هل تركت أميركا العالم لداعش؟

30 يونيو 2014
+ الخط -


ذات خطاب لوزير الدفاع البريطاني في أثناء الحرب العالمية الثانية، ونستون تشرشل، إلى قائد الأسطول البريطاني البحري، السير فيشر، يقول: "عزيزي فيشر: المطلوب من الأسطول، الآن في المدى المنظور، ضمان وصول البترول إلى بريطانيا العظمى، رخيصاً في حالة السلام، مؤكداً في حالة الحرب".

السياسة الأميركية في هذا لا تختلف كثيراً عن السياسة الإمبراطورية البريطانية السابقة، إذ اعتمدت النفط في مقدمة أولوياتها الاستراتيجية، وضرورة استمرارية إمداداته، في حالات الحرب، كما في السلم.

بعد النفط، تحل وتحتل إسرائيل، الطفل المدلّل لواشنطن، سلّم أولويات الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها قاعدةً متقدمةً يمكن الاعتماد عليها لتطبيق وفرض سياساتها، كونها إحدى أدوات النفوذ العالمي، بما يتوافق وكارتيل المال والأعمال في أميركا في حالات الحرب كما السلم.

مَن يعتقد أن أميركا تفرّط، بمنتهى السهولة، بهذه القواعد، وتسمح لمجموعة من المقاتلين بالتمدد عبر الحدود، بهذه السرعة، فارضين رؤيتهم على دول المنطقة، إنما هو فعلياً لم يقرأ من خط المسير التاريخي لسياستها، ولم يستفد منه. فأميركا تدافع عن سياساتها، وعن استراتيجياتها، خصوصاً في المناطق التي تدخل في صلب أمنها ومصالحها القومية، الممتدة عبر العالم، مسهمةً في ضمان سطوتها الأحادية.

أما الرأي القائل إن أميركا فوجئت بما يحصل على الساحة العراقية، كما فوجئت بما يحصل في سورية ومصر واليمن والسودان والبحرين والجزائر وتونس، وأنها مصابة بحالة من الرعب والذهول، كرد فعل ناتج عن خوفها على ينابيع البترول، باعتباره أحد عناصر استراتيجيتها، وخضوعها تحت رحمة المنظمات الجهادية، أسلحتها الفردية، فهو كذلك، ما زال متأثراً بسطوة الإعلام الموجّه أميركيّاً، والذي يشكل الصورة، بما يوائم مصالح القوى العظمى، والتي ترى في تضخيم مشكل داعش وأخواتها، وسيلة لفرض إرادتها ورؤيتها الجديدة للمنطقة، بما يتوافق مع استراتيجيتها. فلماذا لا تكون داعش، مثلاً، إحدى أدوات الحوار الإيراني ـ الغربي، والهدف من تضخيم سطوتها توفير شروط جديدة على أرض الواقع للحوار؟

واشنطن، كباقي القوى العظمى عبر التاريخ، تبدّل وتغيّر في محاور تكتيكاتها، بما يخدم استراتيجيتها الأساسية، لكنها لا تبدّل هذه الاستراتيجية.
من جانب آخر، المنظمات الجهادية، وعلى الرغم من البروباغندا الإعلامية المتضخمة التي صوّرت قوتها وبطشها ومقدرتها على زلزلة العروش والجيوش، لم ولن تصل إلى حدود فرض سيطرتها على منابع النفط الرئيسية في المنطقة. فكركوك، عملياً، خاضعة لسلطات الكرد الذين صدّروا، في الأسابيع الماضية، أولى شحناتهم النفطية إلى إسرائيل، من دون الرجوع إلى سلطة بغداد المركزية، والبصرة تقع تحت سيطرة مافيا ميليشيات التهريب، المرتبطة بحكومة المالكي، ومن خلفهما إيران.

المنظمات الجهادية، والسلفية، والعشائرية، التي تحارب، اليوم، في العراق وسورية، لا تملك فعلياً، خيوط الخطوط النفطية، وآبارها، وعمقها هو مجرد مساحات، حتى وإن كانت استراتيجية، لكنها محاصرة، ويمكن إسقاطها بسهولة، إن تم الاتفاق على ذلك بين القوى الحقيقية التي تشن المنظمات الجهادية حربها على أرض الغير، بالنيابة عنهما، وهنا أقصد تحديداً إيران والسعودية.

إضافة إلى ذلك، هناك الرسائل التي تطلقها داعش، بين فينة وأخرى، باتجاه الأردن، وتهديدها، بالويل والثبور، وعظائم الأمور للنظام، والردود التي يطلقها بعضهم، رداً على هذه التهديدات، تغفل حقيقة أن حماية حدود الأردن وعمقه وأمنه ضرورة ومصلحة أميركية، ومصيرية إسرائيلية، لا يمكن التفريط بها، ولا مناقشتها. فأي تهديد للأردن، عملياً، كونها البلد شبه المستقر الأخير في المنطقة، هو تهديد لإسرائيل، ومن خلفها أميركا.

الولايات المتحدة، على الرغم من رسائلها، وتصريحات التحذير التي يطلقها ساستها، وفي مقدمتهم الرئيس باراك أوباما، القائلة بخطورة المرحلة على استقرار الأردن، ضمنياً هو يرسل برقيات تحذير للمنظمات، بضرورة التفكير الجدي بعدم الاقتراب من الأردن، كما يرسل برقيات موازية لإسرائيل، ذات الحدود الطويلة مع الأردن، بأن أمنك واستقرارك كانا وما زالا في صلب السياسة الخارجية الأميركية، ولا يمكن التفريط بهما. إذن، هل من العقل أن تترك أميركا المنطقة لداعش، وشقيقاتها بهذه السهولة؟

avata
avata
خالد عياصرة (الأردن)
خالد عياصرة (الأردن)