هل من جديد في جعبة كيري؟

هل من جديد في جعبة كيري؟

08 مارس 2014
+ الخط -

هل من جديد يحمله جون كيري في زيارته الأردنية المفاجئة؟

قياساً بزيارات سابقة، له ولأسلافه، لا يبدو الأمر كذلك. فأي جديد يمكن أن يحصل بين كلام نتنياهو المتصلب في واشنطن قبل أيام، وأحاديث المسؤولين الفلسطينيين المتواترة بأن "اختراقاً" لم يحدث في سلسلة زيارات كيري المتعاقبة الى المنطقة، بما فيها آخرها.

لكن هل يأتي جون كيري إلى المنطقة من أجل أن يأتي، حسب قول لمحمود درويش، أم أنه "يليِّن"، مع كل زيارة، الموقف العربي (الفلسطيني خصوصاً) ويصنع رؤوس جسور بين ثلاثة تصوارت للحل: التصور الاميركي المتراجع يوماً بعد يوم عن مقررات "الشرعية الدولية" بخصوص القضية الفلسطينية بذريعة أن هناك مياهاً كثيرة جرت تحت الجسر مذ صدرت تلك القرارات، والموقف الفلسطيني "المتمسك" بما تقوله الشرعية الدولية في هذا الصدد نظرياً والمتراجع، خطوة خطوة، عملياً، ثم أخيراً الموقف العربي الذي لم يكن، حقاً، في يوم ما، في مصلحة الفلسطينيين، والذي انتهى الى أن يكون طرفاً ضاغطاً عليهم من أجل "إحراز" تقدم على صعيد هذه القضية المزمنة، والمملّة بالنسبة إلى كثيرين من "صناع" القرار العربي.

غريب أن يقفز كيري من الأزمة الأوكرانية، المرشحة لمزيد من الاشتعال، إلى العقبة لمقابلة العاهل الأردني. لا شكّ في أن الأمر يتجاوز قربه من المنطقة (كان في روما)، وأبعد، بالتأكيد، من أن يكون "توصيلة" لوزير الخارجية الأردني ناصر جودة الذي اصطحبه كيري على طائرته الى العقبة. هل قال نتيناهو شيئاً جديداً لأوباما، في لقائهما المباشر، غير ما قاله في خطاب "إيباك" البلاغي والمزيِّف في آن معاً، كما لاحظت ذلك صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية عندما خاطب عباس بالقول: "عليك الاعتراف بيهودية الدولة، بلا أعذار، بلا تأخير، لقد حان الوقت لتقول للفلسطينيين أن يتخلوا عن حلم إغراق اسرائيل باللاجئين. قل لهم بوضوح إنك مستعد لإنهاء الصراع".

***

هل يتمحور الخلاف في اتفاقية "الإطار" التي يعاملها كيري بوصفها سرّ الأسرار (حيث لم يتسرب منها شيء مقنع وسط أناس يعيشون على التسريب) بموضوع يهودية الدولة؟ اللاجئين؟ تبادل الاراضي؟ المستوطنات؟ القدس؟ نهر الأردن؟ هذه نقاط خلاف كل واحدة منها تحتاج، مع الاسرائيليين، الى دهرٍ من التفاوض، ويخرج المتفاوض معهم صفر اليدين.

لا يهوّن نتيناهو الأمر على أوباما ورسوله كيري. ولماذا يفعل وهو لم يلمس أي ضغط حقيقي عليه من سيد البيت الأبيض الذي لن تُذكَر ولايته (على الأغلب) بأي إنجاز يذكر.

وبدلا من ممارسة ضغوط فعلية على الحكومة الاسرائيلية، يحاول كيري أن يجد مخرجاً لمأزق "العملية السلمية" عند الطرف الآخر، الطرف الخاسر، سواء أبرم اتفاقاً يرضي اسرائيل أو لم يبرم، وخصوصاً عندما لا تكون لديه استراتيجية أخرى سوى مواصلة التفاوض. وضع يشبه ثور الساقية المصرية الذي يظل يدور ويدور حتى يخر صريعاً.

نحن لا نقول للسلطة الفلسطينية، ولعمودها الفقري حركة "فتح"، عودي الى العمليات العسكرية والمقاومة المسلحة. فهذا ليس خياراً متاحاً، فضلاً عن أكلافه الباهظة مع من يملك قوة تدمير لا يتورع عن فتح ترسانتها عند أوهى الأسباب. ليس هذا الخيار مطلوباً الآن. هناك خيارات "متحضّرة" أخرى: المقاومة السلمية مثلاً. ألا يجوز للفلسطينيين أن يذهبوا الى الشوارع كما فعل أشقاؤهم العرب؟

ألا يستطيعون التدرّج في خطوات نضالية سلمية وصولاً الى إعلان العصيان المدني؟

هل هذا الخيار مستحيل؟

ولكن، أيضاً، على الأردن، الذي يطير اليه كيري، أن يُعين الفلسطينيين على خيار كهذا. بل عليه (وهو المتخوف من إغراقه باللاجئين، على حد تعبير نتنياهو) أن يحرضهم على خيار كهذا. أن يجعله ممكناً ومتاحاً ولا "يشتغل فيهم" نيابة عن الاسرائيليين. فقد يعمد الاسرائيليون، مع التعقّد المتزايد، للوضع الفلسطيني، واستحالة الحل على مبدأ الدولتين، إلى أن يرحّل مأزقه الى الخارج.

هذا ليس تكهناً. إنها خطة اسرائيلية موضوعة في درج الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة.

***

لم تكن أميركا، أيام عزّها، قادرة على حمل ثلاث أو أربع بطيخات في يد واحدة، فكيف في مقدورها اليوم، وهي ترفل في عجزٍ سياسي لا سابق له؟

علينا أن نعرف ماذا ستفعل واشنطن في الأزمة الأوكرانية.

هذه هي أولويتها الآن. بعد ذلك ربما تتضح الصورة في سوريا وجوارها.

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن