هل يعولِم الأدب العقلية الإيطالية؟

هل يعولِم الأدب العقلية الإيطالية؟

30 يوليو 2016
"موسم الهجرة الكبير"، لورنس جاكوب
+ الخط -

ذاك الذي حدث، ولا يزال يحدث في إيطاليا، مع صدور أعمال أدبية باللغة الإيطالية لكتّاب قادمين من مختلف أرجاء العالم، يُعتبر ظاهرة فريدة من نوعها، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذا الأمر يجري في بلد ريفي ومحافظ إلى حدّ ما مثل بلدنا. ويمكننا القول إن الأدب الإيطالي محظوظ في تلقّيه حقنة منعشة من التجديد والتحديث بفضل أعمال هؤلاء الكتّاب.

الآن، بعد أن جرى قبولهم كجزء من المنظومة الأدبية الإيطالية - وأعتقد أنني ساهمت وزميلتي غراتسيا نيغرو، في الاعتراف بهم ضمن بانوراما الأدب الإيطالي بالدراسة التي أعددناها بعنوان: "المشهد الإيطالي الجديد.. مقارنة بين الإيطاليين والمغتربين في الأدب الإيطالي المعاصر"وفي عصر يتّسم بالهجرات الكبيرة وبالعولمة التي لا تقتصر على الناحية الاقتصادية فقط، إنما الثقافية أيضاً- فإن أعمال الكتّاب القادمين من ثقافات مختلفة ستساهم بقوّة في نشر الأدب الإيطالي عالمياً، وإخراجه من حيّزه الضيق.

نحن محظوظون بأن لدينا كتّاباً من 92 بلداً. وكما أشار، مؤخّراً، بروفيسور الأدب المقارن في جامعة روما أرماندو نييشي، فإن هذا الأدب سـ "يُعَوْلِم" العقلية الإيطالية، لأنه سيجعلنا نتعرّف إلى قصص من العالم المعاصر الذي غالباً ما نجهله. حالياً، هنالك ميل، خصوصاً في الخارج، للتركيز على ما يُسمّى بأدب ما بعد الكولونيالية باللغة الإيطالية وعلى الأدب الأفرو-إيطالي، متجاهلين الفوارق الموجودة بين كتّاب قادمين من بلدان أفريقية مختلفة، كما أشارت قبل عدة سنوات الباحثة فرنكا سينوبولي. ولكن يبدو لي، هنا، أنهم يهملون كتاّباً قادمين من قارات أخرى، من بينها القارة الأوروبية نفسها.

وإضافة إلى عولمة الأدب الإيطالي، فإن أعمال الكتّاب الجدد تملك أيضاً تأثيراً مهمّاً ومتجدداً من ناحية الشكل والمضمون، وأقصد هنا تهجين الأنواع الأدبية واثرائها بخصائص أدبية أخرى، بما في ذلك الإغتراف من ثقافاتهم الخاصة وتقديمها باللغة الإيطالية.

حتماً، هؤلاء الكتاب بقوا مهمشين لغاية اليوم، ومهملين من النقد الأدبي الإيطالي (ما عدا بعض الاستثناءات) ومن دارسي الأدب. ولكن بين فترة وأخرى يظهر مقال في صحيفة يومية أو مجلة، وغالباً ما يحتوي على معلومات خاطئة، رغم أن هؤلاء الكتاب أثاروا ولا زالوا يثيرون اهتماماً في الخارج، بالأخص في الجامعات وفي المدارس أيضاً. فأعمالهم دخلت لتشكل طرفاً من دورات لتعليم الأدب الإيطالي منذ ما يزيد عن عشر سنوات. هذا لا يحدث حتى مع كتّاب محليين معاصرين.

من بين الباحثين الذين يعملون لترويج أعمال الكتّاب الإيطاليين الجدد، أذكر نورا مول، فولفيو بتزاروسّا، غلوتيلدا برباروللي، سيلفيا كاميلوتّي وغراتزييللا باراتي، التي تُدرّس الأدب المقارن في الجامعات الأميركية.

من المؤسف، أيضاً، أن أشير أن بعض الكتّاب الإيطاليين الجدد اختاروا أو اضطروا لمغادرة إيطاليا مرّة أخرى، مضيفين مرحلة أخرى من الهجرة إلى حياتهم. يوسف وقّاص رجع إلى سورية، ثم عاد بسبب الحرب الدائرة هناك، رون كوباتي يدرس في شيكاغو، إنغريد كومان تعيش في مالطا وبعد أن نشرت روايتها الأخيرة باللغة الإيطالية، تستعد الآن للكتابة باللغة الإنكليزية. يادلين كانغبو يعيش في لندن، خورخي ألفيس انتقل إلى إسبانيا. ولكن ما يثير الاهتمام أن بعض الكاتبات، مثل أورنيلا فوربسي وإلفيرا دونس، رغم إقامتهن في الخارج، اخترن أن يتابعن الكتابة باللغة الإيطالية.

ولنتطرّق الآن إلى تسمية "أدب المهجر"، هذا المصطلح كان مفيداً لأنه مهّد لتحديد هوية هذه الظاهرة. إطلاق التسمية على أي نوع أدبي هو عمل شائع في الأدب، مثل الأدب النسوي وأدب المنفى، وغيرهما. مصطلح "أدب المهجر والكتّاب المهاجرين"، لا يقبله الكثيرون، فبعضهم يجده مفبركاً، بينما هو منبع فخر عند آخرين. تجدر الإشارة إلى أن جدلاً واسعاً يدور حول هذا المصطلح في البلدان الأوربية الأخرى، من قبل نفس الكتّاب المهاجرين.

ثمّة من يستخدم مصطلح "أدب متعدّد الثقافات"، كما فعلت غراتزييللا باراتي في كتابها "الأدب متعدّد الثقافات في إيطاليا المعاصرة"، لكي تتمكّن من ضمّ الكتّاب الذين وُلدوا في إيطاليا من أبوين مهاجرين. بصراحة، لا أفهم لماذا كلمة "مهاجر" تُولّد ردّ فعل سلبياً لدى بعض الكتّاب، أن تهاجر يعني أن تنتقل بين لغات وثقافات. من جهة أخرى، فإن تنقلات الكتّاب ليست ظاهرة حديثة، إنما هي موجودة منذ أقدم العصور.

أخيراً، أود أن ألفت إلى ضرورة الانتباه إلى تسلّط دور النشر التي تسعى لاحتكار الكتّاب والنصوص. دور النشر الكبيرة هذه تريد أن تطبع نصوصاً "قابلة للبيع"، وأن تملك بعض التأثير العاطفي على القرّاء. بعض الكتّاب، وغالباً من أولئك المُهمّين والمتمكّنين مهنياً (الكثيرون منهم كانوا يمارسون الكتابة قبل أن يحطّوا الرحال في إيطاليا) لا يُعتبرون قابلين للنشر، على الأقل حسب رأي دور النشر الكبيرة. كما أنه لا بد من شكر دور النشر الصغيرة والمتوسّطة التي تقوم بدور مهمّ جداً في بلدنا، ليس تجاه الكتّاب المهاجرين فقط، إنّما تجاه الكتّاب الإيطاليين أيضاً.


* ناقدة إيطالية

** ترجمة يوسف وقاص



المساهمون