "زيرالدا" تحت رعاية طبية مكثفة. غير أن مصادر مطلعة في الخارجية الفرنسية أكدت لـ "العربي الجديد" أنه من الوارد أن يندرج اللقاء بين هولاند وبوتفليقة، في إطار لقاء موسع بين الوفدين الفرنسي والجزائري يحضره هولاند وبوتفليقة.
ومن المتوقع أن يحرص المسؤولون الجزائريون على التقاط صورة تجمع بين هولاند وبوتفليقة، تظهر هذا الأخير في وضعية مريحة للتقليل من حدة الشائعات حول مرضه وعدم أهليته ذهنياً وجسدياً على إدارة شؤون البلاد. ولا شك أن صورة "ثمينة" كهذه تكفي وحدها للدلالة على أهمية الزيارة بالنسبة للمسؤولين الجزائريين.

وفي ختام هذه الزيارة، يترأس هولاند حفلا في السفارة الفرنسية في الجزائر يستقبل فيه شخصيات من المجتمع المدني الجزائري ومواطنين فرنسيين مقيمين في الجزائر، قبل أن يحضر مأدبة عشاء يقيمها رئيس مجلس الأمة الجزائري (الغرفة الثانية) عبد القادر بنصالح على شرف الرئيس الفرنسي.