هل تنتهي مشاكل التعليم في مصر بتطبيق "التوكاتسو"؟

هل تنتهي مشاكل التعليم في مصر بتطبيق "التوكاتسو"؟

15 مايو 2017
تقوم التجربة اليابانية على تنمية كافة جوانب الشخصية (Getty)
+ الخط -
عقدت وزارة التربية والتعليم المصرية مؤتمرا، الشهر الماضي، حول تطبيق التجربة اليابانية في التعليم المصري، كما أصدر طارق شوقي وزير التربية والتعليم، قرارا وزاريًا ينص على إنشاء مدارس رسمية نموذجية تسمى المدارس المصرية اليابانية، تطبق المناهج المصرية، بجانب الأنشطة اليابانية المعروفة بـ"التوكاتسو" بجميع مراحل التعليم.

وكانت رشا شرف، مدير المشروع، قد صرحت خلال المؤتمر أن التجربة تم تطبيقها بالفعل في 12 مدرسة العام الماضي، وتستعد الوزارة بالتعاون مع اليابان في التوسع في أعداد المدارس المصرية التي تطبق النظام الياباني بافتتاح 45 مدرسة بداية من العام الدراسي 2017- 2018 كمرحلة أولى، وافتتاح 55 مدرسة العام المقبل كمرحلة ثانية بحيث يتم تطبيق التجربة في 212 مدرسة خلال الأربع سنوات القادمة مدة إشراف دولة اليابان على التجربة ومن ثم تفعيلها في أكبر عدد ممكن من المدارس.

وتابعت شرف، في تصريحاتها، أن هذه المدارس تم إنشاؤها على الطراز الياباني فالفصل واسع وبه بابان باب للدخول وآخر للخروج، وسبورتان إحداهما للعملية التعليمية والأخرى لتحديد المهام، ويتوفر في كل فصل مجموعة من الدواليب بحيث يكون لكل طفل دولاب خاص به ولا يوجد بالمدرسة أجراس للتنبيه، يحل محلها ساعة حائط في كل فصل لتعليم التلاميذ إدارة الوقت بأنفسهم.



منهج التوكاتسو


نجاح التجربة اليابانية في التعليم وتميزها على مستوى العالم كان الدافع الأساسي وراء سعي

الدولة المصرية لنقل التجربة وتطبيقها في التعليم المصري، وتحديدا منهج "التوكاتسو"، الذي تعتمده اليابان في جميع مراحل التعليم ما قبل الجامعي، وهو نوع من الأنشطة التربوية وأسلوب حياة بالمدرسة يعنى بالتعليم الشامل للطفل ويركز على الأنشطة المكملة للمادة العلمية، ويهدف إلى تحقيق التنمية المتوازنة بين الجوانب الاجتماعية والعاطفية للطفل، وبث روح التعاون وروح الجماعة وترسيخ ثقافة الحوار المتبادل واحترام الآخر والثقة بالنفس ومهارات القيادة وتحمل المسؤولية تجاه المجتمع ومؤسساته بداية من الاهتمام بالنظافة الشخصية ونظافة المدرسة والأبنية التعليمية، ويأتي هذا كله في سبيل إعداد شخصية إنسانية متزنة ومتكاملة تستطيع أن تقود المجتمع وتطوره.

ولكن هناك العديد من التساؤلات حول تبني هذه التجربة، هل مجرد إدخال مناهج "التوكاتسو" يضمن إنقاذ التعليم في مصر وخاصة بعد خروجها من قائمة التصنيف عالميا في جودة التعليم، وهل هذا المنهج يضمن إعداد أجيال متميزة أخلاقيا بمجرد اعتماده أم أنه يحتاج إلى تعاون منظومة متكاملة بداية من إعداد وتدريب معلم جيد إلى تغيير ثقافة مجتمع بأكمله، وهل حجم الإنفاق الحالي على التعليم قادر على خلق بيئة تعلم كاملة تربويا وتعليميا وتثقيفيا وترفيهيا؟





تعاون قديم

يقول رضا مسعد، رئيس قطاع التعليم السابق، لـ"العربي الجديد"، إن وزارة التربية والتعليم تتعاون منذ ما يزيد عن 15 عاما مع مؤسسة "جايكا" اليابانية وهي مؤسسة لها فروع كثيرة على مستوى العالم وهدفها نشر فكرة التعليم الياباني واعتمدت عليها في تدريب معلمين مصريين على بعض طرق التدريس المتميزة حتى تطور التعاون حاليا إلى فكرة إنشاء مدارس

على الطراز الياباني بعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لليابان في 28 فبراير/شباط 2016 باعتبار النظام التعليمي الياباني نظاما متقدما، الحفظ فيه أقل أو يكاد يكون معدوما والإبداع والابتكار أكثر، كما أن التجربة مبشرة لأن اليابان دولة متقدمة ونظام التعليم بها يشهد له العالم ويكفي أنه استطاع أن ينهض باليابان.

ويضيف: "لو استفدنا بشكل فعلي من هذا النظام بعيدا عن الشكليات سنخلق مجتمعا جيدا، كما أن فكرة إنشاء مدرسة أو اثنتين كبداية في كل محافظة، هي فكرة جيدة ومن الممكن أن تقود قاطرة التغيير نحو الأفضل في المستقبل، لأننا في أشد الحاجة لأن نتخلص تماما من نظامنا التعليمي خلال العشر سنوات القادمة وسيكون من حسن حظنا لو تم استبداله بنظام مثل النظام الياباني".

ويواصل رضا: "لتحقيق ذلك بنجاح لا بد أن تضع الوزارة نصب أعينها إعداد وتدريب المعلم بشكل جيد فلا تطوير بدون تدريب واستعداد طيب للتنفيذ وكذلك حل مشاكل المعلم وتحسين أحواله والحفاظ على الشكل المعلن لهذه المدارس لتفعيل التجربة وفقا لفلسفتها".

ويرحب علي راشد، أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة حلوان بفكرة استيراد منهج "التوكاتسو" من اليابان، ويقول لـ"العربي الجديد": المعلومات العلمية ليست مختلفة من دولة لأخرى ولكن المختلف هو القيم والأخلاق، واليابان تملك منهجاً رائعاً في الأخلاق والاحترام وحب النظافة، منهجاً ينمي جزءاً كبيراً من القيم المطلوب إعادة غرسها في المجتمع المصري.
فاليابان تربي الطفل فكريا واجتماعيا وخلقيا وفي المدرسة يستطيع أي تلميذ أن يبحث بنفسه عن المعلومة ويستفسر ويجرب ويسأل ويصبح المعلم مجرد مساعد وميسر للتلميذ لكي يعيش متعة التعليم والتعلم، وفي نفس الوقت رمزا حقيقيا للتفاني في العمل، ونجد الطفل الياباني يقضي عاما دراسيا مدته عشرة أشهر ولكنه عمل ممتع بالنسبة له يجد فيه الطفل ما يجعله يستقصي ويكتشف المعلومات بنفسه وبعدها يتأكد من النتائج، فهل نملك رفض منهج كهذا؟

غياب العدالة

وعلى جانب آخر يرفض دكتور كمال مغيث الخبير التربوي فكرة المدارس اليابانية المصرية من الأساس ويقول: لا يوجد ما يسمى بتطبيق تجربة دولة في دولة أخرى ولكن الأفضل أن يكون لكل دولة نظامها الخاص بها، فنظام التعليم يكون وثيق الصلة بالخلفية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبالتاريخ والقيم وبالمجتمع وفي نفس الوقت يلبي طموح ومطالب هذا

المجتمع، وبالتالي غير مستساغ أن نقول بأننا سننقل التجربة اليابانية في مجتمعنا لأن كل تجربة لها ظروفها وخصوصيتها ومدرسوها، فالمدرس في اليابان يتقاضى سبعة آلاف دولار شهريا فهل ستوفر مصر للمدرس هذا الراتب حتى تخرج بالمنتج المطلوب وبطالب يقّدر مدرسته ومجتمعه.

 

ويواصل مغيث: علينا أن نطور بأنفسنا نظامنا التعليمي وأن نعد معلمين مهرة لأننا بالفعل نمتلك أقساما في الكليات لتطوير المناهج واستخدام التكنولوجيا فلماذا لا نستفيد من هذه الخبرات بوضع نظام مصري خالص يستفيد من أخطائه ويراعي ظروفه، نظام يهتم بإعداد معلم راض عن مهنته وإنشاء مدرسة فعّالة يمارس فيها الطالب العديد من الأنشطة وكذلك وضع نظام لإدارة فعالة فلا ينتقل الطالب من فصل إلى آخر إلا إذا أنجز وحقق واستوعب ما عليه بإتقان.

ويشير مغيث: هذه المدارس ستصبح شكلا من أشكال المدارس الخاصة تبتعد حتى عن تحقيق العدالة بين طبقات الشعب، فليس عدلا أن نصب كل الجهد في مائة مدرسة ونترك 55 ألف مدرسة على مستوى الجمهورية وليس عدلا أن تلتحق بها نسبة لا تذكر دون باقي التلاميذ، فتعليم الأخلاق يقتضي زراعته في النشء بأكمله دفعة واحدة وليس اختيار عينة دون الأخرى.

 

المساهمون