ويواصل المتظاهرون في العراق احتجاجاتهم، منذ مطلع أكتوبر، مطالبين بانتخابات مبكرة وقانون جديد، في بلد تتفاقم فيه المشاكل الأمنية والاقتصادية منذ 2003، وتعرّضوا طيلة الأشهر الستة الماضية إلى "قمعٍ مفرط" بحسب منظمات حقوقية عالمية، أسفر عن مقتل نحو 700 متظاهر وجرح ما لا يقل عن 26 ألفا آخرين، إلا أنه في الأسابيع الماضية تراجعت أعداد المحتجين بسبب الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة العراقية بعد انتشار فيروس كورونا.
وبسبب تصاعد المد المدني وتراجع شعبية القوى السياسية التقليدية في عراق ما بعد نظام صدام حسين عام 2003، وهي بالعادة الأحزاب والقوى السياسية الإسلامية، تصاعدت معها حملات إعلامية لتلك القوى لشيطنة الحراك المدني وربطه بنظرية المؤامرة وغيرها من التهم التي باتت تتكرر بشكل أو آخر، واتهام قيادات وناشطين بالعمل المدني أو المطالبين بدولة المواطنة، والدولة المدنية بأنهم عملاء للخارج مثل دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة وبعبارة يُقصد منها الشتيمة هي "أبناء السفارات".
نائب رئيس الوزراء العراقي الأسبق بهاء الأعرجي، وهو من المقربين لرموز ما يُعرف بـ"الإسلام السياسي" في البلاد، حذر أمس الأربعاء، مما وصفه بالصراع المدني الإسلامي، مضيفاً في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية عراقية "كان صراعُ وجود الأحزاب السياسية بعد عام 2003 يتمثّل باستخدام الطائفية لغرض كسب عاطفة الجمهور، وبعد أن وقانا الله شرّها، وفي ظل التطورات السياسية وفشل الإسلام السياسي، سينشأ صراعٌ مدنيٌّ إسلاميّ لتبدأ بعد ذلك نهاية تلك الأحزاب الكارتونية".
وعن مدى واقعية افتراض الصراع بين الطرفين، قال السياسي العراقي ليث شبر، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الأحزاب العراقية التي حكمت منذ عام 2003، وتتمسك بالسلطة لغاية الآن انتهى دورها في التأثير، وقد استخدمت خلال السنوات الماضية جميع الطرق في كسب أصوات العراقيين، حيث عمدت طيلة الزمن الماضي إلى ضمان صوت العراقي في الانتخابات دون الاهتمام بضمان بقاء العراقي كمؤيد لها في برنامجها أو أهدافها، وهو ما أدى في النهاية إلى انهيار العلاقة الانتخابية بين الطرفين".
وبيّن "العراق رغم كل شيء، شعبيا، يتجه نحو الدولة المدنية، وعجلة التظاهرات عجّلت من هذا الاتجاه. وأعتقد أن الانتخابات المقبلة ستكون بداية النهاية للأحزاب الإسلامية في العراق، وصعود الأجيال المدنية الوطنية".
من جهته، أشار سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الصوت المدني لم ينخفض منذ سنوات، حتى في ظل تصاعد حملات القمع والاغتيالات لرموز الحراك الشعبي، ولكن شهد العراق خلال العامين الماضيين طفرة شبابية متطورة على مستوى الحراك الشعبي الرافض للقهر والظلم والفساد، ولكن من المهم أن نؤكد أن الصوت المدني مهما كان عالياً فهو لا يعني محاربة المعسكر الآخر، أي المعسكر الديني، سواء كان على شكل جماعات أو كيانات سياسية".
غير أنه تحدث عن احتمال "نشوب صراع سياسي بين الجبهات المدنية العلمانية الجديدة التي تنوي الظهور في المرحلتين الحالية والمقبلة"، مبيناً "أن الأهم من ظهورها هو مدى نجاحها، إذ إن الكيانات السياسية الجديدة ليس من المفترض أن تشترك بالانتخابات وتزاحم الأحزاب الدينية الحاكمة فقط، إنما لابد من أن تتوفر لديها المبادئ والمناهج التي تضمن استمراريتها في العمل السياسي وألا تكون حالة تتغير عند كل انتخابات انسجاماً مع المتغيرات كما سجري مع غالبية الأحزاب الحاكمة في العراق".
وفي الشأن، أوضح المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي، لـ"العربي الجديد"، أن "الوجود المدني في العراق ليس ضئيلاً ولكن ما يعاب عليه أنه فاقد التنظيم وبحاجة إلى ترتيب، كما أن عليه أن يدافع عن نفسه أكثر في ظل استمرار الحملات الممنهجة لتخريب صورته واتهامه بالعمالة وغيرها من التهم غير المنطقية والحقيقية".
ولفت إلى أن "الصراع السياسي مكفول للجميع طالما أنه يصب في خدم المصلحة العامة، وعلى ألا يكون بطريقة السخرية من المعتقدات الدينية، واليسار بطبيعة الحال في كل المعتركات السياسية هو في صراع دائم مع اليمين".
ويرى الباحث العراقي، الحسن طارق، أن "الطريقة التي يدار فيها حكم العراق بالوقت الحالي تأخذ شكلا من أشكال الأوتوقراطية، حيث حكم الجماعة التي لا ثوابت لها، بدليل أن الأحزاب الإسلامية غيرت قوائمها الانتخابية إلى قوائم مدنية في انتخابات عام 2018، وأن الصراع بين المدنيين والإسلاميين لا يمكن أن يكون إلا بولادة أحزاب مدنية فعلية وإسلامية فعلية".
ويضيف في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "ثورة أكتوبر قلبت المعادلة وكشفت عن مدى أن يكون للمدنيين نفَس طويل للخلاص من الحكم الإسلامي في العراق فيما لو قرروا تنظيم أنفسهم والنزول إلى الانتخابات القادمة بهويتهم الحقيقية، وببرامج واضحة وصريحة تضرب كل الأسس التي وضعها الإسلاميون بعد 2003".