هل يتخلى الحزب الجمهوري عن ترامب؟

هل يتخلى الحزب الجمهوري عن ترامب؟

25 ديسمبر 2018
+ الخط -
انتقد الرئيس السابق لمكتب التحقيق الفيدرالي (FBI)، الأميركي، جيمس كومي، أعضاء الحزب الجمهوري الذين ما زالوا صامتين ضد ممارسات الرئيس دونالد ترامب، وخصوصا استهتاره بدور القانون في الحياة العامة. كانت انتقادات كومي حادة للغاية، ومن داخل الكونغرس، على الرغم من أنه مسجل عضوا في الحزب الجمهوري، كما أنه ردّد مراتٍ أن هذه الانتقادات لا تعني أن تكون جمهوريا أو ديمقراطيا، وإنما تعكس كونك مؤمنا بالقيم الديمقراطية أم لا، لأن احترام القانون يعتبر جوهر هذه القيم الأميركية. 
استغل الرئيس ترامب الحزب الجمهوري، للوصول إلى سدة الرئاسة الأميركية، ولولا الحزب طبعا لم يكن ترامب ليصل إليها، فلو ترشح عبر حزب ثالث لم يكن لينجح، أو تكتب له الدعاية التي مكّنته من ضمان ترشيح الحزب، ومن ثم ربح السباق إلى البيت الأبيض.
بدأ كثيرون اليوم يحللون أثر وصول ترامب على مستقبل الحزب الجمهوري، خصوصا بعد خسارة مجلس النواب خسارة تاريخية، ولكن مع احتفاظٍ بمجلس الشيوخ، فبعد احتساب الأصوات النهائية من انتخابات 2018، تؤكد النتائج أن الديمقراطيين سحقوا الجمهوريين بشكل تاريخي لم يتكرر كثيرا خلال تاريخ الانتخابات النصفية، فقد حصل الديمقراطيون على مكاسب صافية بلغت 40 مقعدًا، وهذا يعد أكبر كسب للديمقراطيين في مجلس النواب منذ عام 1974، وهو مكسب أكبر للديمقراطيين من الانتخابات النصفية في عامي 1982 و2006.
 ويمكن العودة إلى أبعد من ذلك، ونرى كم كان استثنائياً فوز الديمقراطيين بهذا العدد الكبير من المقاعد، فبالعودة إلى المرحلة الأولى للانتخابات بعد الحرب العالمية الثانية (1946)، لم يكن هناك سوى ثلاثة انتخابات، فاز فيها الديمقراطيون بمقاعد أكثر مما حصلوا عام 2018. وبعبارة أخرى، كان هذا هو رابع أفضل أداء للديمقراطيين في انتخابات مجلس النواب العامة، منذ ولادة الرئيس دونالد ترامب.
وبطريقةٍ أخرى للحكم على الانتخابات، هي عدد الأصوات التي يفوز بها كل جانب. يصل عدد المصوتين للحزب الديمقراطي في التصويت الشعبي في مجلس النواب إلى نسب تاريخية. ووفقًا لعدد الأصوات الواردة في تقرير كوك السياسي، يتمتع الديمقراطيون الآن برصيد 8.6 نقاط. بالنسبة للحزب الذي كان في الأقلية في مجلس النواب، لأن حزب الأغلبية الذي يحظى بالشعبية يحظى بحماية جزئية من حقيقة أن الأعضاء الحاليين يتلقون دفعة مقارنة بالمرشحين الآخرين.
الفوز الذي حققه الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي للرئاسة هذا العام، والذي يبلغ 8.6 نقاط، هو الأكبر على الإطلاق لحزب الأقلية الذي يتوجه إلى الانتخابات. يعود هذا التاريخ إلى عام 1942، عندما بدأ التسجيل للتصويت في مجلس النواب، ضمن إحصائيات ما بعد الانتخابات. وهذا يعني أن الأداء الديمقراطي هذا العام كان أفضل من أداء حزب الأقلية في الانتخابات الـ38 السابقة.
وفاز الديمقراطيون بهامش أوسع هذا العام مما حققه الديمقراطيون في عام 2006، أو فعل الجمهوريون في عام 1994 أو 2010. لقد تغلبوا على الرقم القياسي السابق البالغ 8.5 نقاط الذي فاز به الجمهوريون عام 1946. والأهم أن الديمقراطيين لم يفوزوا فقط لأن نسبة المشاركة في الانتخابات كانت منخفضة. شهد هذا العام أعلى نسبة إقبال على التصويت في أي انتخابات نصفية بنسبة 50.1%. وكانت نسبة المشاركة حوالي 35 مليون شخص عما كانت عليه قبل أربع سنوات، عندما قام الجمهوريون بتوسيع أغلبية مجلس النواب. وسمح الإقبال الكبير في انتخابات عام 2018 للديمقراطيين في مجلس النواب بالفوز بحوالي عشرة ملايين صوت أكثر من الجمهوريين في مجلس النواب، وهذا هو أكبر هامش تصويت في انتخابات نصف مجلس النواب على الإطلاق. ولذلك يمكن القول إن هذه الانتخابات كانت تسونامي للحزب الديمقراطي.

هل سيقرأ الحزب الجمهوري هذه النتائج بعناية؟ وهل يمكن له أن يوقف هذا التدهور التاريخي؟ المشكلة اليوم في الحزب الجمهوري أنه فقد ما يسمى Center أو المركز، أو يستخدم بعضهم تعبير Mean Stream، يعني التيار الرئيسي داخله، فصحيح أن الأحزاب في الولايات المتحدة يطلق عليها اصطلاحا أحزاباً، لكنها في الحقيقة أقرب إلى ائتلاف حزبي Coalition، فكلا الحزبين يعبران عن تحالف طبقي اجتماعي واقتصادي وسياسي، يضم إثنيات وأقليات أميركية مختلفة، يجمعها فقط تعبير الحزب عن مصالحها، لأنها تعرف تماما أن وجودها منفردا لن يضمن مصالحها في هذه القارة الشاسعة التي تضم خمسين ولاية، وتمتد آلاف الأميال، وبالتالي لا بد لها، ولأسباب ذرائعية محضة، أن تدخل في تحالف حزبي، يعبر عن الحد الأدنى من المصالح التي ترغب بها، فالحزب الجمهوري بات يضم الملاك وأصحاب العقارات والمحافظين والمتدينين على اختلاف أديانهم، الأنغليكانيين منهم خصوصا ومعارضي الإجهاض وحقوق المثليين وغيرهم. وكما نجد أن هناك ائتلافا عريضا يضم كل حزب، فإن ما يدفعهم إلى الدخول في هذا الائتلاف، رغبتهم في هزيمة الطرف الآخر ذا الائتلاف الواسع. ولتحقيق ذلك، لا بد من ائتلاف واسع أيضا قادر على هزيمة الطرف الآخر.
المشكلة اليوم في الحزب الجمهوري، بعد وصول ترامب إلى الرئاسة، أنه فقد مركزه تماما، وبدا ائتلافه متصدعا للغاية، وغير قادر على تمييز الوسط، فهناك داخل الحزب ما يسميه Volatility آخذا من علماء الاقتصاد، وتعني التذرر. وأعتقد أن الظواهر الثلاث التي شهدها الحزب في السنوات العشر الأخيرة تعبير واضح عن هذا التذرّر الكبير. وهو الحزب الذي ولد، في نسخته الحديثة، على يد الرئيس الأميركي، أبراهام لينكولن، الذي يعتبر في نظر معظم الأميركيين من أعظم ثلاثة رؤساء مروا على تاريخ الولايات المتحدة، وهو صاحب المقولة الشهيرة إن "هذا البلد لا يحكم إلا من الوسط". ولذلك كان أعداؤه ينتقدونه باستمرار بأنه ثوري، لكن كان يصر على أنه إنما يريد العودة بأميركا إلى ما كانت عليه في عهد الآباء المؤسسين. الطريف اليوم أن ينتهي هذا الحزب الجمهوري بسبب عدم احترام أتباعه حكمة مؤسّسه الأول.
BCA0696E-8EAC-405E-9C84-3F8EA3CBA8A5
رضوان زيادة

كاتب وباحث سوري، أستاذ في جامعة جورج واشنطن في واشنطن