هل ستُفضي الأزمة إلى مواجهات عسكرية؟

هل ستُفضي الأزمة إلى مواجهات عسكرية؟

22 يوليو 2019
+ الخط -
تزداد حدة التوتر الحالي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، ويؤكد الطرفان أن كلا منهما قادر على إلحاق الضرر بالآخر، وهذا صحيح؛ فلإيران نفوذ في العراق وسورية ولبنان واليمن، ومن ثمّ يمكنها إثارة الفوضى وأعمال عنف في تلك الدول، خصوصا ضد القوات الأميركية في العراق. كما أن للولايات المتحدة نفوذا وقواعد عسكرية في المنطقة كلها، ويمكنها تدمير قواعد عسكرية ومنصات صواريخ وأسلحة وغيرها داخل إيران، وستكون الخسائر الإيرانية في حال المواجهة العسكرية كبيرة جدا، وربما ستتسبب في إحداث إرباك وقلاقل للنظام الإيراني ذاته، وهذا ما تعيه إيران جيدا، فالجانب العسكري غير متكافئ بين الطرفين. 
وعلى الرغم من أن كل السيناريوهات مفتوحة أمام هذه الأزمة، مثل نشوب مواجهات عسكرية أو انتهاء التوتر، بالوصول إلى اتفاق مرضٍ للطرفين، خصوصا الولايات المتحدة أو غيرها، إلا أنني أستبعد المواجهة العسكرية، وأرجح كفة خفض التوتر والوصول إلى اتفاق، لأن المواجهات العسكرية ليست في صالح دول المنطقة جميعها، خصوصا إيران، نظرا للخسائر الرهيبة التي قد تنتج في هذه الحالة.
ونظرا لخطورة الأزمة، ومحاولة احتوائها قبل تفاقمها بشكل أكبر، زار مبعوث الرئيس الفرنسي، إيمانويل بون، طهران، والتقى المسؤولين الإيرانيين هناك، لبحث كيفية حلحلة الأزمة، وقال المبعوث إنه سيناقش الأزمة مع المسؤولين الأميركيين، ومن ثم أعلن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، خلال اللقاء، أن بلاده تركت باب التفاوض والدبلوماسية مفتوحا، وأعرب عن أمله في تنفيذ جميع الأطراف بنود الاتفاق النووي، كما أعرب وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، عن ترحيبه بأي جهد لخفض التوتر.
يقول المسؤولون الإيرانيون ما لا يفعلون، فهم يعلنون استعدادهم للحرب، إذا ما فُرضت عليهم، وفي الوقت نفسه يرحبون بأي جهود لخفض التوتر، وهذا يعكس أن إيران تعلم تماما أنها غير مستعدة للمواجهات العسكرية، وما تقوم به مجرد حفظ ماء الوجه، خصوصا بعد احتجاز ناقلة النفط الخاصة بها في مياه جبل طارق من قبل البحرية البريطانية تحت زعم أنها (الناقلة) كانت تحمل نفطا لسورية، ولذا تحرشت طهران بناقلة نفط بريطانية في مضيق هرمز، في رد فعل، لكنها لم تجرؤ على احتجازها، لأنها تعلم أن هذا التصرف كان سيزيد الأمر سوءاً، هي أرادت فقط أن توصل رسالة أنها موجودة، ويمكنها احتجاز أي ناقلة، وهذا غير صحيح واقعيا.
تؤكد طهران أن التزامها بالاتفاق النووي مرتبط بالتزام الأطراف الأخرى به، ومن ثم تطالب بتنفيذ ما جاء في الاتفاق، فيما يتعلق برفع العقوبات المفروضة عليها، خصوصا من واشنطن، ولذا أعلنت، خطوات تصعيدية، عن زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم حتى 20%، متجاوزة بذلك الحد المسموح في الاتفاقية.
صحيح أن إيران تحاول الخروج من الأزمة التي فرضتها عليها الولايات المتحدة من خلال العقوبات الاقتصادية القاسية التي سببت خسائر كبيرة للاقتصاد الإيراني على مدى الفترة الماضية، لكن الخيار العسكري ليس نزهة لكل الأطراف، فليس من الحصافة أبدا، أو العقلانية، أن تقدِم إيران على إغلاق مضيق هرمز الحيوي الذي يعتبر الممر المائي الوحيد الذي يربط الخليج العربي بالمحيط الهندي، حيث يُنقل من خلاله نحو 40% من الإنتاج العالمي من النفط الخام المنقول عن طريق البحر وحوالى 90% من الصادرات النفطية لمجلس التعاون الخليجي إلى أسواق رئيسية، مثل اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية وسنغافورة.
تسعى سياسة إيران التصعيدية إلى الضغط على الولايات المتحدة، من أجل رفع العقوبات، وذلك بالإعلان عن نيتها إغلاق المضيق، إذا مُنعت من استخدامه بسبب العقوبات المفروضة عليها، خصوصا قطاع النفط، وتقوم بالتحرش بالسفن التي تمر في المضيق، آخرها ناقلة النفط البريطانية، وتحاول، في المقابل، واشنطن ممارسة مزيد من الضغوط على إيران، من أجل الوصول إلى اتفاق نووي جديد، يجرد الأخيرة من امتيازات حصلت عليها من خلال الاتفاق الحالي الذي تم التوقيع عليه في عام 2015.
فإذا أغلقت إيران المضيق، تتضرر مصالح دول المنطقة التي لن تقف صامتة أمام هذه الخطوة، ولذا من المؤكد أن تستخدم السعودية والإمارات وغيرها، طيرانها العسكري بجانب القوات الأميركية ضد إيران، في حال المواجهات العسكرية.
في النهاية، لو كانت الحرب الخيار الوحيد لما تردد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في قصف إيران، بعد إسقاطها طائرة مسيرة أميركية، فالفرصة كانت سانحة له، وكان القرار الأخير بيده هو، لكنه ألغى الضربة قبل تنفيذها بعشر دقائق بزعم خوفه من مقتل مدنيين، فأميركا مستفيدة من هذا الوضع لإيهام دول المنطقة بأن هناك قلقا من جراء سياسة إيران، ومن ثم تستطيع الحصول على أموال أكثر.
ولو تقدر طهران على إغلاق المضيق لفعلت من دون التلويح به مرارا وتكرارا، لكن كلا الطرفين يحاول ابتزاز واستفزاز الطرف الآخر، بيد أن إيران هي الخاسر في الحالتين، في الوضع الحالي في ظل العقوبات التي أطبقت على أنفاسها، وفي حال الاضطرار إلى مواجهات عسكرية، لكن أيهما أخف ضررا للإيرانيين؟
35E98AD5-B5CC-4ED9-8456-9E757234C3BB
35E98AD5-B5CC-4ED9-8456-9E757234C3BB
حاتم محمود خضر (مصر)
حاتم محمود خضر (مصر)