هل تنجح ألمانيا بخفض التصعيد بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي؟

التنقيب عن الغاز بالمتوسط: هل تنجح ألمانيا في خفض التصعيد بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي؟

24 يوليو 2020
التنقيب عن الغاز في المتوسط أجج الصراعات (Getty)
+ الخط -

مع ارتفاع مستوى تشنج العلاقة، أخيراً، بين تركيا وبعض دول أوروبا، وسط الخلاف حول العديد من الملفات الأساسية، وبعدما لم يعد مقبولاً لدى الأخيرة أن ينتهك شريك حلف شمال الأطلسي (ناتو) حقوقها البحرية، تحركت ألمانيا، الرئيس الدوري لمجلس الاتحاد الأوروبي، للعمل على إعادة ترتيب العلاقة غير المنتظمة مع أنقرة وفق مقتضيات المرحلة، ولعدم انزلاق الأمور إلى عواقب لا تحمد عقباها، بعدما وصل الأمر إلى حد فرض مواجهة عسكرية مع اليونان على خلفية صراع التنقيب عن النفط في البحر المتوسط.

وذكرت صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية، اليوم الجمعة، أنّ مخزون الاحتياطات الضخمة من الغاز الطبيعي تحت قاع البحر الأبيض المتوسط، ووفقاً لتقديرات الولايات المتحدة، يكفي لإمداد بلد مثل ألمانيا لمدة 40 عاماً تقريباً.

وفي غمرة هذا الواقع، يبدو أنّ مدى شرعية توسيع تركيا لمناطقها البحرية للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، بات ملفاً ضاغطاً على برلين، إلا أنّ الأخيرة تريد أن تبقى على خطها الأكثر توازناً مقارنة بباريس التي تدعو إلى مسار أكثر مواجهة مع أنقرة.

وهذا ما برز في تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المنددة بانتهاك تركيا لسيادة اليونان وتضارب المصالح مع قبرص، داعياً إلى رد أوروبي على ما أسماها "استفزازات" أنقرة في الشرق الأوسط وبفرض عقوبات عليها، فيما تتهمه تركيا من جهتها بتقويض فرص السلام في ليبيا.

في المقابل، ترى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنّ "هناك حاجة إلى استراتيجية متماسكة مع تركيا، كما يجب أن تشمل سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه أنقرة مجموعة من القضايا من سورية إلى ليبيا".

وتبادلت أثينا وأنقرة، قبل أيام، تهديدات عسكرية على خلفية الصراع القائم حول الموارد الطبيعية في المتوسط. ووجّهت أنقرة بنقل سفينة حفر للتنقيب عن الغاز الطبيعي في المنطقة المتنازع عليها، ما اعتبرته السلطات في أثينا خرقاً لسيادتها، ووصل الحد بوزارة الدفاع اليونانية إلى منع السفن التركية من الحفر إذا لزم الأمر عن طريق طلقات تحذيرية أو قطع الكابلات، ووضع الجيش اليوناني في حالة تأهب قصوى.

وفي هذا الصدّد، ذكرت صحيفة "بيلد" الألمانية أنّ 18 سفينة حربية تركية كانت متّجهة إلى جزيرة كاستيلوريزو اليونانية، فيما تحركت سفن حربية يونانية باتجاه جزر البحر المتوسط، إلا أنّ ميركل لعبت دوراً حاسماً في لجم التوتر العسكري بين شريكيّ "الناتو"، عبر تواصلها هاتفياً مع كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس.

وتجدر الإشارة إلى أن اليونان لجات، في وقت سابق، إلى الفاتيكان، وطلبت التدخل لدى أنقرة بعد قرار الأخيرة إرجاع متحف آيا صوفيا، والذي كان قديماً كنيسة للمسيحيين الأرثوذكس، إلى مسجد "لأن ذلك سيعمق الفجوة بين الثقافة والأديان".

وفي خضم ذلك، جاءت زيارة لوزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، إلى اليونان قبل ساعات من طلب أثينا من الاتحاد الأوروبي دعماً، في الصراع مع تركيا.

وبعد لقاء مع نظيره اليوناني نيكوس دندياس، الثلاثاء الماضي، قال ماس إنّ "برلين مع احترام القانون الدولي، ومع أن التقدم في العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا ممكن فقط إذا امتنعت أنقرة عن الاستفزازات في شرق البحر المتوسط"، داعياً في الوقت نفسه إلى "استمرار الحوار النزيه والصريح مع تركيا"، من دون أن يتحدث عن عقوبات، فيما قالت وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كارنباور، أمس الخميس، إنها ستقوم باتصالاتها لمنع التصعيد.

وعن الوساطة التي يمكن أن تقوم بها الدول الكبرى في "ناتو" جراء التصعيد الحاصل في جنوب بحر ايجه،  أشار تقرير لـشبكة "دويتشه فيله" الألمانية إلى أن الولايات المتحدة "في وضع صعب"، فمن ناحية لديها نزاع مع تركيا التي قامت بشراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي "إس 400"، فيما تريد وبمساندة أنقرة قمع نفوذ موسكو في شرق البحر المتوسط وليبيا.

إلى ذلك، فإنّ تركيز واشنطن منصبّ حالياً على مناطق أخرى من العالم، وبخاصة منطقة المحيط الهادئ والصراع مع الصين، كما أنّ الاتحاد الأوروبي، وفق التقرير، غير قادر على تطوير مواقف مشتركة في السياسة الخارجية، ولا سبيل أمام الأطراف المتخاصمة سوى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وما على ألمانيا إلا أن تأخذ زمام المبادرة بحكم ثقلها وعلاقتها الجيدة مع جميع الأطراف.

من جهتها، تعتبر تركيا أنّ شرق البحر الأبيض المتوسط "وطنها الأزرق"، وفق تعبير صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية، وأنّ الجار، اليونان، لا يحق له الحصول على مناطق بحرية حول الجزر القريبة من البر الرئيسي.

وبيّنت الخارجية التركية، أخيراً، أنّ جزيرة كاستيلوريزو تقع على بعد كيلومترين فقط من الساحل التركي وتبعد 580 كيلومتراً من البر الرئيسي في اليونان، وبالتالي فإنّ مطالبات أثينا "ليست عقلانية ولا يغطيها القانون الدولي"، وفق ما نقلته صحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية.

يذكر أنّ عام 1996، كانت آخر مرة وصلت فيها تركيا واليونان إلى شفا الحرب، ومنذ ذلك الوقت والنزاع الإقليمي في بحر إيجه لم يتم حله، وبقي الطرفان، وعلى مدى عقود، مختلفين حول ترسيم الحدود، ولم توقع تركيا على الاتفاقية الدولية لقانون البحار وترفض السيادة اليونانية على البحر المذكور وتعتبره مناطق نفوذ تركية، عدا ذلك فهي تعتبر المنطقة الواقعة شرقي المتوسط حول قبرص وعلى بعد حوالي 200 كيلومتر من البر تابعة لسيادتها.

وقالت البروفسورة في القانون الدولي في جامعة "كيل" الألمانية نيله ماتز لوك، في حديث مع "دويتشه فيله" الألمانية، إنه ولو دخل الاتفاق المبرم بين تركيا وحكومة "الوفاق" الليبية حول ترسيم الحدود البحرية، أخيراً، حيز التنفيذ، لا يمكن أن يكون للاتفاق أي تأثير على حساب الطرف الثالث، أي على الأقل لا تأثير قانونياً على اليونان".

وأضافت أنه "إذا ما قررت أنقرة وأثينا ونيقوسيا اللجوء إلى مؤسسة مستقلة للتوصل إلى تسوية، فإنّ محكمة العدل الدولية في لاهاي و محكمة التحكيم الدولية يمكنهما طرح حل مؤقت يقوم على الاستخدام الاقتصادي المشترك للمناطق البحرية المتنازع عليها، ومن الناحية العملية يمكن أن تصبح الإدارة المشتركة في نهاية المطاف حلاً دائماً".

المساهمون