هنا غزة.. بمجاهديها وأنفاقها

09 اغسطس 2014
+ الخط -


غزة بقعة جغرافية صغيرة، تضم كثافة سكانية كبيرة جداً، محاصرة من الجهات الأربع، حصاراً استهدف كل شرايين الحياة فيها، وسبّب للناس معاناةً، من الصعب أن تحصر في وصف. ليس هذا فحسب، بل تشهد هذه البقعة حرباً منتظمة، كل سنتين تقريباً، يشنها كيان عنصري ومتغطرس، يُسمى إسرائيل كلما أراد تصريف مشكلاته الداخلية، حيث جربت الحكومات الصهيونية المتعاقبة حظها السياسي في هذا الشعب الصامد قتلاً وتدميراً. تلك هي غزة التي تسطر، هذه الأيام، أروع ملاحم الصمود والثبات في وجه الآلة الصهيونية الفتاكة، المعتقدة أن هذا هو الزمن المناسب للقضاء على المقاومة الفلسطينية.
وقد أظهر رجال المقاومة قدرات مدهشة، لا يعرفهم أحد، ولا يزينون صدورهم بالنياشين، ولا يحملون ألقاباً عسكرية، ما يحملونه معهم دوماً، هو الإيمان بالله وبقضيتهم، هؤلاء "الأشباح" يلاحقون جنود العدو في كل مكان، ويقتلون ويأسرون، ويحققون الانتصار تلو الآخر. وهم من حقق ما لم يحققه العرب مجتمعين بجيوشهم النظامية طوال تاريخ صراعهم المزعوم مع هذا الكيان العنصري، على الرغم من قلة العدة والعتاد، وأسباب الهزيمة المحيطة بهم، من أمة ضعيفة، يفتك بعضها ببعض، ويتنافس على خيراتها الشرق والغرب، والحصار المضروب، براً وبحراً وجواً، من الإخوة والأعداء، ودعوات الشماتة والتشويه والتسفيه التي تطالهم من أقرب الأقربين إليهم، هذا الوضع المحبط لم يفت في عضدهم، حيث تجملوا بالصبر وضبط النفس، ولم يلتفتوا لا إلى اليمين ولا إلى اليسار، وقد عرفوا عدوهم الحقيقي الذي ينبغي أن توجه له البنادق والصواريخ والطائرات، فاستثمروا كل وقتهم في العمل والاستعداد. لذلك، خرجت منهم هذه المفاجآت في الميدان التي ألحقت، حتى الآن، هزيمة غير معلنة بالعدو، وإن كان هنالك من فرق بينهم وبين أعدائهم المسربلين بالسلاح، فهو حرصهم على الشهادة، كما يحرصون هم على الحياة. وبفضل هؤلاء المجاهدين، فوجئ الجميع بضربات المقاومة الموجعة، وامتلاكها زمام المبادرة والإدارة لحرب تبدو غير متكافئة لمن يقيس الأمور بالمقاييس المادية فقط.

وتكاد الأنفاق تكون إبداعاً فلسطينياً خالصاً، وهي تحقق توازن الرعب مع الآلة الصهيونية الفتاكة التي تعتمد على آخر ما أنتجته التكنولوجيا العسكرية، ذلك أنه لم يكن أمام الحصار المضروب على القطاع سوى النفاذ إلى باطن الأرض، وتشييد الأنفاق باعتبارها السبيل الوحيد لمقاومة محاولات تركيع أبناء غزة، ويمكننا أن نتصور أن تحت أرض غزة، هناك مدينة كاملة من الأنفاق، تمت هندستها بدقة، لتؤدي أدوارها الاقتصادية والعسكرية والإنسانية كما ينبغي، وهذا ليس غريباً على شعب فلسطين.
وتعاظم دور هذه الأنفاق مع الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة، حيث اعتمدت الفصائل المقاومة، خصوصاً كتائب عز الدين القسام، تكتيكات مذهلة، أدخلت الرعب في قلب العدو الصهيوني الذي وجد نفسه أمام عمل عسكري، ينطلق أساساُ من باطن الأرض وليس من فوقها، كما الحال في المواجهات العسكرية التقليدية، فعشرات الجنود الصهاينة الذين قضوا في هذه المواجهات، إنما قضوا بفضل عمليات الإنزال التي تتم خلف الآليات العسكرية، انطلاقاً من الأنفاق، ومع تكرار هذه العمليات، وتنوع التكتيكات التي تنطلق منها، صارت بمثابة كوابيس تقض مضاجع الجنود الصهاينة، وتطاردهم في النوم واليقظة، وحال الواحد منهم وهو يطأ غزة كحال من يساق إلى الموت، وهو ينظر. 

avata
avata
حميد هلاب (فلسطين)
حميد هلاب (فلسطين)