هل ينجح السراج في تلبية مطالب المحتجين بمكافحة الفساد؟

هل ينجح السراج في تلبية مطالب المحتجين بمكافحة الفساد؟

25 اغسطس 2020
تشهد طرابلس تظاهرات احتجاجاً على سوء الأوضاع المعيشية (فرانس برس)
+ الخط -

قرّر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" فايز السراج، مواجهة مطالب المحتجين على سوء الأوضاع المعيشية بالعاصمة طرابلس، بمكافحة "الفساد"، ملوحاً باستخدام قانون الطوارئ لتشكيل حكومة أزمة في حال لم ينجح بإجراء الإصلاحات الوزارية المرتقبة.

وقالت مصادر حكومية مقربة من السراج إن الأخير عقد اجتماعات مكثفة عدة خلال الساعات الماضية، من أجل إجراء تعديلات على تشكيلته الحكومية المرتقبة، بعد أن لقيت رفضاً في السابق من قبل أعضاء بالمجلس الرئاسي وقادة سياسيين من المجلس الأعلى للدولة بطرابلس.

وكانت المصادر نفسها قد كشفت لـ"العربي الجديد"، في منتصف يوليو/تموز الماضي، عن عزم السراج الإعلان عن تعديل وزاري يطاول وزارتي الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى تكليفات جديدة في وزارات الصحة والحكم المحلي والمواصلات. لكن هذه المصادر قالت إن السراج يعمل حالياً على إجراء تعديل في تشكيلته الوزارية، مشيرة إلى أنه يعيش وضعاً صعباً وضغوطاً بسبب عدم قدرته على تجاوز عرقلة المحاصصات وإرضاء بعض الأطراف المتنفذة لضمان تمرير تشكيلته الجديدة.

وعن إمكانية اللجوء إلى قانون الطوارئ لفرض الإعلان عن حكومة أزمة، اتفقت المصادر على عدم قدرة السراج على اللجوء إلى هذا الخيار، موضحة أن التعديلات المقبلة ستطاول حقائب الصحة والاقتصاد والمالية والحكم المحلي، من دون إحداث أي تغيير في حقائب الخارجية والداخلية والدفاع، بالإضافة إلى إنشاء هيئة لدعم المناطق المتضررة بهدف احتواء الغضب الشعبي.

هدد السراج باللجوء الى قانون الطوارئ لفرض حكومة أزمة في حال عدم القبول بتعديلاته الوزارية، لكن خطابه لم ينجح في امتصاص غضب الشارع

واعترف السراج، خلال خطابه الموجه للشعب ليل أمس الإثنين، بانتشار حالة الفساد في مفاصل الدولة، معتبراً أنها السبب في تردي الوضع المعيشي للمواطنين، وبينما طالب "المؤسسة القضائية ومكتب النائب العام باتخاذ إجراءات حازمة وحاسمة مع كل موظف عام طاولته اتهامات بالفساد".

وأكد أن إغلاق النفط على يد مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر "سيؤدي إلى أزمات اقتصادية قد نعجز معها عن دفع مرتبات الموظفين في كل ليبيا".

واعترف السراج ضمنياً بأن جهوده السابقة في إجراء تعديلات وزارية حال دونها "الوضع الحالي للرئاسي"، مقراً بأن السبب "رغبات البعض في الحصول على مناصب معينة".

كلمة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني حول القضايا التي تهم المواطن الليبي محلياً ودولياً

Posted by ‎حكومة الوفاق الوطني Government of National Accord‎ on Monday, August 24, 2020

وهدد السراج باللجوء الى قانون الطوارئ لفرض حكومة أزمة في حال عدم القبول بتعديلاته الوزارية. لكن خطابه الذي وافق وجود مئات من المواطنين المحتجين في ميدان الشهداء، يبدو أنه لم ينجح في امتصاص غضبهم، فإثر انتهاء كلمته تجددت التظاهرات، وأشارت هتافات المشاركين فيها المطالبة برحيل المجلس الرئاسي، إلى عدم رضاهم عن وعود السراج التي تضمنت حلحلة أزمات الكهرباء والماء والوضع الاقتصادي، ضمن حزمة من الإصلاحات قال إنها تمر بمراحل قصيرة ومتوسطة المدى.

ومنذ الأحد الماضي، شهدت مدن ليبية عدة، من بينها العاصمة طرابلس، احتجاجات شعبية تطالب بتحسين الوضع المعيشي المتردي، وزاد الجدل بشأنها بعد قيام مسلحين بإطلاق النار على المتظاهرين، مساء الأحد، فيما نفت وزارة الداخلية صلة المسلحين بأجهزتها الأمنية التي قالت إنها كانت في مهمة تأمين المظاهرة.

ولا يتوقع الناشط السياسي الليبي عقيلة الأطرش، نجاحاً كبيراً للإصلاحات الحكومية المنتظرة على يد السراج لأسباب عدة، منها ضعف قدرته على تنفيذ وعوده، وانهيار جسور الثقة بين الناس والحكومة حتى وإن سمّى شخصيات حكومية جديدة.

ويشير الأطرش في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن هناك أطرافاً تستثمر حالة الغضب الشعبي سياسياً لصالحها، سواء في طرابلس من خلال تجديد دعوة المجلس الأعلى للدولة لضرورة إعادة تشكيل المجلس الرئاسي والحكومة، أو من خلال أنصار مجلس نواب طبرق.

ونشر موقع مجلس نواب طبرق بياناً لرئيسه عقيلة صالح، بعد انتهاء خطاب السراج ليل أمس، يطالب فيه بـ"حماية المتظاهرين السلميين المُطالبين بحقوقهم"، كما بضرورة معاقبة من "أساء استعمال السلطة بحق المتظاهرين السلميين".

بيان فخامة رئيس مجلس النواب بشأن الأحداث التي تشهدها مدينة طرابلس بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم ؤكد فخامة رئيس مجلس...

Posted by ‎مجلس النواب الليبي‎ on Monday, August 24, 2020

وبادر العديد من التشكيلات المسلحة في طرابلس إلى المطالبة بحماية المتظاهرين ودعم حقهم في الاحتجاج، مثل لواء "ثوار طرابلس" وقوة "حماية طرابلس" وقوة الردع الخاصة، في بيانات منفصلة خلال أمس وليل البارحة، في خطوة لتبرئة ساحتها من التورط في حادثة إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين الأحد الماضي.

وفي الوقت الذي يتوقع فيه الأطرش "صموداً مؤقتاً للسراج" وإمكانية استقالته في حال تزايد الاحتجاجات وعدم قدرته على فرض تعديلاته الحكومية، لا يرى الباحث السياسي الليبي زايد مؤمن إمكانية للإطاحة بالسراج لأسباب عديدة. ويشرح مؤمن رأيه بالقول لـ"العربي الجديد" إن "غالبية الشخصيات التي عارضت تعديلات السراج يرتبط مصير وجودها بوجوده، وبالتالي فإن تهديد السراج باللجوء إلى قانون الطوارئ رسالة مباشرة لهم بضرورة القبول بتعليماته بشأن تنحيتهم من مناصبهم". ويضيف أن "السبب الأهم من ذلك هو حالة الفراغ السياسي التي سيتركها السراج، وهي وضع لن تقبل به العديد من الأطراف بحكومة الوفاق التي تحظى باعتراف دولي كتركيا والولايات المتحدة وأطراف أخرى باتت اليوم تقترب من حلحلة خلافاتها في الملف الليبي".

ومقابل دعوة عضو المجلس الأعلى بلقاسم قزيط، إلى دعم خيار السراج في مكافحة الفساد "في ديوان المحاسبة ومصرف ليبيا المركزي" لتلافي الفوضى والفراغ، بحسب تصريحات صحافية له، اعتبر عضو المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن الشاطر، أن كلمة السراج "محبطة ومجرد مسكن للشارع".

واعتبر الشاطر، في تغريدة له عبر "تويتر"، أن "كلمة السراج تنصل من المسؤولية وعليه أن يستقيل"، مضيفاً أن "تراكم المشاكل التي أحالت حياة المواطن إلى جحيم، كلها بسبب سياسات الاستهتار التي انتهجها طيلة فترة حكمه وجلبت حفتر إلى أبواب طرابلس".

وحذر الباحث السياسي الليبي زايد مؤمن في هذا السياق من حالة فراغ سياسي قد تؤدي إلى فوضى في حال الإطاحة بالسراج، لافتاً إلى أن الفساد لا يتوقف على الإدارات والوزارات في الحكومة، بل يطاول أيضاً قادة الأطراف المختلفين والمنوط بهم مهمة إعادة تشكيل مجلس رئاسي جديد. وقال: "هذا الخيار كان مطلباً للطرفين سواء مجلس الدولة أو مجلس النواب، وقد أجريت بشأنه العديد من اللقاءات منذ منتصف 2018، ولم يصلا إلى توافق بسبب المصالح الضيقة، والسراج كان شجاعاً عندما أشار إلى أن بعض القادة يطمحون لمناصب ولذا عطلوا تعديلاته الوزارية".

وانتهى مؤمن، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن كلمة السراج أشارت إلى عدم إمكانية التوصل إلى حلول جذرية لحل أزمة الفساد بسبب اتصالها بالأطراف المسيطرة على المشهد، مشيراً إلى أن السراج أكد ضمناً أن الحل النهائي بإجراء انتخابات عامة في مارس/آذار المقبل، وهو الخيار الأنسب الذي يبدو أن أطراف دولية ستدعمه من خلال البعثة الأممية التي تقود مسارات الحلول.

المساهمون