هموم شعرية: مع معاذ اللحام

هموم شعرية: مع معاذ اللحام

12 سبتمبر 2020
معاذ اللحام (العربي الجديد)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته. "الفضيلة الأساسية للشعر هي قدرته على إثارة الأسئلة، وكون القصيدة بحدّ ذاتها سؤالاً مفتوحاً"، يقول الشاعر السوري.


■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟

- أؤمن بالقصيدة التي يصبح معها القارئ، أيُّ قارئ، معنيّاً. هذا يفتح الكلام حول تعددية القراءة على المستويين الفردي والعام. فمع كل قارئ جديد، هناك أفق جديد للقصيدة، وتشكيل آخر للأسئلة التي تثيرها. وهذا يتعلق بشروط خلق القصيدة أساساً، والقارئ المعنيّ هو الذي يساهم في إعادة الخلق. أفضّل أن يكون قارئي من هذا النوع.

لا أعتبر نفسي شاعراً مقروءاً. إلا أنني حققتُ بعض الحضور من خلال مشاركتي في تأسيس ملتقيين شعريين في دمشق. مؤخراً نشرتُ نصاً في جريدتكم، وعندما حقّق عدداً كبيراً من التفاعلات على صفحة الجريدة، شعرتُ بأني مقروء.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر؟ هل لديك ناشر؟ وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟

- نشر الشعر أصبح كنشر الكُفر. هذا ما يُشعركَ به أصحاب دور النشر (بضاعة كاسدة، لا تُباع ولا تُشترى). تضطرّ عندها إلى نشر أعمالك على حسابكَ الخاص. توزّعها على أصدقائك، وتبيع بعضها في حفل توقيع.

كأن الناس تريد أن تطرب أكثر مما تريد أن تقرأ

■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟

- أعتبره شيئاً إيجابياً. كون هذه المواقع تقدّم لك الفرصة لتكون مقروءاً. وإذا ما تمتّعتْ بعض هذه الصحف بمقروئية عالية، عندها تساهم في جعل شعرك أكثر حضوراً.


■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي؟ وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟

- ما تفرضه وسائل التواصل الاجتماعي، كغيرها من تجلّيات الحداثة، هو نوع من التحدّي: كيف تكون خلّاقاً ومختلفاً، في فضاء إلكتروني بسلبياته المتمثّلة أساساً في الاستخدام المفرط لهذه الوسائل، والكمّ الهائل من التفاهة المنشورة، والشائعات والتضليل وإحياء الخرافات، وتشابُه النصوص والادعاء والسرقة. إلّا أن الإيجابي في الموضوع، هو تقديم نصوصك لشريحة من القرّاء قابلة للزيادة والتطوير، والاطلاع على الجديد وتكوين فرق عمل وقراءة.

أنشر على صفحتي الخاصة في فيسبوك ما أنشره في الصحف أو المواقع، وأحياناً أغلفة كتبي ومقاطع منها. لكن عموماً لستُ نشيطاً في ذلك.

الصورة
كتاب معاذ اللحام - القسم الثقافي

 

■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟

- الشعر العربي الحديث لا يحظى بنسبة قراءة عالية، لتراجع ثقافة القراءة عموماً في المجتمع، لأسباب منها السياسية والاقتصادية. وربما أيضاً لأن النظُم الحاكمة لم تولِ اهتماماً فاعلاً بالتطوير الثقافي في المجتمعات العربية. ولم يَعد يُنظر إلى القراءة كحاجة أساسية، بل كترف.

قارئ الشعر هو الذي يبحث، خصوصاً، عن الشعر. وسوف تجد مستمعين أكثر من قرّاء، لأن النص الموزون المفعّل القابل للغناء، ما زال هو المسيطر. وكأن الناس تريد أن تطرب أكثر مما تريد أن تقرأ. الشعر الحديث ولا سيما قصيدة النثر لا تزال محدودة المقروئية.


■ هل توافق على أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟

- لا مطلقاً. فالقراءة بشكل عام هي المتضرّرة. ربما في أوساط الشعراء والكتّاب تختلف نسب القراءة بين المكتوب عربياً وبين المترجَم. وبشكل عام، أعتقد أن هذا الكلام صحيح في ما يخصّ الرواية وليس الشعر.


■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية؟ وما هي نقاط ضعفه؟

- الفضيلة الأساسية للشعر هي قدرته على إثارة الأسئلة، وكون القصيدة بحدّ ذاتها سؤالاً مفتوحاً. عندما يغدو الشعر جواباً، يتحوّل عندها إلى مقرّرات مدرسية، بيانات مايكروفونية وحكم مسبوكة بالتفعيلات. قيمته يستمدّها من استفهاميته القلِقة. الشاعر الحديث لا يسعى إلى تغيير العالم، بالكاد يصوّره على شاكلته، لا يبحث عن البراءة ولا يدّعيها، هو يؤمن بيأسه وبأن الشعر هو الوطن الذي يخونُ مواطنيه.

القصيدة الحديثة هي النبرة الأكثر خفوتاً، النبرة التي لا تقرّر، التي تقدّم المتعة بلا مقابل. لذلك نرى قصائد تأخذ شكلَ كوابيس معدّلة وراثياً على هيئة شعر، نرى قصائد وحشية طاعنة في الوجع والرغبة، تقفز من حِدّة إلى حِدّة، ومن هاوية إلى هاوية، محاوِلةً بناء جسور متهالكة تتقوضُ عند أدنى نفَس. ويبدو أن عمل القصيدة الحديثة الآن يقتصر على الحفاظ على موقفها في صيانة فوضاها الخاصة من كل ترتيب زائف.

أتمنى أن يعيد الشعر بناء العلاقة مع الأجيال الجديدة

■ شاعر عربي تعتقد أن من المهم استعادته الآن؟

- المهم هو استعادة الشعر واستعادة القراءة كفعل مكمّل للكتابة. ثمّة فقرة بعنوان "مِن هنا مرّ الشعر" استعدنا فيها، في ملتقانا الشعري في دمشق وعلى مدى سنوات، قراءة مجموعة كبيرة من شعراء الحداثة الشعرية، بدءاً من المؤسسين، مروراً بشعراء مجلة "شعر"، شعراء "إضاءة 77" في مصر، شعراء الكتابة الجديدة في العراق، وشعراء السبعينات والثمانينات العرب، من الذين تركوا أثراً مميّزاً في مسيرة قصيدة النثر. وكان من الجميل استعادة قراءتهم.


■ ما الذي تتمنّاه للشعر العربي؟

أن يكون مقروءاً في شكله الأحدث. أن يعيد بناء العلاقة مع الأجيال الجديدة، وليس من سبيلٍ لذلك إلا القراءة.


بطاقة

شاعر وكاتب سوري من مواليد درعا في سورية عام 1973. من إصداراته الشعرية: "واحتفلتَ أخيراً بجرحكَ" (2007)، و"من أطلقَ النار أولاً" (2008)، و"على مسافة قبلة" (2010)، و"ستانلس ستيل" (2011)، و"ما ينتهي هو ما يبقى" (2017). كما صدرت له رواية بعنوان "ثلاثية ليست للمتعة" (2016)، ومسرحية بعنوان "أزهار الإسفلت" (2020).

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون