هل يبادر نتنياهو إلى تفجير الجبهة الشمالية؟

هل يبادر نتنياهو إلى تفجير الجبهة الشمالية؟

21 نوفمبر 2018
أكّد نتنياهو أنّ إسرائيل ستواصل "المعركة" (فرانس برس)
+ الخط -

لمّح رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، منذ انتهاء جولة التصعيد الأخيرة مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهو التطور الذي أفضى إلى توليه وزارة الأمن بعد استقالة أفيغدور ليبرمان، إلى أنّ إسرائيل تتّجه إلى إحداث تحوّل في سياساتها الأمنية في المستقبل القريب، بهدف مواجهة تحديات تؤثّر على واقعها الاستراتيجي. وقد عمد نتنياهو خلال الـ72 ساعة الأخيرة إلى تكرار عبارة "إسرائيل في مواجهة تحديات أمنية واستراتيجية تتطلّب من الشعب أن يكون مستعداً للتضحية" أربع مرات. وبواسطة هذه الحجة، تمكّن نتنياهو من محاصرة قادة حزب "البيت اليهودي"، وإجبارهم على التراجع عن التهديد بالاستقالة من الحكومة، ناهيك عن أنّ التحوّلات الأمنية "الوشيكة" التي ينذر بها رئيس الحكومة الإسرائيلية أقنعت قادة المستوطنات في محيط قطاع غزة بتغيير موقفهم من سياسات حكومته، وباتوا يشيدون بالمسؤولية التي يبديها، على الرغم من أنهم كانوا الأكثر صخباً في انتقادهم له بسبب سلوك إسرائيل في جولة التصعيد الأخيرة ضد المقاومة في غزة. ونظراً لأن حديث نتنياهو عن أنّ إسرائيل ستواصل "المعركة" جاء بعد التوصّل لوقف إطلاق النار مع المقاومة إثر جولة التصعيد الأخيرة، التي أثار أداء جيش الاحتلال خلالها انتقادات واسعة وتوجيه اتهامات للمستوى السياسي والعسكري بالمسؤولية عن تهاوي قوة الردع الإسرائيلية، فإنّ هذا قد يدفع للاعتقاد، وللوهلة الأولى، بأنّ نتنياهو يقصد أنّه معني بترميم الردع من خلال عمل مفاجئ ومباغت ضدّ المقاومة الفلسطينية في غزة.

لكنّ نتنياهو يعي تماماً أنّ كل المحاذير الاستراتيجية التي دفعته إلى تجنّب الانجرار لمواجهة شاملة مع المقاومة في غزة حتى الآن ما زالت قائمة، وعلى رأسها غياب المصالح الإسرائيلية في القطاع، والخوف من التورّط في "الوحل" الغزي نظراً لعدم وجود طرف ثالث يمكن أن يتولّى مقاليد الأمور في القطاع، ناهيك عن وعي نتنياهو بأنّ بقاء مظاهر الأزمة الاقتصادية والإنسانية في القطاع سيقلّص من تأثير أيّ عمل عسكري ضدّ المقاومة هناك.

لكن في المقابل، فإنّ إسرائيل بعد جولة التصعيد الأخيرة قد تبدي أقلّ قدر من الصبر إزاء أي أنماط سلوك قد تصدر من غزة وينظر إليها على أنها تهديد لإسرائيل، سواء إطلاق صواريخ وقذائف، أو حتى القيام ببعض نشاطات حراك مسيرات العودة، مثل اختراق المنطقة العازلة واستخدام البالونات الحارقة. ناهيك عن أنّ إسرائيل قد تستخدم قدراً أكبر من قوة النيران في حال تفجّر تصعيد مستقبلي مع المقاومة، وذلك بهدف ترميم الردع من جانب، واسترضاء الرأي العام الإسرائيلي من جانب آخر.

من هنا، ومن أجل تجنّب التصعيد، قد تلجأ إسرائيل إلى توظيف الدور المصري في إحياء المباحثات حول مسار التهدئة، لكن بحيث لا تتجاوز مخرجات هذا التباحث السماح بمواصلة تقديم المنحة القطرية لدفع رواتب موظفي حكومة غزة وتأمين الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء.


ومقابل كل ذلك، فإنّ هناك ما يدلّ على أنّ مواجهة التحديات على الجبهة الشمالية هي "المعركة التي لم تنته"، والتي تعهّد نتنياهو باستكمالها. وتدلّ الكثير من المؤشرات على أنّ فرص انفجار الجبهة الشمالية قد تعاظمت كثيراً أخيراً. فبحسب التقديرات الإسرائيلية، فإنّ إيران، التي تجلّدت واستوعبت على مدى أكثر من عام الغارات الإسرائيلية التي استهدفت وجودها في سورية، يمكن أن تلجأ إلى تفجير الجبهة الشمالية رداً على تعاظم وطأة العقوبات الأميركية واشتداد حدّة الحصار عليها.

وفي السياق، أشار معلّق الشؤون العسكرية في قناة التلفزة العاشرة، ألون بن دافيد، مساء الاثنين، إلى أنّ "الساحة الجغرافية للحدث الأمني الذي يتوقّع نتنياهو أن تضطر إسرائيل للتدخّل للردّ عليه، تقع خارج الحدود الإسرائيلية"، موضحاً أنّ "مخاوف تل أبيب تستند إلى تأويل الاستخبارات الإسرائيلية لنوايا الأطراف المرتبطة بهذا الهدف"، من دون أن يسمّي البقعة الجغرافية والأطراف المرتبطة بهذا الحدث المتوقّع.

وعلى الرغم من أنّ جميع التقييمات التي قدمتها محافل التقدير الاستراتيجية في إسرائيل قد أجمعت خلال العامين الماضيين على أنّ كلاً من إيران و"حزب الله" غير معنيين بتفجير الأوضاع في سورية ولبنان، إلا أنّ تحولاً طرأ على هذه التقديرات بعد بدء تنفيذ الموجة الجديدة من العقوبات الأميركية على طهران. ومما يزيد الأمور تعقيداً بالنسبة لإسرائيل، حقيقة أنّ هذه المخاوف تتعاظم في ظلّ قطيعة شبه تامة مع موسكو ومجاهرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدم رغبته في لقاء نتنياهو. ناهيك عن أنّ هامش المناورة الذي تتمتع به إسرائيل في سورية تقلّص إلى حدّ كبير بعد سقوط الطائرة الروسية قرب اللاذقية قبل 3 أشهر.

في الوقت ذاته، فإنّ ادعاء إسرائيل أنّها تملك معلومات تفيد بأنّ "حزب الله" يقيم مصانع لإنتاج صواريخ ذات قدرات إصابة دقيقة، يفاقم خطورة تبعات أي مواجهة على الجبهة الشمالية، إذ إن دقّة الإصابة ستكمل مزايا أخرى خطيرة لترسانة الصواريخ التي يملكها "حزب الله"، وتتمثّل في المدى الطويل لهذه الصواريخ ورأسها التفجيري الكبير، وهذا ما يفاقم من خطورة استخدامها. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تمثّل دعوة نتنياهو لـ"الشعب بالاستعداد للتضحية" مؤشراً على أنّ لديه نيّة المبادرة بشنّ هجوم لضرب مصانع هذه الصواريخ التي استغلّ كلمته الأخيرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة للتحذير منها؟ أم أنه بصدد تنفيذ حملة واسعة ومكثّفة لضرب الوجود الإيراني في سورية؟ أو أنّ تل أبيب بصدد العمل في سورية ولبنان معاً؟