هل تورّط السفارة الأميركية ترامب كما فعلت لكارتر؟

هل تتكرّر لعنة السفارة الأميركية مع ترامب كما حصل لكارتر؟

02 يناير 2020
يواجه ترامب عاماً انتخابياً صعباً (نيكولاس كام/فرانس برس)
+ الخط -
في النهاية، تنفست واشنطن الصعداء مع التراجع عن محاولة اقتحام السفارة الأميركية في بغداد. هجمة فاجأتها واستحضرت شبح احتلال السفارة الأميركية في طهران عام 1979، واحتجاز دبلوماسييها لمدة 444 يوماً. يتخوّف البيت الأبيض من ورطة تتسبب بخسارة الرئيس دونالد ترامب للانتخابات، كما جرى مع الرئيس جيمي كارتر، الذي ساهمت أزمة السفارة آنذاك، في هزيمته وحرمانه من تجديد رئاسته. سيناريو لا يتحمل ترامب تكراره في عام انتخابي صعب، يواجه فيه محاكمته أمام الكونغرس.

بهذه الحسابات، تحركت الإدارة لتفادي الأدهى وتقليل الخسائر. الكرة صارت في ملعبها، والبيت الأبيض بات أمام خيارين: "المواجهة أو الدبلوماسية" مع إيران، التي تقف وراء عملية السفارة، كما قال ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، والذي عزا التصعيد إلى "انسحاب ترامب من الاتفاق النووي معها". مأزق البيت الأبيض أن الخيار الأول غير وارد عنده، وقد تراجع بسرعة عن "تهديده" الصريح بعمل عسكري، ليشدد في المقابل على تفضيله للخيار الثاني، الذي بدا أنه حظي بشيء منه، عبر فك الحصار عن السفارة، مع غض النظر عن التخريب الذي تعرض له جزء من مجمّعها. وفي بعض التلميحات، أن فرنسا قد تكون لعبت دوراً في حمل طهران على الإيعاز بإنهاء العملية. كريستوفر هيل، السفير السابق في العراق، حثّ على "توسيع" الدور الدبلوماسي الفرنسي. إشارة مبطنة إلى فعالية هذا الدور. ويأتي ذلك وسط تنامي الدعوات للعثور على "مخرج تفاوضي" يضمن خفض التوتر والخروج من دوامة المصادمات المتقطعة والمفتوحة على انفجار محتوم، إذا بقيت على مسارها الراهن. ولوحظ أن هذه القناعة بدأت تتوسع رقعتها. حتى صقور المحافظين، مثل السناتور ليندسي غراهام، نأوا عن لغة التحريض الصريح ضد إيران، على الرغم من تحميلها مسؤولية الهجوم على السفارة. على الأقل لأن اللحظة السياسية لا تسمح بمجابهة قد ترتد تداعياتها على الرئيس الذي تفرد بقرار الضربة الجوية، وتحديد حجمها ومكانها، من دون التشاور مع بغداد، ومن غير إعداد أو استعداد للتعامل مع ردة الفعل عليها.

ومن الأدلة على استبعاد الخيار العسكري، أن الخطوات التي اتخذها البنتاغون بقيت في نطاق دفاعي محدود، اقتصر على تعزيز قوة الحراسة للمجمّع بإضافة 750 جندياً. وسرت إشاعات حول قرار بإرسال 4 آلاف، لكن من غير تأكيد. اكتفوا بالقول إن الادارة تعمل على "توفير الإمكانات اللازمة". كما تحدثت معلومات عن إرسال قطع بحرية أميركية إضافية إلى مياه الخليج. لكن يبدو أن التلويح بالحشود كان من مقتضيات تعزيز المساعي والاتصالات الرامية إلى العثور على صيغة تضمن الرجوع عن حافة الهاوية بالانسحاب من محيط مجمّع السفارة الأميركية، الأكبر في العالم. مخرج حفظ ماء الوجه قدر الإمكان، خصوصاً لإدارة ترامب، لكنه ردّ الأمور إلى نفس المعادلة التي أنتجت الأزمة وغيرها من قبلها. استراحة يعقبها تفقيس مشاريع مواجهات لاحقة، وبالتحديد فوق الساحة العراقية المرجحة أكثر من غيرها لتكون مسرح المصادمات. فهي تناسب إيران، التي تريد مقاتلة أميركا بالعراقيين، وفي ذات الوقت تناسب إدارة ترامب التي تريد من العراقيين مقاتلة إيران تحت زعم أنهم يقومون "بحماية "ضيوفهم" الأميركيين"، كما قال الوزير مايك بومبيو، الذي أبدى نقمة كبيرة على بغداد، مع أنه الأدرى بمحدودية قدرتها على التأثير في القرار. ولهذا لا يرى المراقبون في اقتحام السفارة سوى حلقة متقدمة في هذا الصراع. "فالمشكلة لم تنتهِ، وإرسال التعزيزات من قوات المارينز لن يحلها... ولا قتل المزيد من المليشيات".