هوس "لعبة العروش"

هوس "لعبة العروش"

12 يوليو 2015
مكان تصوير المسلسل التلفزيوني "لعبة العروش" في كرواتيا (Getty)
+ الخط -
دليلة السياحة الكرواتية في مدينة دبروفنيك الساحرة توقفت بطريقة استعراضية عن الشرح المتلاحق وسألت: من الذي قتل في هذه البقعة التي نقف عليها الآن؟ أجاب معظم السامعين بصوت شبه موحد: الملك جيفري! ابتسمت دليلتنا ثم تابعت شرح تفاصيل عملية اغتيال الملك المذكور وهو في أوج عظمته ويوم زفافه. الملك جيفري ليس من عظماء كرواتيا ولا علاقة له بتاريخها، بل شخصية خيالية مكروهة في روايات "لعبة العروش" الفانتازية للأميركي جورج آر آر مارتن، التي تحولت إلى إنتاج تلفزيوني ضخم حطم الأرقام القياسية بنسب المشاهدة في العالم. كل كتاب من الروايات الخمس المنشورة حتى الآن يناهز الألف صفحة، وكلها تصدرت قوائم الكتب الأكثر مبيعا. خلال عدة سنوات تحولت "لعبة العروش" والدراما المتلفزة عنها إلى ظاهرة هوس جماعي تدهش النقاد والمتابعين.

صراع بين حكام ممالك متخيلة، يطمح كل منهم إلى تركيع الآخرين والظفر بـ"العرش الحديدي" وحكم العالم. في تمثيلات ذلك الصراع تتجسد السياسة والحروب والمؤامرات بكل بشاعاتها وغدرها وخياناتها. في الصراع على العروش، وكما تؤكد اللازمة الدموية، لا خيار إلا النصر أو الموت. لا مكان للنبلاء ولا لأولئك الذين لا يؤمنون بإراقة الدم من أجل المصلحة والنفوذ.

تعيد "لعبة العروش" كشف تفاقم الرغبة الجامحة عند إنسان القرن الواحد والعشرين للهروب من الواقع والتعلق بالخيال: الهروب من إحباط الحاضر صوب نصر وتفوق وبطش منفلت في الخيال. وتوفر الكتابة والفن السينمائي والمتلفز مساحات عريضة لتفريغ تلك الرغبة. في كل زاوية من زوايا مدينة دبروفنيك هناك ملك أو أميرة أو جماعة متمردين من "لعبة العروش"، هناك مؤامرة أو خيانة او زواج مصلحة.

تعتاش المدينة اليوم على مئات الألوف من السياح القادمين من كل مكان مقتفين آثار الشخوص الخياليين في "لعبة العروش"، ومستنطقين الواقع عن قصة خيالية وناس خياليين. خلال استعراضات الأدلة السياحيين عن تفاصيل التصوير وتجوال نجوم التمثيل الذين صاروا مشهورين أكثر من الملوك الحقيقيين، يتهيأ للسامع أن ثمة مدينة أخرى قامت فوق المدينة التاريخية هنا والتي كانت مملكة قائمة بذاتها وتحدت غزاة كثراً منهم نابليون نفسه. يغيب مجد الواقع وتاريخه أمام مجد الفانتازيا وجاذبية الدراما توأمها.

نشب جدل حول ملك اسمه "جون سنو" وفيما ان قُتل فعلا، كما صورت ذلك بعض الحلقات، أم أنه اختفى وسوف يعود في يوم ما. الكرواتية المتحمسة جاءت بالدليل الحاسم على بقائه على قيد الحياة (في الدراما) حين قالت إن البعض شاهد الممثل الذي يقوم بالدور يتابع لعبة تنس أرضي وشعر رأسه وذقنه أشعث طويل، بما يؤكد عودته للتمثيل في لحظة ما ومتابعة دوره. لو كان قد قتل لحلق شعره وذقنه في الواقع، وخرج من الخيال. يصبح نجوم الدراما متابعين في حياتهم الواقعية لاستنباط ما سوف يحدث في حياتهم الدرامية.

يبقى أجمل ما قالته الدليلة السياحية ما تعلق بمشهد تمرد شعبي ضد أحد الملوك صور في قلب المدينة القديمة. احتاج المخرج إلى حشود كبيرة كي تهتف بسقوط الملك ولأجل تنفيذ وتصوير المشهد وُظف مئات من الكرواتيين لقاء أجر يومي، وتم إلباسهم الأزياء القديمة التي تناسب المشهد الدرامي، ثم طلب من الجميع ترديد الهتاف ضد الملك. ما حدث أن الجموع (الكرواتيين في الواقع، لكن الدراميين في الفانتازيا) هتفوا وباللغة الكرواتية بسقوط رئيس الوزراء الكرواتي بسبب فساده. كان حماس التمرد ضد الملك في الدراما قد اشعل حماس الكرواتيين ضد رئيس وزرائهم، الذي سقط لاحقا وسُجن فعلا بتهمة الفساد.

دلالات

المساهمون