هل يخرج ترامب؟

هل يخرج ترامب؟

31 مارس 2018
+ الخط -
بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وولاية أوهايو الأميركية "قصة حب"، لم ولن تكتمل فصولها. قصة بدأت في فبراير/ شباط 2016، حين خسر الرئيس الحالي أولى معاركه في ترشيحات الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية، لكنها خسارة أفضت إلى تحقيق عودة مظفرة وضعته في الييت الأبيض في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016. خسر ترامب في أوهايو ولايةً لكنه سكن البيت الأبيض. وفي أوهايو مساء الخميس الماضي، قال ترامب شيئاً عن "خروج القوات الأميركية من سورية قريباً". حسناً، فاجأ الجميع، لكن على شخص كترامب ألا يفاجئ أحداً بعد اليوم، بصفته "رجلاً لا يمكن التنبؤ بتصرفاته".
تحدث ترامب، في أوهايو، عن سورية بطريقة مستغربة: "نحن نلحق هزيمة نكراء بداعش، سنخرج من سورية في وقت قريب جداً، ودعوا الآخرين يهتمون بالأمر الآن". أولاً، لم يعدّد الرئيس الأسباب الموجبة لخروج الجيش الأميركي من سورية، خصوصاً أن السيطرة على شرقي الفرات والتنف أولويات أميركية حالياً. ثانياً، يستوجب التوسّع في بناء السفارة الأميركية في لبنان حيزاً عسكرياً واسعاً في الإقليم، من سورية إلى العراق. ثالثاً، الخروج من سورية من دون أثمان سياسية معناه الفشل الذريع للسياسة الترامبية بصورة أكثر فداحةً من السلف باراك أوباما. رابعاً، يمكن تفسير "الوقت القريب جداً" بالمدى المرتبط بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، واستطراداً مواصلة خطة "صفقة القرن". خامساً، "الأطراف الأخرى" تعني، بطبيعة الحال، كل من في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى روسيا. سادساً، لا يمكن لشخصٍ، مثل ترامب، الخروج من سورية، وترك الأمور على غاربها، ما لم يكن منسّقاً مع الإسرائيليين. فالخروج سريعاً يعني ترك إسرائيل "وحيدة"، وإن تكن روسيا إلى جانبها. لكن الولايات المتحدة غير روسيا. سابعاً، هل يخرج ترامب من بلدٍ نفطي، ويخاطر بخسارة بعد جيوبوليتيكي في المنطقة؟
بالطبع لا، كل ما فعله ترامب هو رمي بعض الكلام في الهواء، لاستمزاج الآراء الإقليمية. وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) كانت واضحة "لا خطط عسكرية للجيش الأميركي للخروج من سورية". إذاً ماذا فعل ترامب عملياً؟ جلّ ما فعله هو "التهديد بخروج الجيش الأميركي من سورية"، على قاعدة "لا يمكنكم فعل شيء من دوننا، ونحن بيضة القبان في الشرق الأوسط". بالفعل، هناك بؤر إقليمية قد تتفجّر في أي لحظة، في حال خرج الأميركيون من الشرق الأوسط. غريبٌ هذا الأمر، فحين جاءوا بعد حرب العراق عام 1991، كانوا عاملاً مساهماً في إذكاء بعض التوترات، تحديداً في العراق. والآن، باتوا عنصراً "مرغوباً" لحماية ما تبقى في المنطقة.
تخيلوا خروج الأميركي من شرق سورية وشمالها أو من التنف. ستكون المنطقة حينها عرضةً لصراع "قبائل" حقيقي، ينتهي بإبادة "قبيلة" من أجل انتصار أخرى. تخيلوا مثلاً لو أن الإسرائيلي في كل لحظةٍ "يشعر فيها بالخطر" يقوم بغاراتٍ جوية، وقد يتكرّر الأمر يومياً. تخيلوا مثلاً لو أن الروسي قرّر توسيع أفق معاركه إلى الداخل العراقي، لتحوّله بديلاً عن النفوذ الأميركي هناك. حتى أن القضايا الحالية، في سورية والعراق، والتي "لم يتمكّن" الأميركي من إنهائها، ستستفحل بمجازر إضافية، سواء في إدلب أو الجنوب السوري، بعد الغوطة الشرقية، أو في كركوك وديالى العراقيتين.
سيأتي كثيرون، ويطلبون من ترامب البقاء في الشرق الأوسط "كي لا يتركه بالكامل للروسي أو الإيراني". فبقاء الأميركي بات "عامل استقرار ضمني"، بعد أن كان "عامل تفجّر علني"، لأن القوة معه والسلاح معه والنفوذ معه والاقتصاد معه. حتى أنه يُمكن الحديث عن "منح" الأميركيين فرصةً لتوسيع مروحةٍ تقبّل "صفقة القرن" عربياً. ما فعله الملياردير الأميركي في أوهايو لم يكن خطوةً ناقصة عملياً، بل خطوة لجذب الشرق الأوسط إلى البيت الأبيض، وتنصيبه هو زعيماً على الشرق الأوسط.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".