هل تكتمل عاصفة الحزم؟

هل تكتمل عاصفة الحزم؟

29 مارس 2015

قوات سعودية قرب الحدود مع اليمن (26 مارس/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -

مع انطلاق عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن، أنبرت الأقلام تبارك وتبرر هذه الضربات، لكسب التعاطف الشعبي واستغلال الحدث لتحقيق أهداف متعددة، ومع اتفاق الكاتب مع ضرورة هذه الضربة الموجعة لحلفاء الحوثيين الرئيسيين، وأنها تمت ببراعة، واستطاعت أن تكتسب تعاطفاً وتفهماً دوليين، بعكس فشل النظام المصري، عندما ضرب مدنيين وأطفالاً في ليبيا، مع فشله أيضاً في إيجاد أي تعاطف عالمي، على الرغم من التلويح بورقة الإرهاب المحتمل التي بليت من كثرة الاستخدام. ولكن، دعونا نسبح ضد التيار قليلاً، لنحرر الأسباب الحقيقية وراء تلك العاصفة.

من أسباب لهذه الضربة، يراها بعضهم، أنها تمت لمساندة الشرعية الدستورية للرئيس اليمني المنتخب، عبد ربه منصور هادي، كما أنها جاءت رداً على التدخل غير المعلن لإيران في القضية، بمساعدة الحوثيين ومدهم بالسلاح، ولوقف هذا المد الشيعي الذي كاد يحول الهلال إلى قمر مكتمل. أما عن الشرعية، فيدحضها تأخر العملية نحو ستة أشهر، وتحديداً منذ سقوط صنعاء في أيدي الحوثيين من دون مقاومة في سبتمبر/أيلول 2014، أو عندما أعلن عبد الملك الحوثي في خطاب له يوم 20 يناير/كانون الثاني نصاً إن "طموحاتنا لا حدود لها والخيارات مفتوحة"، فلماذا لم يأت الرد عند ذلك كله؟ كما أن الحديث عن شرعية رئيس استقال في يناير/كانون الأول 2015 ثم عدل عنها، يعيد إلى الأذهان الموقف المصري من وجود رئيس ودستور ومجلس منتخب تم الانقلاب عليهم، مع حبس الرئيس بمباركة ومشاركة ودعم وتدبيرعدة دول من المشاركين في عاصفة الحزم. إذاً، الشرعية سبب واه وغير منطقي، وجل ما يقدمه هو تسويق دبلوماسي للضربة، فهادي المستقيل أضعف شرعية من مرسي الذي رفض الاستقالة، وتمسك بشرعيته.

وقبل التطرق للسبب الثاني، يجدر الوقوف عند نقطة مهمةٍ، تتعلق بنظام مجلس الأمن الذي يتأكد ضعفه ووقوعه تحت السيطرة الأميركية، فلم يخول مجلس الأمن التحالف الجديد ضرب اليمن، ولم تصدر قرارات من جامعة الدول العربية، كما أن التحالف تعدى تلك الدول بانضمام باكستان له، ولكن مباركة أميركا وفرنسا وإنجلترا تكفي للتدخل، وضرب أي أهداف في دول مستقلة، كما أن تلك الضربات، وإن حظيت برضا في المجتمع السني، إلا أنها أثارت تساؤلات حول التناقض في الوقوف مع شرعية ما وإسقاط غيرها، وحقن بعض الدماء ومباركة القتل في أماكن أخرى. لذا، لم نر مظاهرات شعبية مؤيدة لها، مع الإقرار بقبولها.

أما السبب الثاني للضربة، تدخل إيران وانحيازها الواضح للحوثيين، فقد تعدت المساعدات الإيرانية لنظام بشار الأسد من السلاح والعتاد والجنود ما تقدمه لهؤلاء في اليمن، وإن كان الدعم لهم على استحياء، فهو في الحالة السورية على رؤوس الأشهاد، مع وجود مقاتلين أيضاً من حزب الله اللبناني بجوار جيش بشار، كما أن القتل والحرق في سورية فاق ما يحدث في اليمن، وتخطى عدد اللاجئين السوريين حاجز الثلاثة ملايين. كل هذا لم يدع إلى وجود تحالف لوقف نزيف المسلمين أو وقف المد الإيراني في المنطقة، كما أن الحديث عن دماء المسلمين تدحضه، أيضاً، المذابح التي نفّذها الانقلابيون في مصر في ميداني رابعة والنهضة، أو الحروب المختلفة التي يشنها الجيش الصهيوني على غزة، ولم نسمع بمجرد التلويح بتحالف أو خروج طلعات جوية هنا أو هناك.

إذاً، الأسباب الحقيقية لعاصفة الحزم تتعدى الشرعية، أو حمل لواء السنة وحقن دمائهم، ووقف المد الشيعي المتوقع، وإنما السبب تهديد هذا المد الحدود السعودية بصورة مباشرة، والتي انشغلت فترة بوأد الربيع العربي، وتخيلت أن عدوها الرئيسي لن ينتهز الفرصة ويتوسع، لكنه فعل بسيطرته على العراق ووصل الآن إلى الحدود عبر اليمن، ولو اكتفى المد الشيعي بصنعاء وسورية والعراق ولبنان لهان الأمر، ولربما كان الحل السياسي هو المتوقع.

ولابد من الاعتراف بأن المملكة العربية السعودية قد نجحت في هذه العاصفة، من أكثر من وجهة، فهي لم تعتمد على (مسافة السكة) التي يقوم النظام الانقلابي في مصر بالتلويح بها كل فترة، نوعاً من الابتزاز يحصل به على مزيد من المنح والأموال (الرز)، فبدأت العاصفة من دون اشتراك للطائرات أو القوات المصرية، كما أنها أعطت هذا النظام الانقلابي درساً جيداً في كيفية عمل التحالفات، ففي وقت فشل فيه العسكر في مصر عسكرياً ودبلوماسياً في ضرب ليبيا، وفي محاولة عمل جيش عربي موحد لاجتياح ليبيا لمساندة نظام انقلابي وبرلمان منحل دستورياً، كانت المملكة تقوم بتحالف يضم دولاً غير عربية مثل باكستان، ويحظى بدعم دول كبيرة في المنطقة، مثل تركيا، ودعم دولي من دول كثيرة.

قد لا تكون عاصفة الحزم نهاية المطاف، وأغلب الظن ذلك. ولكن، هل تؤسس تلك العاصفة وهذا التحالف لنظام جديد يوقف مهزلة سورية، ويقف مع الشرعية أينما كانت؟ وهل تكتمل تلك العاصفة؟