هل تذهب مصر إلى الحرب في ليبيا؟

هل تذهب مصر إلى الحرب في ليبيا؟

03 يوليو 2020
+ الخط -

ظهر الرئيس المصري، الجنرال عبد الفتاح السيسي، أخيرا، وسط الجنود والقوات في المنطقة الغربية، مستعرضا الجنود والمعدات العسكرية، طالبا منهم الجاهزية للدفاع والذود عن أمن مصر القومي، حال تعرّضه للخطر. في الوقت نفسه، معلنا عما يسمّى الخط الأحمر، وهو يقصد الجفرة وسرت في ليبيا، لتكون منطقة عازلة بين الحدود الليبية والحدود المصرية. أعقبت ذلك موجة من التعبئة العامة، قادها الإعلام المصري المملوك للمخابرات، تمهيدا للدخول في الحرب في ليبيا للدفاع عن الأمن القومي المصري ضد الغازي التركي، كما يحلو للإعلام المصري أن يصفه. 

لكن الواقع ومعطيات الأرض تقول إن مصر لن تخوض حربا في ليبيا، وإن مصر قد انخرطت في حربٍ جزئيةٍ في الصراع الدائر في ليبيا من خلال دعم الجنرال المتمرد، خليفة حفتر، وقوفا ضد حكومة الوفاق ذات التوجه الإسلامي، من وجهة نظرها، إلى جانب تصدير النموذج المصري في الحكم إلي الدول المجاورة. ولم تراع القاهرة في ذلك اعتبارات عديدة، منها أن تصدير الشكل المصري في إدارة السلطة (جنرال على رأس السلطة، أو حكم المؤسسة العسكرية) بلدا مثل ليبيا هو عدم إدراك لطبيعة ليبيا، والتي تعتبر لا دولة بالمعني المتعارف عليه لتركيبة الدولة ذات المؤسسات. كما أنه يعكس عدم وجود رؤيةٍ لدى النظام المصري، أو إدراك لطبيعة المتغيرات التي يمر بها العالم، وتمر بها المنطقة. 

إيعاز روسيا إلى الجانب المصري الدخول في الحرب الدائرة في ليبيا هدفه تكوين حلف موالٍ لها

وانخراط مصر في حرب الوكالة تلك، إلى جانب حلف الثورة المضادّة في المنطقة (الإمارات والسعودية) جعل مصر تفقد موقف الوسيط النزيه، أو لعب أي دورٍ في حلحلة الأزمة مستقبلا، كما أنه فوّت على مصر فرصا دولية عديدة للتدخل وتشكيل جبهة دولية لإنهاء الحرب، فقد فوّتت مصر مؤتمر الصخيرات، ومن قبله مؤتمرات عديدة، ثم أخيرا مؤتمر برلين الدولي لإنهاء الحرب في ليبيا. كما أن انخراط مصر في دعم حفتر سهّل مهمة الأتراك الدخول في المعترك الليبي، فلو أن مصر اتخذت، منذ بداية الأزمة، دور الوسيط النزيه بين الأطراف المتصارعة، بالتعاون مع دول الجوار الليبي والقوى الغربية المختلفة، لقطعت الطريق أو صعّبت من سهولة الأتراك في أن يأتوا إلى ليبيا، فمصر حينما تكون في قوتها هي الدولة الإقليمية الوحيدة القادرة على أن توقف الغزو الأجنبي للمنطقة، ولكن مصر الآن تعاني تحت حكم الجنرال السيسي، وتحاصرها الأزمات من كل ناحية، وأصبح هناك فراغ وتراجع في دورها الإقليمي، تحاول كل من السعودية والإمارات أن تملأهما. 

الآن وبعد هزيمة الجنرال خليفة حفتر ولجوئه إلى القاهرة (أحد حلفائه) للإعلان عن مبادرة إنهاء الحرب هو بمثابة إعلان لهزيمة قواته وانتكاسة حلفائه، كما أنه أتى متأخرا، إلى جانب أن تلك المبادرة جاءت منفردة، وبحضور طرف واحد من دون الأطراف الأخرى، فضلا عن أن القاهرة لا تملك أي أوراق ضغط لتنفيذ مبادرتها أحادية الجانب التي ظهر الجنرال السيسي، بعد أيام من إعلانها، بين جنوده، متحدّثا عن خط أحمر، لو تم تجاوزه فسيكون هناك دفاع عن الأمن القومي المصري. وهنا، لو تم تجاوز هذا الخط الأحمر الذي رسمه السيسي منفردا، هل تدخل مصر الحرب، وترسل جنودا بأعداد كبيرة إلى ليبيا؟ ذلك لن يحدث، ودخول قوات مصرية إلى ليبيا معناه اعتراف مصر بتقسيم ليبيا إلى دولة شرقية وأخرى غربية، وفي ذلك تهديد كبير للأمن القومي المصري، في أن تكون هناك دولة منقسمة على حدودها، فمصلحة مصر في استقرار ليبيا، لما يمثله هذا البلد من امتداد للأمن القومي المصري، وسوق للعمالة المصرية. لكن لو حدث ودخلت القاهرة تلك الحرب (وهو ما أؤكد مجدّدا على استبعاد حدوثه)ن فالسؤال الذي يصير مطروحا: هل تملك مصر من الأوراق والأدوات العسكرية ما يجعلها في المستقبل تضمن ولاء تلك الدولة الشرقية الناشئة على الحدود المصرية، من الناحية السياسية والجيوغرافية والديموغرافية، وهل ستضمن مستقبلا أن تكون تلك الدولة الشرقية منطقةً عازلة بينها وبين الدولة الناشئة في الغرب؟

انخراط مصر في حرب الوكالة تلك، إلى جانب حلف الثورة المضادّة في المنطقة (الإمارات والسعودية) جعل مصر تفقد موقف الوسيط النزيه

في المقابل، يصور النظام المصري وإعلامه أن الخطر الحقيقي في ليبيا هو التركي فقط، متناسين الخطر الروسي، وما تفعله روسيا بليبيا، في محاولةٍ لجعل ليبيا أشبه بسورية، حيث إنها تستخدم الأدوات نفسها التي استخدمتها من قبل في سورية في الواقع الليبي، فروسيا تجيد زرع بذور الفتنة بين الأطراف المتصارعة. وفي الوقت نفسه، تجيد فتح قنوات اتصالات مباشرة ومنفصلة مع كل طرفٍ على حدة، فما نراه الآن أن هناك محاولات روسية مدعومة بمحاولات سعودية إماراتية لإدخال مصر الحرب في ليبيا، وجعلها متورّطةً هناك، فمن خلال قنوات غير رسمية، تبعث روسيا إلى النظام المصري رسائل أنها ستدعمه وتمدّه بالسلاح حال تدخله في ليبيا، محاولةً في ذلك إرسال رسالة أن النظام في القاهرة يتحالف معها. وفي الوقت نفسه، لديها قنوات اتصال وتفاهمات مع الولايات المتحدة بهذا الشأن، إلى جانب تفاهماتها الواسعة مع تركيا، وقد برهنت الحرب السورية على أن هناك تفاهمات وتقاطعات واسعة بين الروس والأتراك، والقدرة علي تجاوز الخلافات، وتقديم حلول تخدم مصالح الطرفين. إيعاز روسيا إلى الجانب المصري بالدخول في الحرب الدائرة في ليبيا هدفه تكوين حلف موالٍ لها يكون مرتهنا بها في المستقبل، وتتحكم فيه على الأرض الليبية. ولن تجد أفضل من القاهرة لتورّطها في ذلك، ثم تتخلى عنها، كما فعلت ذلك من قبل مرارا وتكرارا مع غيرها. ولكن لو حدث ذلك، فهذا معناه عزل للقاهرة ومواجهة منفردة للعالم. وهنا يكون السؤال: هل تستطيع القاهرة امتلاك الإمكانات المالية والعسكرية لتبقى في ليبيا؟ الإجابة أن القاهرة المحاصرة بالأزمات لا تستطيع ذلك، وستكون عرضةً للضغوط والعقوبات الدولية. وأظن أن النظام المصري، أو بعضا ممن حوله، يدركون هذا. لذلك لن يكون هناك تورّط في الدخول في حرب في ليبيا.

يصور النظام المصري وإعلامه أن الخطر الحقيقي في ليبيا هو التركي فقط، متناسين الخطر الروسي

ولكن هل تملك القاهرة أي حلولٍ للوضع الليبي، أو تقدّم أي مساهمة في ذلك؟ على الرغم من أن الوقت أصبح متأخرا، لكن القاهرة تستطيع فعل ذلك في حالةٍ واحدة، وهي إعادة تقييم سياستها في ليبيا، وتراجعها عن دعم الجنرال حفتر، ولعب دور الوسيط بالتعاون من القوى الغربية، والعودة إلى قرارات الأمم المتحدة، وإلى ما انتهى إليه مؤتمر برلين. لكن ذلك يستلزم أن تفكّ القاهرة ارتباطها بحلف الثورة المضادة في المنطقة (السعودية والإمارات)، وأن تعيد تقييم سياستها الخارجية بما يتوافق مع مصالحها ومصالح أمنها القومي، فهل تكون القاهرة قادرةً في فعل ذلك في ظل حكم الجنرال السيسي؟

BA733789-23B4-4A69-9D4A-CB7E100A9A4B
تقادم الخطيب

أكاديمي، باحث مصري في جامعة برلين، مشارك في الحراك السياسي المصري منذ 2006؛ ومسؤول ملف الاتصال السياسي في الجمعية الوطنية للتغيير سابقاً.